nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36nindex.php?page=treesubj&link=28666_19806_18004_29428_18003_28662_28975واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=37nindex.php?page=treesubj&link=28975_18897الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=38والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=39وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله وكان الله بهم عليما nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=40nindex.php?page=treesubj&link=30531_30364_29703_28975إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=41nindex.php?page=treesubj&link=25027_28975_31037فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=42يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43nindex.php?page=treesubj&link=25353_19696_17195_28975_32208يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا
هناك أكثر من مناسبة واحدة، تربط بين مطلع هذا الدرس وبين محور السورة كلها، وموضوعاتها الأساسية من ناحية وبينه وبين موضوعات الدرس السابق في هذا الجزء من ناحية أخرى.
فهذا الدرس بدء جولة في تنظيم حياة المجتمع المسلم ; وتخليصه من رواسب الجاهلية، وتثبيت الملامح الإسلامية
[ ص: 658 ] الجديدة; والتحذير من أهل الكتاب - وهم اليهود
بالمدينة - وما جبلوا عليه من شر ونكر; وما ينفثونه في المجتمع المسلم، وما يبذلونه من جهود لتعويق نموه وتكامله وبخاصة من الناحية الأخلاقية، وناحية التكافل والتعاون، اللتين هما موضع القوة النامية في هذا المجتمع الجديد..
ولأن الدرس الجديد جولة جديدة، فقد بدأ بالقاعدة الأولية التي يقوم عليها المجتمع المسلم - قاعدة التوحيد الخالص - التي تنبثق منها حياته; وينبثق منها منهج هذه الحياة، في كل جانب، وفي كل اتجاه.
وقد سبق هذا الدرس أشواط منوعة في التنظيم العائلي، والتنظيم الاجتماعي. وكان الحديث في الدرس السابق عن الأسرة وتنظيمها ووسائل صيانتها، والروابط التي تشدها وتوثق بناءها.. فجاء هذا الدرس يتناول علاقات إنسانية - في المجتمع المسلم - أوسع مدى من علاقات الأسرة; ومتصلة بها كذلك. متصلة بها بالحديث عن الوالدين. ومتصلة بها في توسعها بعد علاقة الوالدين، لتشمل علاقات أخرى; ينبع الشعور بها من المشاعر الودود الطيبة التي تنشأ في جو الأسرة المتحابة; حتى تفيض على جوانب الإنسانية الأخرى; ويتعلمها الإنسان - أول ما يتعلمها - في جو الأسرة الحاني ومحضنها الرفيق. ومن هناك يتوسع في علاقاته بأسرة الإنسانية كلها بعد ما بذرت بذورها في حسه أسرته الخاصة القريبة.
ولأن في الدرس الجديد توجيهات إلى رعاية الأسرة القريبة - العائلة - والأسرة الكبيرة - الإنسانية - وإقامة قيم وموازين في هذا الحقل، للباذلين وللباخلين.. فقد ابتدأ الدرس بالقاعدة الأساسية التي تنبثق منها كل القيم والموازين - كما ينبثق منها منهج الحياة كله في المجتمع المسلم - وهي قاعدة التوحيد.. وربط كل حركة وكل نشاط، وكل خالجة وكل انفعال بمعنى العبادة لله. التي هي غاية كل نشاط إنساني، في ضمير المسلم وفي حياته..
وبسبب من الحديث عن
nindex.php?page=treesubj&link=28666_28678عبادة الله وحده - في محيطها الشامل - جاءت الفقرة الثانية في الدرس; تبين بعض أحكام الصلاة والطهارة; وتتخذ خطوة في طريق
nindex.php?page=treesubj&link=17190تحريم الخمر - ولم تكن قد حرمت بعد - باعتبار هذه الخطوة جزءا من برنامج التربية الإسلامية العامة الدائبة الخطى في المجتمع الوليد. وباعتبار علاقتها بالعبادة والصلاة والتوحيد..
حلقات متماسكة بعضها مع بعض. ومع الدرس السابق. ومع محور السورة كذلك.
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=37الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=38والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس، ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر. ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=39وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله، وكان الله بهم عليما nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=40إن الله لا يظلم مثقال ذرة، وإن تك حسنة يضاعفها، ويؤت من لدنه أجرا عظيما nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=41فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد، وجئنا بك على هؤلاء شهيدا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=42يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض، ولا يكتمون الله حديثا ..
هذه الفقرة
nindex.php?page=treesubj&link=28678_32022_28675تبدأ بالأمر بعبادة الله وحده، والنهي عن إشراك شيء به.. تبدأ بحرف عطف يربط بين هذا الأمر، وهذا النهي، والأوامر السابقة الخاصة بتنظيم الأسرة في أواخر الدرس الماضي. فيدل هذا الربط
[ ص: 659 ] بين الموضوعين على الوحدة الكلية الشاملة المتكاملة في هذا الدين. فليس هو مجرد عقيدة تستكن في الضمير; ولا مجرد شعائر تقام; وعبادات ولا مجرد تنظيم دنيوي منقطع الصلة بالعقيدة وبالشعائر التعبدية.. إنما هو منهج يشمل هذا النشاط كله، ويربط بين جوانبه، ويشدها جميعا إلى الأصل الأصيل. وهو توحيد الله. والتلقي منه وحده - في هذا النشاط كله - دون سواه. توحيده إلها معبودا. وتوحيده مصدرا للتوجيه والتشريع لكل النشاط الإنساني أيضا. لا ينفك هذا التوحيد عن ذاك - في الإسلام - وفي دين الله الصحيح على الإطلاق.
ويلي الأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك ،
nindex.php?page=treesubj&link=33313_32468_18033_18004الأمر بالإحسان إلى تلك المجموعات من الأسرة الخاصة، والأسرة الإنسانية وتقبيح البخل والخيلاء والفخر وأمر الناس بالبخل، وكتمان فضل الله - من أي نوع سواء كان من المال أم من العلم والدين - والتحذير من اتباع الشيطان; والتلويح بعذاب الآخرة، وما فيه من خزي وافتضاح.. لربط هذا كله بالتوحيد; وتحديد المصدر الذي يتلقى منه من يعبد الله ولا يشرك به شيئا. وهو مصدر كذلك واحد لا يتعدد ولا يشاركه أحد في التوجيه والتشريع; كما لا يشاركه أحد في الألوهية وعبادة الناس له بلا شريك.
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا. وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين، والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب. وابن السبيل، وما ملكت أيمانكم ... .
إن التشريعات والتوجيهات - في منهج الله - إنما تنبثق كلها من أصل واحد، وترتكز على ركيزة واحدة. إنها تنبثق من العقيدة في الله، وترتكز على التوحيد المطلق سمة هذه العقيدة.. ومن ثم يتصل بعضها ببعض; ويتناسق بعضها مع بعض; ويصعب فصل جزئية منها عن جزئية; وتصبح دراسة أي منها ناقصة بدون الرجوع إلى أصلها الكبير الذي تلتقي عنده; ويصبح العمل ببعضها دون البعض الآخر غير واف بتحقيق صفة الإسلام; كما أنه غير واف بتحقيق ثمار المنهج الإسلامي في الحياة.
