تلك الشعائر والعبادات لا بد لها من حماية تدفع عنها الذين يصدون عن سبيل الله وتمنعهم من الاعتداء على حرية العقيدة وحرية العبادة، وعلى قداسة المعابد وحرمة الشعائر، وتمكن المؤمنين العابدين العاملين من تحقيق منهاج الحياة القائم على العقيدة، المتصل بالله، الكفيل بتحقيق الخير للبشرية في الدنيا والآخرة.
ومن ثم أذن الله للمسلمين بعد الهجرة في قتال المشركين ليدفعوا عن أنفسهم وعن عقيدتهم اعتداء المعتدين، بعد أن بلغ أقصاه، وليحققوا لأنفسهم ولغيرهم حرية العقيدة وحرية العبادة في ظل دين الله، ووعدهم النصر والتمكين، على شرط أن ينهضوا بتكاليف عقيدتهم التي بينها لهم فيما يلي من الآيات:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=38إن الله يدافع عن الذين آمنوا، إن الله لا يحب كل خوان كفور، nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=39أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا. وإن الله على نصرهم لقدير، nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=40الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا: ربنا الله. ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا. ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز، nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=41الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر. ولله عاقبة الأمور ..
إن قوى الشر والضلال تعمل في هذه الأرض، والمعركة مستمرة بين الخير والشر والهدى والضلال; والصراع قائم بين قوى الإيمان وقوى الطغيان منذ أن خلق الله الإنسان.
والشر جامح والباطل مسلح. وهو يبطش غير متحرج، ويضرب غير متورع; ويملك أن يفتن الناس عن الخير إن اهتدوا إليه، وعن الحق إن تفتحت قلوبهم له. فلا بد للإيمان والخير والحق من قوة تحميها من البطش، وتقيها من الفتنة وتحرسها من الأشواك والسموم.
ولم يشإ الله أن يترك الإيمان والخير والحق عزلا تكافح قوى الطغيان والشر والباطل، اعتمادا على
nindex.php?page=treesubj&link=28646_30471_28653_28801قوة الإيمان في النفوس وتغلغل الحق في الفطر، وعمق الخير في القلوب. فالقوة المادية التي يملكها الباطل قد تزلزل القلوب وتفتن النفوس وتزيغ الفطر. وللصبر حد وللاحتمال أمد، وللطاقة البشرية مدى تنتهي إليه. والله أعلم بقلوب الناس ونفوسهم. ومن ثم لم يشأ أن يترك المؤمنين للفتنة، إلا ريثما يستعدون للمقاومة، ويتهيأون للدفاع، ويتمكنون من وسائل الجهاد.. وعندئذ أذن لهم في القتال لرد العدوان.
وقبل أن يأذن لهم بالانطلاق إلى المعركة آذنهم أنه هو سيتولى الدفاع عنهم فهم في حمايته:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=38إن الله يدافع عن الذين آمنوا ..
وأنه يكره أعداءهم لكفرهم وخيانتهم فهم مخذولون حتما:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=38إن الله لا يحب كل خوان كفور ..
وأنه حكم لهم بأحقية دفاعهم وسلامة موقفهم من الناحية الأدبية فهم مظلومون غير معتدين ولا متبطرين:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=39أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ..
وأن لهم أن يطمئنوا إلى حماية الله لهم ونصره إياهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=39وإن الله على نصرهم لقدير ..
وأن لهم ما يبرر خوضهم للمعركة فهم منتدبون لمهمة إنسانية كبيرة، لا يعود خيرها عليهم وحدهم، إنما يعود على الجبهة المؤمنة كلها; وفيها ضمان لحرية العقيدة وحرية العبادة. وذلك فوق أنهم مظلمون أخرجوا من ديارهم بغير حق:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=40الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا: ربنا الله .. وهي أصدق كلمة
[ ص: 2425 ] أن تقال، وأحق كلمة بأن تقال. ومن أجل هذه الكلمة وحدها كان إخراجهم. فهو البغي المطلق الذي لا يستند إلى شبهة من ناحية المعتدين. وهو التجرد من كل هدف شخصي من ناحية المعتدى عليهم، إنما هي العقيدة وحدها من أجلها يخرجون، لا الصراع على عرض من أعراض هذه الأرض، التي تشتجر فيها الأطماع; وتتعارض فيها المصالح; وتختلف فيها الاتجاهات وتتضارب فيها المنافع!
