[ ص: 3960 ] (101) سورة القارعة مكية
وآياتها إحدى عشرة
بسم الله الرحمن الرحيم
القارعة (1) ما القارعة (2) وما أدراك ما القارعة (3) يوم يكون الناس كالفراش المبثوث (4) وتكون الجبال كالعهن المنفوش (5) فأما من ثقلت موازينه (6) فهو في عيشة راضية (7) وأما من خفت موازينه (8) فأمه هاوية (9) وما أدراك ما هيه (10) نار حامية (11)
القارعة: القيامة. كالطامة، والصاخة، والحاقة، والغاشية. والقارعة توحي بالقرع واللطم، فهي تقرع القلوب بهولها.
والسورة كلها عن هذه القارعة. حقيقتها. وما يقع فيها. وما تنتهي إليه.. فهي تعرض مشهدا من مشاهد القيامة.
والمشهد المعروض هنا مشهد هول تتناول آثاره الناس والجبال. فيبدو الناس في ظله صغارا ضئالا على كثرتهم: فهم كالفراش المبثوث مستطارون مستخفون في حيرة الفراش الذي يتهافت على الهلاك، وهو لا يملك لنفسه وجهة، ولا يعرف له هدفا! وتبدو الجبال التي كانت ثابتة راسخة كالصوف المنفوش تتقاذفه الرياح وتعبث به حتى الأنسام! فمن تناسق التصوير أن تسمى القيامة بالقارعة، فيتسق الظل الذي يلقيه اللفظ، والجرس الذي تشترك فيه حروفه كلها، مع آثار القارعة في الناس والجبال سواء! وتلقي إيحاءها للقلب والمشاعر، تمهيدا لما ينتهي إليه المشهد من حساب وجزاء!
القارعة. ما القارعة؟ وما أدراك ما القارعة؟ ..
لقد بدأ بإلقاء الكلمة مفردة كأنها قذيفة: القارعة بلا خبر ولا صفة. لتلقي بظلها وجرسها الإيحاء المدوي المرهوب!
ثم أعقبها سؤال التهويل: ما القارعة؟ .. فهي الأمر المستهول الغامض الذي يثير الدهش والتساؤل!
[ ص: 3961 ] ثم أجاب بسؤال التجهيل: وما أدراك ما القارعة؟ .. فهي أكبر من أن يحيط بها الإدراك، وأن يلم بها التصور!
ثم الإجابة بما يكون فيها، لا بماهيتها. فماهيتها فوق الإدراك والتصور كما أسلفنا:
يوم يكون الناس كالفراش المبثوث، وتكون الجبال كالعهن المنفوش ..
هذا هو المشهد الأول للقارعة. مشهد تطير له القلوب شعاعا، وترجف منه الأوصال ارتجافا. ويحس السامع كأن كل شيء يتشبث به في الأرض قد طار حوله هباء! ثم تجيء الخاتمة للناس جميعا:
فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية، وأما من خفت موازينه فأمه هاوية. وما أدراك ما هيه؟ نار حامية! .
وثقل الموازين وخفتها تفيدنا: قيما لها عند الله اعتبار، وقيما ليس لها عنده اعتبار. وهذا ما يلقيه التعبير بجملته، وهذا - والله أعلم - ما يريده الله بكلماته. فالدخول في جدل عقلي ولفظي حول هذه التعبيرات هو جفاء للحس القرآني، وعبث ينشئه الفراغ من الاهتمام الحقيقي بالقرآن والإسلام!
فأما من ثقلت موازينه في اعتبار الله وتقويمه فهو في عيشة راضية .. ويدعها مجملة بلا تفصيل، توقع في الحس ظلال الرضى وهو أروح النعيم
وأما من خفت موازينه في اعتبار الله وتقويمه فأمه هاوية .. والأم هي مرجع الطفل وملاذه. فمرجع القوم وملاذهم يومئذ هو الهاوية! وفي التعبير أناقة ظاهرة، وتنسيق خاص. وفيه كذلك غموض يمهد لإيضاح بعده يزيد في عمق الأثر المقصود:
وما أدراك ما هيه؟ ..
سؤال التجهيل والتهويل المعهود في القرآن، لإخراج الأمر عن حدود التصور وحيز الإدراك!
ثم يجيء الجواب كنبرة الختام:
نار حامية ..
هذه هي أم الذي خفت موازينه! أمه التي يفيء إليها ويأوي! والأم عندها الأمن والراحة. فماذا هو واجد عند أمه هذه.. الهاوية.. النار.. الحامية!!
إنها مفاجأة تعبيرية تمثل الحقيقة القاسية!