من العقيدة في الله تنبع كل التصورات الأساسية للعلاقات الكونية والحيوية والإنسانية. تلك التصورات التي تقوم عليها المناهج الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأخلاقية والعالمية. والتي تؤثر في علاقات الناس بعضهم ببعض، في كل مجالي النشاط الإنساني في الأرض; والتي تكيف ضمير الفرد وواقع المجتمع; والتي تجعل المعاملات عبادات - بما فيها من اتباع لمنهج الله ومراقبة الله - والعبادات قاعدة للمعاملات - بما فيها من تطهير للضمير والسلوك - والتي تحيل الحياة في النهاية وحدة متماسكة; تنبثق من المنهج الرباني، وتتلقى منه وحده دون سواه، وتجعل مردها في الدنيا والآخرة إلى الله.
هذه السمة الأساسية في العقيدة الإسلامية، وفي المنهج الإسلامي، وفي دين الله الصحيح كله، تبرز هنا في تصدير آية الإحسان إلى الوالدين والأقربين، وغيرهم من طوائف الناس. بعبادة الله وتوحيده - كما أسلفنا - ثم في الجمع بين قرابة الوالدين، وقرابة هذه الطوائف من الناس، متصلة هذه وتلك بعبادة الله وتوحيده - كذلك - وذلك بعد أن جعل هذه العبادة وهذا التوحيد واسطة ما بين دستور الأسرة القريبة في نهاية الدرس الماضي، ودستور العلاقات الإنسانية الواسعة في هذا الدرس - على النحو الذي بينا من قبل - ليصلها جميعا بتلك الآصرة التي تضم الأواصر جميعا; وليوحد المصدر الذي يشرع ويوجه في شأن هذه الأواصر جميعا..
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ..
الأمر الأول بعبادة الله.. والنهي الثاني لتحريم عبادة أحد - معه - سواه. نهيا باتا، شاملا، لكل أنواع المعبودات التي عرفتها البشرية:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36ولا تشركوا به شيئا .. شيئا كائنا ما كان، من مادة أو حيوان أو إنسان
[ ص: 660 ] أو ملك أو شيطان.. فكلها مما يدخل في مدلول كلمة شيء، عند إطلاق التعبير على هذا المنوال..
ثم ينطلق إلى الأمر بالإحسان إلى الوالدين - على التخصيص - ولذوي القربى - على التعميم - ومعظم الأوامر تتجه إلى توصية الذرية بالوالدين وإن كانت لم تغفل توجيه الوالدين إلى الذرية; فقد كان الله أرحم بالذراري من آبائهم وأمهاتهم في كل حال. والذرية بصفة خاصة أحوج إلى توجيهها للبر بالوالدين. بالجيل المدبر المولي. إذ الأولاد - في الغالب - يتجهون بكينونتهم كلها، وبعواطفهم ومشاعرهم واهتماماتهم إلى الجيل الذي يخلفهم; لا الجيل الذي خلفهم! وبينما هم مدفوعون في تيار الحياة إلى الأمام، غافلون عن التلفت إلى الوراء، تجيئهم هذه التوجيهات من الرحمن الرحيم، الذي لا يترك والدا ولا مولودا، والذي لا ينسى ذرية ولا والدين; والذي يعلم عباده الرحمة بعضهم ببعض، ولو كانوا ذرية أو والدين!
كذلك يلحظ في هذه الآية - وفي كثير غيرها - أن التوجيه إلى البر يبدأ بذوي القربى - قرابة خاصة أو عامة - ثم يمتد منها ويتسع نطاقه من محورها، إلى بقية المحتاجين إلى الرعاية من الأسرة الإنسانية الكبيرة. وهذا المنهج يتفق - أولا - مع الفطرة ويسايرها. فعاطفة الرحمة، ووجدان المشاركة، يبدآن أولا في البيت. في الأسرة الصغيرة. وقلما ينبثقان في نفس لم تذق طعم هذه العاطفة ولم تجد مس هذا الوجدان في المحضن الأول. والنفس كذلك أميل إلى البدء بالأقربين - فطرة وطبعا - ولا بأس من ذلك ولا ضير; ما دامت توجه دائما إلى التوسع في الدائرة من هذه النقطة ومن هذا المحور.. ثم يتفق المنهج - ثانيا - مع طريقة التنظيم الاجتماعي الإسلامية: من جعل الكافل يبدأ في محيط الأسرة; ثم ينساح في محيط الجماعة. كي لا يركز عمليات التكافل في يد الأجهزة الحكومية الضخمة - إلا عندما تعجز الأجهزة الصغيرة المباشرة - فالوحدات المحلية الصغيرة أقدر على تحقيق هذا التكافل: في وقته المناسب وفي سهولة ويسر. وفي تراحم وود يجعل جو الحياة لائقا ببني الإنسان!
وهنا
nindex.php?page=treesubj&link=19806_18004يبدأ بالإحسان إلى الوالدين. ويتوسع منهما إلى ذوي القربى. ومنهم إلى اليتامى والمساكين - ولو أنهم قد يكونون أبعد مكانا من الجار. ذلك أنهم أشد حاجة وأولى بالرعاية - ثم الجار ذي القرابة. فالجار الأجنبي - مقدمين على الصاحب المرافق - لأن الجار قربه دائم، أما الصاحب فلقاؤه على فترات ثم الصاحب المرافق - وقد ورد في تفسيره أنه الجليس في الحضر، الرفيق في السفر - ثم ابن السبيل. العابر المنقطع عن أهله وماله. ثم الرقيق الذين جعلتهم الملابسات "ملك اليمين" ولكنهم يتصلون بآصرة الإنسانية الكبرى بين بني آدم أجمعين.
ويعقب على الأمر بالإحسان، بتقبيح الاختيال والفخر، والبخل والتبخيل، وكتمان نعمة الله وفضله، والرياء في الإنفاق; والكشف عن سبب هذا كله، وهو عدم الإيمان بالله واليوم الآخر، واتباع الشيطان وصحبته:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=37الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل، ويكتمون ما آتاهم الله من فضله. وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=38والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس، ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر. ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا ...