ووراء هذا كله تلك القاعدة العامة.. حاجة العقيدة إلى الدفع عنها:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=40ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ..
والصوامع أماكن العبادة المنعزلة للرهبان، والبيع للنصارى عامة وهي أوسع من الصوامع، والصلوات أماكن العبادة لليهود . والمساجد أماكن العبادة للمسلمين.
وهي كلها معرضة للهدم - على قداستها وتخصيصها لعبادة الله - لا يشفع لها في نظر الباطل أن اسم الله يذكر فيها، ولا يحميها إلا دفع الله الناس بعضهم ببعض. أي دفع حماة العقيدة لأعدائها الذين ينتهكون حرمتها، ويعتدون على أهلها. فالباطل متبجح لا يكف ولا يقف عن العدوان إلا أن يدفع بمثل القوة التي يصول بها ويجول. ولا يكفي الحق أنه الحق ليقف عدوان الباطل عليه، بل لا بد من القوة تحميه وتدفع عنه. وهي قاعدة كلية لا تتبدل ما دام الإنسان هو الإنسان!
ولا بد من وقفة أمام هذه النصوص القليلة الكلمات العميقة الدلالة، وما وراءها من أسرار في عالم النفس وعالم الحياة.
إن الله يبدأ الإذن بالقتال للذين قاتلهم المشركون، واعتدى عليهم المبطلون، بأن الله يدافع عن الذين آمنوا، وأنه يكره المعتدين عليهم من الكفار الخائنين:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=38إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور ..
فقد ضمن للمؤمنين إذن أنه هو تعالى يدافع عنهم. ومن يدافع الله عنه فهو ممنوع حتما من عدوه، ظاهر حتما على عدوه.. ففيم إذن يأذن لهم بالقتال؟ وفيم إذن يكتب عليهم الجهاد؟ وفيم إذن يقاتلون فيصيبهم القتل والجرح، والجهد والمشقة، والتضحية والآلام ... والعاقبة معروفة، والله قادر على تحقيق العاقبة لهم بلا جهد ولا مشقة، ولا تضحية ولا ألم، ولا قتل ولا قتال؟
والجواب أن حكمة الله في هذا هي العليا، وأن لله الحجة البالغة.. والذي ندركه نحن البشر من تلك الحكمة ويظهر لعقولنا ومداركنا من تجاربنا ومعارفنا أن الله سبحانه لم يرد أن يكون حملة دعوته وحماتها من "التنابلة" الكسالى، الذين يجلسون في استرخاء، ثم يتنزل عليهم نصره سهلا هينا بلا عناء، لمجرد أنهم يقيمون الصلاة ويرتلون القرآن ويتوجهون إلى الله بالدعاء، كلما مسهم الأذى ووقع عليهم الاعتداء!
نعم إنهم يجب أن يقيموا الصلاة، وأن يرتلوا القرآن، وأن يتوجهوا إلى الله بالدعاء في السراء والضراء. ولكن هذه العبادة وحدها لا تؤهلهم لحمل دعوة الله وحمايتها; إنما هي الزاد الذي يتزودونه للمعركة. والذخيرة التي يدخرونها للموقعة، والسلاح الذي يطمئنون إليه وهم يواجهون الباطل بمثل سلاحه ويزيدون عنه سلاح التقوى والإيمان والاتصال بالله.