وهكذا تتضح مرة أخرى تلك اللمسة الأساسية في المنهج الإسلامي. وهي ربط كل مظاهر السلوك، وكل دوافع الشعور، وكل علاقات المجتمع بالعقيدة. فإفراد الله - سبحانه - بالعبادة والتلقي، يتبعه الإحسان إلى البشر، ابتغاء وجه الله ورضاه، والتعلق بثوابه في الآخرة; في أدب ورفق ومعرفة بأن العبد لا ينفق إلا من رزق الله. فهو لا يخلق رزقه، ولا ينال إلا من عطاء الله.. والكفر بالله وباليوم الآخر يصاحبه الاختيال والفخر،
[ ص: 661 ] والبخل والأمر بالبخل، وكتمان فضل الله ونعمته بحيث لا تظهر آثارها في إحسان أو عطاء; أو الإنفاق رياء وتظاهرا طلبا للمفخرة عند الناس; إذ لا إيمان بجزاء آخر غير الفخر والخيلاء بين العباد!
وهكذا تتحدد "الأخلاق" .. أخلاق الإيمان. وأخلاق الكفر.. فالباعث على العمل الطيب، والخلق الطيب، هو الإيمان بالله واليوم الآخر، والتطلع إلى رضاء الله.. وجزاء الآخرة. فهو باعث رفيع لا ينتظر صاحبه جزاء من الناس، ولا يتلقاه ابتداء من عرف الناس! فإذا لم يكن هناك إيمان بإله يبتغى وجهه، وتتحدد بواعث العمل بالرغبة في رضاه. وإذا لم يكن هناك اعتقاد بيوم آخر يتم فيه الجزاء.. اتجه هم الناس إلى نيل القيم الأرضية المستمدة من عرف الناس. وهذه لا ضابط لها في جيل واحد في رقعة واحدة، فضلا عن أن يكون لها ضابط ثابت في كل زمان وفي كل مكان! وكانت هذه هي بواعثهم للعمل. وكان هناك التأرجح المستمر كتأرجح أهواء الناس وقيمهم التي لا تثبت على حال! وكان معها تلك الصفات الذميمة من الفخر والخيلاء، والبخل والتبخيل، ومراءاة الناس لا التجرد والإخلاص!
والتعبير القرآني يقول: إن الله "لا يحب" هؤلاء.. والله - سبحانه - لا ينفعل انفعال الكره والحب. إنما المقصود ما يصاحب هذا الانفعال في مألوف البشر من الطرد والأذى وسوء الجزاء:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=37وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا .. والإهانة هي الجزاء المقابل للفخر والخيلاء . ولكن التعبير القرآني يلقي ظلاله - إلى جوار المعنى المقصود - وهي ظلال مقصودة; تثير في النفوس الكره لهذه الصفات، ولهذه التصرفات; كما تثير الاحتقار والاشمئزاز. وبخاصة حين يضم إليها أن الشيطان هو قرينهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=38ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا !
وقد ورد أن هذه النصوص نزلت في جماعة من يهود
المدينة .. وهي صفات تنطبق على اليهود ، كما تنطبق على المنافقين .. وكلاهما كان موجودا في المجتمع المسلم في ذلك الحين.. وقد تكون الإشارة إلى كتمانهم ما آتاهم الله من فضله، تعني كذلك كتمانهم للحقائق التي يعرفونها في كتبهم عن هذا الدين، وعن رسوله الأمين.. ولكن النص عام، والسياق بصدد الإحسان بالمال وبالمعاملة. فأولى أن نترك مفهومه عاما. لأنه الأقرب إلى طبيعة السياق.
وحين ينتهي من عرض سوءات نفوسهم; وسوءات سلوكهم; ومن عرض أسبابها من الكفر بالله واليوم الآخر، وصحبة الشيطان واتباعه; ومن الجزاء المعد المهيأ لأصحاب هذه السوءات، وهو العذاب المهين.. عندئذ يسأل في استنكار:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=39وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله وكان الله بهم عليما nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=40إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ..
أجل! ماذا عليهم؟ ما الذي يخشونه من الإيمان بالله واليوم الآخر، والإنفاق من رزق الله. والله عليم بهم بما أنفقوا وبما استقر في قلوبهم من بواعث. والله لا يظلم مثقال ذرة فلا خشية من الجهل بإيمانهم وإنفاقهم. ولا خوف من الظلم في جزائهم.. بل هناك الفضل والزيادة، بمضاعفة الحسنات، والزيادة من فضل الله بلا حساب.
إن طريق الإيمان أضمن وأكسب - على كل حال وعلى كل احتمال - وحتى بحساب الربح المادي والخسارة المادية، فإن الإيمان - في هذه الصورة - يبدو هو الأضمن وهو الأربح! فماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر، وأنفقوا مما رزقهم الله؟ إنهم لا ينفقون من شيء خلقوه لأنفسهم خلقا; إنما هو رزق الله لهم. ومع ذلك
[ ص: 662 ] يضاعف لهم الحسنة; ويزيدهم من فضله. وهم من رزقه ينفقون ويعطون! فياله من كرم! وياله من فيض! ويالها من صفقة لا يقعد عنها إلا جاهل خسران!
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36nindex.php?page=treesubj&link=28666_19806_18004_29428_18003_28662_28975وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=37nindex.php?page=treesubj&link=28975_18897الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=38وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=39وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=40nindex.php?page=treesubj&link=30531_30364_29703_28975إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=41nindex.php?page=treesubj&link=25027_28975_31037فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=42يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43nindex.php?page=treesubj&link=25353_19696_17195_28975_32208يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا
هُنَاكَ أَكْثَرُ مِنْ مُنَاسَبَةٍ وَاحِدَةٍ، تَرْبِطُ بَيْنَ مَطْلَعِ هَذَا الدَّرْسِ وَبَيْنَ مِحْوَرِ السُّورَةِ كُلِّهَا، وَمَوْضُوعَاتِهَا الْأَسَاسِيَّةِ مِنْ نَاحِيَةٍ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوْضُوعَاتِ الدَّرْسِ السَّابِقِ فِي هَذَا الْجُزْءِ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى.
فَهَذَا الدَّرْسُ بَدْءُ جَوْلَةٍ فِي تَنْظِيمِ حَيَاةِ الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ ; وَتَخْلِيصِهِ مِنْ رَوَاسِبِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَتَثْبِيتِ الْمَلَامِحِ الْإِسْلَامِيَّةِ
[ ص: 658 ] الْجَدِيدَةِ; وَالتَّحْذِيرِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ - وَهُمُ الْيَهُودُ
بِالْمَدِينَةِ - وَمَا جُبِلُوا عَلَيْهِ مِنْ شَرٍّ وَنُكْرٍ; وَمَا يَنْفُثُونَهُ فِي الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ، وَمَا يَبْذُلُونَهُ مِنْ جُهُودٍ لِتَعْوِيقِ نُمُوِّهِ وَتَكَامُلِهِ وَبِخَاصَّةٍ مِنَ النَّاحِيَةِ الْأَخْلَاقِيَّةِ، وَنَاحِيَةِ التَّكَافُلِ وَالتَّعَاوُنِ، اللَّتَيْنِ هُمَا مَوْضِعُ الْقُوَّةِ النَّامِيَةِ فِي هَذَا الْمُجْتَمَعِ الْجَدِيدِ..
وَلِأَنَّ الدَّرْسَ الْجَدِيدَ جَوْلَةٌ جَدِيدَةٌ، فَقَدْ بَدَأَ بِالْقَاعِدَةِ الْأَوَّلِيَّةِ الَّتِي يَقُومُ عَلَيْهَا الْمُجْتَمَعُ الْمُسْلِمُ - قَاعِدَةِ التَّوْحِيدِ الْخَالِصِ - الَّتِي تَنْبَثِقُ مِنْهَا حَيَاتُهُ; وَيَنْبَثِقُ مِنْهَا مَنْهَجُ هَذِهِ الْحَيَاةِ، فِي كُلِّ جَانِبٍ، وَفِي كُلِّ اتِّجَاهٍ.
وَقَدْ سَبَقَ هَذَا الدَّرْسَ أَشْوَاطٌ مُنَوَّعَةٌ فِي التَّنْظِيمِ الْعَائِلِيِّ، وَالتَّنْظِيمِ الِاجْتِمَاعِيِّ. وَكَانَ الْحَدِيثُ فِي الدَّرْسِ السَّابِقِ عَنِ الْأُسْرَةِ وَتَنْظِيمِهَا وَوَسَائِلِ صِيَانَتِهَا، وَالرَّوَابِطِ الَّتِي تَشُدُّهَا وَتُوَثِّقُ بِنَاءَهَا.. فَجَاءَ هَذَا الدَّرْسُ يَتَنَاوَلُ عَلَاقَاتٍ إِنْسَانِيَّةً - فِي الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ - أَوْسَعَ مَدَىً مِنْ عَلَاقَاتِ الْأُسْرَةِ; وَمُتَّصِلَةً بِهَا كَذَلِكَ. مُتَّصِلَةٌ بِهَا بِالْحَدِيثِ عَنِ الْوَالِدَيْنِ. وَمُتَّصِلَةٌ بِهَا فِي تَوَسُّعِهَا بَعْدَ عَلَاقَةِ الْوَالِدَيْنِ، لِتَشْمَلَ عَلَاقَاتٍ أُخْرَى; يَنْبُعُ الشُّعُورُ بِهَا مِنَ الْمَشَاعِرِ الْوَدُودِ الطَّيِّبَةِ الَّتِي تَنْشَأُ فِي جَوِّ الْأُسْرَةِ الْمُتَحَابَّةِ; حَتَّى تُفِيضَ عَلَى جَوَانِبِ الْإِنْسَانِيَّةِ الْأُخْرَى; وَيَتَعَلَّمَهَا الْإِنْسَانُ - أَوَّلَ مَا يَتَعَلَّمُهَا - فِي جَوِّ الْأُسْرَةِ الْحَانِي وَمَحْضَنِهَا الرَّفِيقِ. وَمِنْ هُنَاكَ يَتَوَسَّعُ فِي عَلَاقَاتِهِ بِأُسْرَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ كُلِّهَا بَعْدَ مَا بَذَرَتْ بُذُورَهَا فِي حِسِّهِ أُسْرَتُهُ الْخَاصَّةُ الْقَرِيبَةُ.
وَلِأَنَّ فِي الدَّرْسِ الْجَدِيدِ تَوْجِيهَاتٍ إِلَى رِعَايَةِ الْأُسْرَةِ الْقَرِيبَةِ - الْعَائِلَةِ - وَالْأُسْرَةِ الْكَبِيرَةِ - الْإِنْسَانِيَّةِ - وَإِقَامَةِ قِيَمٍ وَمَوَازِينَ فِي هَذَا الْحَقْلِ، لِلْبَاذِلِينَ وَلِلْبَاخِلِينَ.. فَقَدِ ابْتَدَأَ الدَّرْسُ بِالْقَاعِدَةِ الْأَسَاسِيَّةِ الَّتِي تَنْبَثِقُ مِنْهَا كُلُّ الْقِيَمِ وَالْمَوَازِينِ - كَمَا يَنْبَثِقُ مِنْهَا مَنْهَجُ الْحَيَاةِ كُلُّهُ فِي الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ - وَهِيَ قَاعِدَةُ التَّوْحِيدِ.. وَرَبْطِ كُلِّ حَرَكَةٍ وَكُلِّ نَشَاطٍ، وَكُلِّ خَالِجَةٍ وَكُلِّ انْفِعَالٍ بِمَعْنَى الْعِبَادَةِ لِلَّهِ. الَّتِي هِيَ غَايَةُ كُلِّ نَشَاطٍ إِنْسَانِيٍّ، فِي ضَمِيرِ الْمُسْلِمِ وَفِي حَيَاتِهِ..
وَبِسَبَبٍ مِنَ الْحَدِيثِ عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28666_28678عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ - فِي مُحِيطِهَا الشَّامِلِ - جَاءَتِ الْفِقْرَةُ الثَّانِيَةُ فِي الدَّرْسِ; تُبَيِّنُ بَعْضَ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ; وَتَتَّخِذُ خُطْوَةً فِي طَرِيقِ
nindex.php?page=treesubj&link=17190تَحْرِيمِ الْخَمْرِ - وَلَمْ تَكُنْ قَدْ حُرِّمَتْ بَعْدُ - بِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْخُطْوَةِ جُزْءًا مِنْ بَرْنَامَجِ التَّرْبِيَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ الْعَامَّةِ الدَّائِبَةِ الْخُطَى فِي الْمُجْتَمَعِ الْوَلِيدِ. وَبِاعْتِبَارِ عَلَاقَتِهَا بِالْعِبَادَةِ وَالصَّلَاةِ وَالتَّوْحِيدِ..
حَلَقَاتٌ مُتَمَاسِكَةٌ بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ. وَمَعَ الدَّرْسِ السَّابِقِ. وَمَعَ مِحْوَرِ السُّورَةِ كَذَلِكَ.
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=37الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=38وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ، وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ. وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=39وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ، وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=40إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا، وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=41فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ، وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=42يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ، وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا ..