لقد شاء الله تعالى أن يجعل دفاعه عن الذين آمنوا يتم عن طريقهم هم أنفسهم كي يتم نضجهم هم في أثناء المعركة. فالبنية الإنسانية لا تستيقظ كل الطاقات المذخورة فيها كما تستيقظ وهي تواجه الخطر; وهي تدفع وتدافع، وهي تستجمع كل قوتها لتواجه القوة المهاجمة.. عندئذ تتحفز كل خلية بكل ما أودع فيها من
[ ص: 2426 ] استعداد لتؤدي دورها; ولتتساند مع الخلايا الأخرى في العمليات المشتركة; ولتؤتي أقصى ما تملكه، وتبذل آخر ما تنطوي عليه; وتصل إلى أكمل ما هو مقدور لها وما هي مهيأة له من الكمال.
والأمة التي تقوم على دعوة الله في حاجة إلى استيقاظ كل خلاياها، واحتشاد كل قواها، وتوفز كل استعدادها، وتجمع كل طاقاتها، كي يتم نموها، ويكمل نضجها، وتتهيأ بذلك لحمل الأمانة الضخمة والقيام عليها.
والنصر السريع الذي لا يكلف عناء، والذي يتنزل هينا لينا على القاعدين المستريحين، يعطل تلك الطاقات عن الظهور، لأنه لا يحفزها ولا يدعوها.
وذلك فوق أن النصر السريع الهين اللين سهل فقدانه وضياعه. أولا لأنه رخيص الثمن لم تبذل فيه تضحيات عزيزة. وثانيا لأن الذين نالوه لم تدرب قواهم على الاحتفاظ به ولم تشحذ طاقاتهم وتحشد لكسبه. فهي لا تتحفز ولا تحتشد للدفاع عنه.
وهناك التربية الوجدانية والدربة العملية تلك التي تنشأ من النصر والهزيمة، والكر والفر، والقوة والضعف والتقدم والتقهقر. و من المشاعر المصاحبة لها.. من الأمل والألم. و من الفرح والغم، ومن الاطمئنان والقلق. ومن الشعور بالضعف والشعور بالقوة.. ومعها التجمع والفناء في العقيدة والجماعة والتنسيق بين الاتجاهات في ثنايا المعركة وقبلها وبعدها وكشف نقط الضعف ونقط القوة، وتدبير الأمور في جميع الحالات.. وكلها ضرورية للأمة التي تحمل الدعوة وتقوم عليها وعلى الناس.
من أجل هذا كله، ومن أجل غيره مما يعلمه الله.. جعل الله دفاعه عن الذين آمنوا يتم عن طريقهم هم أنفسهم; ولم يجعله لقية تهبط عليهم من السماء بلا عناء .
والنصر قد يبطئ على الذين ظلموا وأخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا: ربنا الله. فيكون هذا الإبطاء لحكمة يريدها الله.
قد يبطئ النصر لأن بنية الأمة المؤمنة لم تنضج بعد نضجها، ولم يتم بعد تمامها، ولم تحشد بعد طاقاتها، ولم تتحفز كل خلية وتتجمع لتعرف أقصى المذخور فيها من قوى واستعدادات. فلو نالت النصر حينئذ لفقدته وشيكا لعدم قدرتها على حمايته طويلا!
وقد يبطئ النصر حتى تبذل الأمة المؤمنة آخر ما في طوقها من قوة، وآخر ما تملكه من رصيد، فلا تستبقي عزيزا ولا غاليا، لا تبذله هينا رخيصا في سبيل الله.
وقد يبطئ النصر حتى تجرب الأمة المؤمنة آخر قواها، فتدرك أن هذه القوى وحدها بدون سند من الله
[ ص: 2427 ] لا تكفل النصر. إنما يتنزل النصر من عند الله عند ما تبذل آخر ما في طوقها ثم تكل الأمر بعدها إلى الله.
وقد يبطئ النصر لتزيد الأمة المؤمنة صلتها بالله، وهي تعاني وتتألم وتبذل; ولا تجد لها سندا إلا الله، ولا متوجها إلا إليه وحده في الضراء. وهذه الصلة هي الضمانة الأولى لاستقامتها على النهج بعد النصر عندما يتأذن به الله. فلا تطغى ولا تنحرف عن الحق والعدل والخير الذي نصرها به الله.
وقد يبطئ النصر لأن الأمة المؤمنة لم تتجرد بعد في كفاحها وبذلها وتضحياتها لله ولدعوته فهي تقاتل لمغنم تحققه، أو تقاتل حمية لذاتها، أو تقاتل شجاعة أمام أعدائها. والله يريد أن يكون الجهاد له وحده وفي سبيله، بريئا من المشاعر الأخرى التي تلابسه. وقد
nindex.php?page=hadith&LINKID=660533سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجل يقاتل حمية والرجل يقاتل شجاعة والرجل يقاتل ليرى. فأيها في سبيل الله. فقال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله".
كما قد يبطئ النصر لأن في الشر الذي تكافحه الأمة المؤمنة بقية من خير، يريد الله أن يجرد الشر منها ليتمحض خالصا، ويذهب وحده هالكا، لا تتلبس به ذرة من خير تذهب في الغمار!
وقد يبطئ النصر لأن الباطل الذي تحاربه الأمة المؤمنة لم ينكشف زيفه للناس تماما. فلو غلبه المؤمنون حينئذ فقد يجد له أنصارا من المخدوعين فيه، لم يقتنعوا بعد بفساده وضرورة زواله; فتظل له جذور في نفوس الأبرياء الذين لم تنكشف لهم الحقيقة. فيشاء الله أن يبقى الباطل حتى يتكشف عاريا للناس، ويذهب غير مأسوف عليه من ذي بقية!
وقد يبطئ النصر لأن البيئة لا تصلح بعد لاستقبال الحق والخير والعدل الذي تمثله الأمة المؤمنة. فلو انتصرت حينئذ للقيت معارضة من البيئة لا يستقر لها معها قرار. فيظل الصراع قائما حتى تتهيأ النفوس من حوله لاستقبال الحق الظافر، ولاستبقائه!
من أجل هذا كله، ومن أجل غيره مما يعلمه الله، قد يبطئ النصر، فتتضاعف التضحيات، وتتضاعف الآلام. مع دفاع الله عن الذين آمنوا وتحقيق النصر لهم في النهاية.
وللنصر تكاليفه وأعباؤه حين يتأذن الله به بعد استيفاء أسبابه وأداء ثمنه، وتهيؤ الجو حوله لاستقباله واستبقائه:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=40ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز. nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=41الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ..
فوعد الله المؤكد الوثيق المتحقق الذي لا يتخلف هو أن ينصر من ينصره.. فمن هم هؤلاء الذين ينصرون الله، فيستحقون نصر الله، القوي العزيز الذي لا يهزم من يتولاه؟ إنهم هؤلاء:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=41الذين إن مكناهم في الأرض .. فحققنا لهم النصر، وثبتنا لهم الأمر..
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=41أقاموا الصلاة .. فعبدوا الله ووثقوا صلتهم به، واتجهوا إليه طائعين خاضعين مستسلمين..
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=41وآتوا الزكاة .. فأدوا حق المال، وانتصروا على شح النفس، وتطهروا من الحرص، وغلبوا وسوسة الشيطان، وسدوا خلة الجماعة، وكفلوا الضعاف فيها والمحاويج، وحققوا لها صفة الجسم الحي - كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=661693 "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" .. nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=41وأمروا بالمعروف .. فدعوا إلى الخير والصلاح، ودفعوا إليه الناس..
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=41ونهوا عن المنكر .. فقاوموا
[ ص: 2428 ] الشر والفساد، وحققوا بهذا وذاك صفة الأمة المسلمة التي لا تبقى على منكر وهي قادرة على تغييره، ولا تقعد عن معروف وهي قادرة على تحقيقه..