هَذِهِ الْفِقْرَةُ
nindex.php?page=treesubj&link=28678_32022_28675تَبْدَأُ بِالْأَمْرِ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ، وَالنَّهْيِ عَنْ إِشْرَاكِ شَيْءٍ بِهِ.. تَبْدَأُ بِحَرْفِ عَطْفٍ يَرْبِطُ بَيْنَ هَذَا الْأَمْرِ، وَهَذَا النَّهْيِ، وَالْأَوَامِرِ السَّابِقَةِ الْخَاصَّةِ بِتَنْظِيمِ الْأُسْرَةِ فِي أَوَاخِرِ الدَّرْسِ الْمَاضِي. فَيَدُلُّ هَذَا الرَّبْطُ
[ ص: 659 ] بَيْنَ الْمَوْضُوعَيْنِ عَلَى الْوَحْدَةِ الْكُلِّيَّةِ الشَّامِلَةِ الْمُتَكَامِلَةِ فِي هَذَا الدِّينِ. فَلَيْسَ هُوَ مُجَرَّدَ عَقِيدَةٍ تَسْتَكِنُّ فِي الضَّمِيرِ; وَلَا مُجَرَّدَ شَعَائِرَ تُقَامُ; وَعِبَادَاتٍ وَلَا مُجَرَّدَ تَنْظِيمٍ دُنْيَوِيٍّ مُنْقَطِعِ الصِّلَةِ بِالْعَقِيدَةِ وَبِالشَّعَائِرِ التَّعَبُّدِيَّةِ.. إِنَّمَا هُوَ مَنْهَجٌ يَشْمَلُ هَذَا النَّشَاطَ كُلَّهُ، وَيَرْبِطُ بَيْنَ جَوَانِبِهِ، وَيَشُدُّهَا جَمِيعًا إِلَى الْأَصْلِ الْأَصِيلِ. وَهُوَ تَوْحِيدُ اللَّهِ. وَالتَّلَقِّي مِنْهُ وَحْدَهُ - فِي هَذَا النَّشَاطِ كُلِّهِ - دُونَ سِوَاهُ. تَوْحِيدُهُ إِلَهًا مَعْبُودًا. وَتَوْحِيدُهُ مَصْدَرًا لِلتَّوْجِيهِ وَالتَّشْرِيعِ لِكُلِّ النَّشَاطِ الْإِنْسَانِيِّ أَيْضًا. لَا يَنْفَكُّ هَذَا التَّوْحِيدُ عَنْ ذَاكَ - فِي الْإِسْلَامِ - وَفِي دِينِ اللَّهِ الصَّحِيحِ عَلَى الْإِطْلَاقِ.
وَيَلِي الْأَمْرَ بِالتَّوْحِيدِ وَالنَّهْيَ عَنِ الشِّرْكِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=33313_32468_18033_18004الْأَمْرُ بِالْإِحْسَانِ إِلَى تِلْكَ الْمَجْمُوعَاتِ مِنَ الْأُسْرَةِ الْخَاصَّةِ، وَالْأُسْرَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَتَقْبِيحُ الْبُخْلِ وَالْخُيَلَاءِ وَالْفَخْرِ وَأَمْرِ النَّاسِ بِالْبُخْلِ، وَكِتْمَانِ فَضْلِ اللَّهِ - مِنْ أَيِّ نَوْعٍ سَوَاءً كَانَ مِنَ الْمَالِ أَمْ مِنَ الْعِلْمِ وَالدِّينِ - وَالتَّحْذِيرُ مِنَ اتِّبَاعِ الشَّيْطَانِ; وَالتَّلْوِيحُ بِعَذَابِ الْآخِرَةِ، وَمَا فِيهِ مِنْ خِزْيٍ وَافْتِضَاحٍ.. لِرَبْطِ هَذَا كُلِّهِ بِالتَّوْحِيدِ; وَتَحْدِيدِ الْمَصْدَرِ الَّذِي يَتَلَقَّى مِنْهُ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا. وَهُوَ مَصْدَرٌ كَذَلِكَ وَاحِدٌ لَا يَتَعَدَّدُ وَلَا يُشَارِكُهُ أَحَدٌ فِي التَّوْجِيهِ وَالتَّشْرِيعِ; كَمَا لَا يُشَارِكُهُ أَحَدٌ فِي الْأُلُوهِيَّةِ وَعِبَادَةِ النَّاسِ لَهُ بِلَا شَرِيكٍ.
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا. وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ، وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ. وَابْنِ السَّبِيلِ، وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ... .
إِنَّ التَّشْرِيعَاتِ وَالتَّوْجِيهَاتِ - فِي مَنْهَجِ اللَّهِ - إِنَّمَا تَنْبَثِقُ كُلُّهَا مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ، وَتَرْتَكِزُ عَلَى رَكِيزَةٍ وَاحِدَةٍ. إِنَّهَا تَنْبَثِقُ مِنَ الْعَقِيدَةِ فِي اللَّهِ، وَتَرْتَكِزُ عَلَى التَّوْحِيدِ الْمُطْلَقِ سِمَةِ هَذِهِ الْعَقِيدَةِ.. وَمِنْ ثَمَّ يَتَّصِلُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ; وَيَتَنَاسَقُ بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ; وَيَصْعُبُ فَصْلُ جُزْئِيَّةٍ مِنْهَا عَنْ جُزْئِيَّةٍ; وَتُصْبِحُ دِرَاسَةُ أَيٍّ مِنْهَا نَاقِصَةً بِدُونِ الرُّجُوعِ إِلَى أَصْلِهَا الْكَبِيرِ الَّذِي تَلْتَقِي عِنْدَهُ; وَيُصْبِحُ الْعَمَلُ بِبَعْضِهَا دُونَ الْبَعْضِ الْآخَرِ غَيْرَ وَافٍ بِتَحْقِيقِ صِفَةِ الْإِسْلَامِ; كَمَا أَنَّهُ غَيْرُ وَافٍ بِتَحْقِيقِ ثِمَارِ الْمَنْهَجِ الْإِسْلَامِيِّ فِي الْحَيَاةِ.
مِنَ الْعَقِيدَةِ فِي اللَّهِ تَنْبُعُ كُلُّ التَّصَوُّرَاتِ الْأَسَاسِيَّةِ لِلْعَلَاقَاتِ الْكَوْنِيَّةِ وَالْحَيَوِيَّةِ وَالْإِنْسَانِيَّةِ. تِلْكَ التَّصَوُّرَاتُ الَّتِي تَقُومُ عَلَيْهَا الْمَنَاهِجُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ وَالِاقْتِصَادِيَّةُ وَالسِّيَاسِيَّةُ وَالْأَخْلَاقِيَّةُ وَالْعَالَمِيَّةُ. وَالَّتِي تُؤَثِّرُ فِي عَلَاقَاتِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، فِي كُلِّ مَجَالِي النَّشَاطِ الْإِنْسَانِيِّ فِي الْأَرْضِ; وَالَّتِي تُكَيِّفُ ضَمِيرَ الْفَرْدِ وَوَاقِعَ الْمُجْتَمَعِ; وَالَّتِي تَجْعَلُ الْمُعَامَلَاتِ عِبَادَاتٍ - بِمَا فِيهَا مِنَ اتِّبَاعٍ لِمَنْهَجِ اللَّهِ وَمُرَاقَبَةِ اللَّهِ - وَالْعِبَادَاتِ قَاعِدَةً لِلْمُعَامَلَاتِ - بِمَا فِيهَا مِنْ تَطْهِيرٍ لِلضَّمِيرِ وَالسُّلُوكِ - وَالَّتِي تُحِيلُ الْحَيَاةَ فِي النِّهَايَةِ وَحْدَةً مُتَمَاسِكَةً; تَنْبَثِقُ مِنَ الْمَنْهَجِ الرَّبَّانِيِّ، وَتَتَلَقَّى مِنْهُ وَحْدَهُ دُونَ سِوَاهُ، وَتَجْعَلُ مَرَدَّهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَى اللَّهِ.
هَذِهِ السِّمَةُ الْأَسَاسِيَّةُ فِي الْعَقِيدَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَفِي الْمَنْهَجِ الْإِسْلَامِيِّ، وَفِي دِينِ اللَّهِ الصَّحِيحِ كُلِّهِ، تَبْرُزُ هُنَا فِي تَصْدِيرِ آيَةِ الْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ طَوَائِفِ النَّاسِ. بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَتَوْحِيدِهِ - كَمَا أَسْلَفْنَا - ثُمَّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ قَرَابَةِ الْوَالِدَيْنِ، وَقَرَابَةِ هَذِهِ الطَّوَائِفِ مِنَ النَّاسِ، مُتَّصِلَةً هَذِهِ وَتِلْكَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَتَوْحِيدِهِ - كَذَلِكَ - وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ جَعَلَ هَذِهِ الْعِبَادَةَ وَهَذَا التَّوْحِيدَ وَاسِطَةً مَا بَيْنَ دُسْتُورِ الْأُسْرَةِ الْقَرِيبَةِ فِي نِهَايَةِ الدَّرْسِ الْمَاضِي، وَدُسْتُورِ الْعَلَاقَاتِ الْإِنْسَانِيَّةِ الْوَاسِعَةِ فِي هَذَا الدَّرْسِ - عَلَى النَّحْوِ الَّذِي بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ - لِيَصِلَهَا جَمِيعًا بِتِلْكَ الْآصِرَةِ الَّتِي تَضُمُّ الْأَوَاصِرَ جَمِيعًا; وَلِيُوَحِّدَ الْمَصْدَرَ الَّذِي يَشْرَعُ وَيُوَجِّهُ فِي شَأْنِ هَذِهِ الْأَوَاصِرِ جَمِيعًا..
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ..
الْأَمْرُ الْأَوَّلُ بِعِبَادَةِ اللَّهِ.. وَالنَّهْيُ الثَّانِي لِتَحْرِيمِ عِبَادَةِ أَحَدٍ - مَعَهُ - سِوَاهُ. نَهْيًا بَاتًّا، شَامِلًا، لِكُلِّ أَنْوَاعِ الْمَعْبُودَاتِ الَّتِي عَرَفَتْهَا الْبَشَرِيَّةُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا .. شَيْئًا كَائِنًا مَا كَانَ، مِنْ مَادَّةٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ إِنْسَانٍ
[ ص: 660 ] أَوْ مَلَكٍ أَوْ شَيْطَانٍ.. فَكُلُّهَا مِمَّا يَدْخُلُ فِي مَدْلُولِ كَلِمَةِ شَيْءٍ، عِنْدَ إِطْلَاقِ التَّعْبِيرِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ..
ثُمَّ يَنْطَلِقُ إِلَى الْأَمْرِ بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ - عَلَى التَّخْصِيصِ - وَلِذَوِي الْقُرْبَى - عَلَى التَّعْمِيمِ - وَمُعْظَمُ الْأَوَامِرِ تَتَّجِهُ إِلَى تَوْصِيَةِ الذُّرِّيَّةِ بِالْوَالِدَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تُغْفِلْ تَوْجِيهَ الْوَالِدَيْنِ إِلَى الذُّرِّيَّةِ; فَقَدْ كَانَ اللَّهُ أَرْحَمَ بِالذَّرَارِي مِنْ آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ فِي كُلِّ حَالٍ. وَالذُّرِّيَّةُ بِصِفَةٍ خَاصَّةٍ أَحْوَجُ إِلَى تَوْجِيهِهَا لِلْبِرِّ بِالْوَالِدَيْنِ. بِالْجِيلِ الْمُدْبِرِ الْمُوَلِّي. إِذِ الْأَوْلَادُ - فِي الْغَالِبِ - يَتَّجِهُونَ بِكَيْنُونَتِهِمْ كُلِّهَا، وَبِعَوَاطِفِهِمْ وَمَشَاعِرِهِمْ وَاهْتِمَامَاتِهِمْ إِلَى الْجِيلِ الَّذِي يَخْلُفُهُمْ; لَا الْجِيلِ الَّذِي خَلَّفَهُمْ! وَبَيْنَمَا هُمْ مَدْفُوعُونَ فِي تَيَّارِ الْحَيَاةِ إِلَى الْأَمَامِ، غَافِلُونَ عَنِ التَّلَفُّتِ إِلَى الْوَرَاءِ، تَجِيئُهُمْ هَذِهِ التَّوْجِيهَاتُ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الَّذِي لَا يَتْرُكُ وَالِدًا وَلَا مَوْلُودًا، وَالَّذِي لَا يَنْسَى ذُرِّيَّةً وَلَا وَالِدَيْنِ; وَالَّذِي يُعَلِّمُ عِبَادَهُ الرَّحْمَةَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ، وَلَوْ كَانُوا ذُرِّيَّةً أَوْ وَالِدَيْنِ!
كَذَلِكَ يُلْحَظُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ - وَفِي كَثِيرٍ غَيْرِهَا - أَنَّ التَّوْجِيهَ إِلَى الْبِرِّ يَبْدَأُ بِذَوِي الْقُرْبَى - قَرَابَةٍ خَاصَّةٍ أَوْ عَامَّةٍ - ثُمَّ يَمْتَدُّ مِنْهَا وَيَتَّسِعُ نِطَاقُهُ مِنْ مِحْوَرِهَا، إِلَى بَقِيَّةِ الْمُحْتَاجِينَ إِلَى الرِّعَايَةِ مِنَ الْأُسْرَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ الْكَبِيرَةِ. وَهَذَا الْمَنْهَجُ يَتَّفِقُ - أَوَّلًا - مَعَ الْفِطْرَةِ وَيُسَايِرُهَا. فَعَاطِفَةُ الرَّحْمَةِ، وَوِجْدَانُ الْمُشَارَكَةِ، يَبْدَآنِ أَوَّلًا فِي الْبَيْتِ. فِي الْأُسْرَةِ الصَّغِيرَةِ. وَقَلَّمَا يَنْبَثِقَانِ فِي نَفْسٍ لَمْ تَذُقْ طَعْمَ هَذِهِ الْعَاطِفَةِ وَلَمْ تَجِدْ مَسَّ هَذَا الْوِجْدَانِ فِي الْمَحْضَنِ الْأَوَّلِ. وَالنَّفْسُ كَذَلِكَ أَمْيَلُ إِلَى الْبَدْءِ بِالْأَقْرَبِينَ - فِطْرَةً وَطَبْعًا - وَلَا بَأْسَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا ضَيْرَ; مَا دَامَتْ تُوَجَّهُ دَائِمًا إِلَى التَّوَسُّعِ فِي الدَّائِرَةِ مِنْ هَذِهِ النُّقْطَةِ وَمِنْ هَذَا الْمِحْوَرِ.. ثُمَّ يَتَّفِقُ الْمَنْهَجُ - ثَانِيًا - مَعَ طَرِيقَةِ التَّنْظِيمِ الِاجْتِمَاعِيِّ الْإِسْلَامِيَّةِ: مِنْ جَعْلِ الْكَافِلِ يَبْدَأُ فِي مُحِيطِ الْأُسْرَةِ; ثُمَّ يَنْسَاحُ فِي مُحِيطِ الْجَمَاعَةِ. كَيْ لَا يُرَكِّزَ عَمَلِيَّاتِ التَّكَافُلِ فِي يَدِ الْأَجْهِزَةِ الْحُكُومِيَّةِ الضَّخْمَةِ - إِلَّا عِنْدَمَا تَعْجَزُ الْأَجْهِزَةُ الصَّغِيرَةُ الْمُبَاشِرَةُ - فَالْوَحَدَاتُ الْمَحَلِّيَّةُ الصَّغِيرَةُ أَقْدَرُ عَلَى تَحْقِيقِ هَذَا التَّكَافُلِ: فِي وَقْتِهِ الْمُنَاسِبِ وَفِي سُهُولَةٍ وَيُسْرٍ. وَفِي تَرَاحُمٍ وَوُدٍّ يَجْعَلُ جَوَّ الْحَيَاةِ لَائِقًا بِبَنِي الْإِنْسَانِ!
وَهُنَا
nindex.php?page=treesubj&link=19806_18004يَبْدَأُ بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ. وَيَتَوَسَّعُ مِنْهُمَا إِلَى ذَوِي الْقُرْبَى. وَمِنْهُمْ إِلَى الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ - وَلَوْ أَنَّهُمْ قَدْ يَكُونُونَ أَبْعَدَ مَكَانًا مِنَ الْجَارِ. ذَلِكَ أَنَّهُمْ أَشَدُّ حَاجَةً وَأَوْلَى بِالرِّعَايَةِ - ثُمَّ الْجَارِ ذِي الْقَرَابَةِ. فَالْجَارِ الْأَجْنَبِيِّ - مُقَدَّمَيْنِ عَلَى الصَّاحِبِ الْمُرَافِقِ - لِأَنَّ الْجَارَ قُرْبُهُ دَائِمٌ، أَمَّا الصَّاحِبُ فَلِقَاؤُهُ عَلَى فَتَرَاتٍ ثُمَّ الصَّاحِبِ الْمُرَافِقِ - وَقَدْ وَرَدَ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ الْجَلِيسُ فِي الْحَضَرِ، الرَّفِيقُ فِي السَّفَرِ - ثُمَّ ابْنِ السَّبِيلِ. الْعَابِرِ الْمُنْقَطِعِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ. ثُمَّ الرَّقِيقِ الَّذِينَ جَعَلَتْهُمُ الْمُلَابَسَاتُ "مِلْكَ الْيَمِينِ" وَلَكِنَّهُمْ يَتَّصِلُونَ بِآصِرَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ الْكُبْرَى بَيْنَ بَنِي آدَمَ أَجْمَعِينَ.
وَيُعَقِّبُ عَلَى الْأَمْرِ بِالْإِحْسَانِ، بِتَقْبِيحِ الِاخْتِيَالِ وَالْفَخْرِ، وَالْبُخْلِ وَالتَّبْخِيلِ، وَكِتْمَانِ نِعْمَةِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ، وَالرِّيَاءِ فِي الْإِنْفَاقِ; وَالْكَشْفِ عَنْ سَبَبِ هَذَا كُلِّهِ، وَهُوَ عَدَمُ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَاتِّبَاعُ الشَّيْطَانِ وَصُحْبَتُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=36إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=37الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ، وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ. وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=38وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ، وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ. وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا ...
وَهَكَذَا تَتَّضِحُ مَرَّةً أُخْرَى تِلْكَ اللَّمْسَةُ الْأَسَاسِيَّةُ فِي الْمَنْهَجِ الْإِسْلَامِيِّ. وَهِيَ رَبْطُ كُلِّ مَظَاهِرِ السُّلُوكِ، وَكُلِّ دَوَافِعِ الشُّعُورِ، وَكُلِّ عَلَاقَاتِ الْمُجْتَمَعِ بِالْعَقِيدَةِ. فَإِفْرَادُ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ - بِالْعِبَادَةِ وَالتَّلَقِّي، يَتْبَعُهُ الْإِحْسَانُ إِلَى الْبَشَرِ، ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَرِضَاهُ، وَالتَّعَلُّقِ بِثَوَابِهِ فِي الْآخِرَةِ; فِي أَدَبٍ وَرِفْقٍ وَمَعْرِفَةٍ بِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُنْفِقُ إِلَّا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ. فَهُوَ لَا يَخْلُقُ رِزْقَهُ، وَلَا يَنَالُ إِلَّا مِنْ عَطَاءِ اللَّهِ.. وَالْكُفْرُ بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ يُصَاحِبُهُ الِاخْتِيَالُ وَالْفَخْرُ،
[ ص: 661 ] وَالْبُخْلُ وَالْأَمْرُ بِالْبُخْلِ، وَكِتْمَانُ فَضْلِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ بِحَيْثُ لَا تَظْهَرُ آثَارُهَا فِي إِحْسَانٍ أَوْ عَطَاءٍ; أَوِ الْإِنْفَاقُ رِيَاءً وَتَظَاهُرًا طَلَبًا لِلْمَفْخَرَةِ عِنْدَ النَّاسِ; إِذْ لَا إِيمَانَ بِجَزَاءٍ آخَرَ غَيْرِ الْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ!
وَهَكَذَا تَتَحَدَّدُ "الْأَخْلَاقُ" .. أَخْلَاقُ الْإِيمَانِ. وَأَخْلَاقُ الْكُفْرِ.. فَالْبَاعِثُ عَلَى الْعَمَلِ الطَّيِّبِ، وَالْخُلُقِ الطَّيِّبِ، هُوَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَالتَّطَلُّعُ إِلَى رِضَاءِ اللَّهِ.. وَجَزَاءِ الْآخِرَةِ. فَهُوَ بَاعِثٌ رَفِيعٌ لَا يَنْتَظِرُ صَاحِبُهُ جَزَاءً مِنَ النَّاسِ، وَلَا يَتَلَقَّاهُ ابْتِدَاءً مِنْ عُرْفِ النَّاسِ! فَإِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إِيمَانٌ بِإِلَهٍ يُبْتَغَى وَجْهُهُ، وَتَتَحَدَّدُ بَوَاعِثُ الْعَمَلِ بِالرَّغْبَةِ فِي رِضَاهُ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ اعْتِقَادٌ بِيَوْمٍ آخِرٍ يَتِمُّ فِيهِ الْجَزَاءُ.. اتَّجَهَ هَمُّ النَّاسِ إِلَى نَيْلِ الْقِيَمِ الْأَرْضِيَّةِ الْمُسْتَمَدَّةِ مِنْ عُرْفِ النَّاسِ. وَهَذِهِ لَا ضَابِطَ لَهَا فِي جِيلٍ وَاحِدٍ فِي رُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهَا ضَابِطٌ ثَابِتٌ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَفِي كُلِّ مَكَانٍ! وَكَانَتْ هَذِهِ هِيَ بَوَاعِثَهُمْ لِلْعَمَلِ. وَكَانَ هُنَاكَ التَّأَرْجُحُ الْمُسْتَمِرُّ كَتَأَرْجُحِ أَهْوَاءِ النَّاسِ وَقِيَمِهِمُ الَّتِي لَا تَثْبُتُ عَلَى حَالٍ! وَكَانَ مَعَهَا تِلْكَ الصِّفَاتُ الذَّمِيمَةُ مِنَ الْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ، وَالْبُخْلِ وَالتَّبْخِيلِ، وَمُرَاءَاةِ النَّاسِ لَا التَّجَرُّدُ وَالْإِخْلَاصُ!
وَالتَّعْبِيرُ الْقُرْآنِيُّ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ "لَا يُحِبُّ" هَؤُلَاءِ.. وَاللَّهُ - سُبْحَانَهُ - لَا يَنْفَعِلُ انْفِعَالَ الْكُرْهِ وَالْحُبِّ. إِنَّمَا الْمَقْصُودُ مَا يُصَاحِبُ هَذَا الِانْفِعَالَ فِي مَأْلُوفِ الْبَشَرِ مِنَ الطَّرْدِ وَالْأَذَى وَسُوءِ الْجَزَاءِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=37وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا .. وَالْإِهَانَةُ هِيَ الْجَزَاءُ الْمُقَابِلُ لِلْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ . وَلَكِنَّ التَّعْبِيرَ الْقُرْآنِيَّ يُلْقِي ظِلَالَهُ - إِلَى جِوَارِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ - وَهِيَ ظِلَالٌ مَقْصُودَةٌ; تُثِيرُ فِي النُّفُوسِ الْكُرْهَ لِهَذِهِ الصِّفَاتِ، وَلِهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ; كَمَا تُثِيرُ الِاحْتِقَارَ وَالِاشْمِئْزَازَ. وَبِخَاصَّةٍ حِينَ يُضَمُّ إِلَيْهَا أَنَّ الشَّيْطَانَ هُوَ قَرِينُهُمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=38وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا !
وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ هَذِهِ النُّصُوصَ نَزَلَتْ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ يَهُودِ
الْمَدِينَةِ .. وَهِيَ صِفَاتٌ تَنْطَبِقُ عَلَى الْيَهُودِ ، كَمَا تَنْطَبِقُ عَلَى الْمُنَافِقِينَ .. وَكِلَاهُمَا كَانَ مَوْجُودًا فِي الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ فِي ذَلِكَ الْحِينِ.. وَقَدْ تَكُونُ الْإِشَارَةُ إِلَى كِتْمَانِهِمْ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، تَعْنِي كَذَلِكَ كِتْمَانَهُمْ لِلْحَقَائِقِ الَّتِي يَعْرِفُونَهَا فِي كُتُبِهِمْ عَنْ هَذَا الدِّينِ، وَعَنْ رَسُولِهِ الْأَمِينِ.. وَلَكِنَّ النَّصَّ عَامٌّ، وَالسِّيَاقَ بِصَدَدِ الْإِحْسَانِ بِالْمَالِ وَبِالْمُعَامَلَةِ. فَأَوْلَى أَنْ نَتْرُكَ مَفْهُومَهُ عَامًّا. لِأَنَّهُ الْأَقْرَبُ إِلَى طَبِيعَةِ السِّيَاقِ.
وَحِينَ يَنْتَهِي مِنْ عَرْضِ سَوْءَاتِ نُفُوسِهِمْ; وَسَوْءَاتِ سُلُوكِهِمْ; وَمِنْ عَرْضِ أَسْبَابِهَا مِنَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَصُحْبَةِ الشَّيْطَانِ وَاتِّبَاعِهِ; وَمِنَ الْجَزَاءِ الْمُعَدِّ الْمُهَيَّأِ لِأَصْحَابِ هَذِهِ السَّوْءَاتِ، وَهُوَ الْعَذَابُ الْمُهِينُ.. عِنْدَئِذٍ يَسْأَلُ فِي اسْتِنْكَارٍ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=39وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=40إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ..
أَجَلْ! مَاذَا عَلَيْهِمْ؟ مَا الَّذِي يَخْشَوْنَهُ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَالْإِنْفَاقِ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ. وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِهِمْ بِمَا أَنْفَقُوا وَبِمَا اسْتَقَرَّ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ بَوَاعِثَ. وَاللَّهُ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فَلَا خَشْيَةَ مِنَ الْجَهْلِ بِإِيمَانِهِمْ وَإِنْفَاقِهِمْ. وَلَا خَوْفَ مِنَ الظُّلْمِ فِي جَزَائِهِمْ.. بَلْ هُنَاكَ الْفَضْلُ وَالزِّيَادَةُ، بِمُضَاعَفَةِ الْحَسَنَاتِ، وَالزِّيَادَةُ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ بِلَا حِسَابٍ.
إِنَّ طَرِيقَ الْإِيمَانِ أَضْمَنُ وَأَكْسَبُ - عَلَى كُلِّ حَالٍ وَعَلَى كُلِّ احْتِمَالٍ - وَحَتَّى بِحِسَابِ الرِّبْحِ الْمَادِّيِّ وَالْخَسَارَةِ الْمَادِّيَّةِ، فَإِنَّ الْإِيمَانَ - فِي هَذِهِ الصُّورَةِ - يَبْدُو هُوَ الْأَضْمَنَ وَهُوَ الْأَرْبَحَ! فَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ؟ إِنَّهُمْ لَا يُنْفِقُونَ مِنْ شَيْءٍ خَلَقُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ خَلْقًا; إِنَّمَا هُوَ رِزْقُ اللَّهِ لَهُمْ. وَمَعَ ذَلِكَ
[ ص: 662 ] يُضَاعِفُ لَهُمُ الْحَسَنَةَ; وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ. وَهُمْ مِنْ رِزْقِهِ يُنْفِقُونَ وَيُعْطُونَ! فَيَالَهُ مِنْ كَرَمٍ! وَيَالَهُ مِنْ فَيْضٍ! وَيَالَهَا مِنْ صَفْقَةٍ لَا يَقْعُدُ عَنْهَا إِلَّا جَاهِلٌ خَسْرَانٌ!