هؤلاء هم الذين ينصرون الله، إذ ينصرون نهجه الذي أراده للناس في الحياة، معتزين بالله وحده دون سواه. وهؤلاء هم الذين يعدهم الله بالنصر على وجه التحقيق واليقين.
فهو النصر القائم على أسبابه ومقتضياته. المشروط بتكاليفه وأعبائه.. والأمر بعد ذلك لله، يصرفه كيف يشاء، فيبدل الهزيمة نصرا، والنصر هزيمة، عند ما تختل القوائم، أو تهمل التكاليف:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=41ولله عاقبة الأمور ..
إنه النصر الذي يؤدي إلى تحقيق المنهج الإلهي في الحياة. من انتصار الحق والعدل والحرية المتجهة إلى الخير والصلاح. المنظور فيه إلى هذه الغاية التي يتوارى في ظلها الأشخاص والذوات، والمطامع والشهوات..
وهو نصر له سببه. وله ثمنه. وله تكاليفه. وله شروطه. فلا يعطى لأحد جزافا أو محاباة ولا يبقى لأحد لا يحقق غايته ومقتضاه..
تِلْكَ الشَّعَائِرُ وَالْعِبَادَاتُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ حِمَايَةٍ تَدْفَعُ عَنْهَا الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَتَمْنَعُهُمْ مِنَ الاعْتِدَاءِ عَلَى حُرِّيَّةِ الْعَقِيدَةِ وَحُرِّيَّةِ الْعِبَادَةِ، وَعَلَى قَدَاسَةِ الْمَعَابِدِ وَحُرْمَةِ الشَّعَائِرِ، وَتُمَكِّنُ الْمُؤْمِنِينَ الْعَابِدِينَ الْعَامِلِينَ مِنْ تَحْقِيقِ مِنْهَاجِ الْحَيَاةِ الْقَائِمِ عَلَى الْعَقِيدَةِ، الْمُتَّصِلِ بِاللَّهِ، الْكَفِيلِ بِتَحْقِيقِ الْخَيْرِ لِلْبَشَرِيَّةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَمِنْ ثَمَّ أَذِنَ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ فِي قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ لِيَدْفَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَعَنْ عَقِيدَتِهِمُ اعْتِدَاءَ الْمُعْتَدِينَ، بَعْدَ أَنْ بَلَغَ أَقْصَاهُ، وَلِيُحَقِّقُوا لِأَنْفُسِهِمْ وَلِغَيْرِهِمْ حُرِّيَّةَ الْعَقِيدَةِ وَحُرِّيَّةَ الْعِبَادَةِ فِي ظِلِّ دِينِ اللَّهِ، وَوَعَدَهُمُ النَّصْرَ وَالتَّمْكِينَ، عَلَى شَرْطِ أَنْ يَنْهَضُوا بِتَكَالِيفِ عَقِيدَتِهِمُ الَّتِي بَيَّنَهَا لَهُمْ فِيمَا يَلِي مِنَ الْآيَاتِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=38إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا، إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ، nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=39أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا. وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=40الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا: رَبُّنَا اللَّهُ. وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهُ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهُ كَثِيرًا. وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مِنْ يَنْصُرُهُ، إِنَّ اللَّهُ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ، nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=41الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ. وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ..
إِنَّ قُوَى الشَّرِّ وَالضَّلَالِ تَعْمَلُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ، وَالْمَعْرَكَةُ مُسْتَمِرَّةٌ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ; وَالصِّرَاعُ قَائِمٌ بَيْنَ قُوَى الْإِيمَانِ وَقُوَى الطُّغْيَانِ مُنْذُ أَنْ خَلْقَ اللَّهُ الْإِنْسَانَ.
وَالشَّرُّ جَامِحٌ وَالْبَاطِلُ مُسَلَّحٌ. وَهُوَ يَبْطِشُ غَيْرَ مُتَحَرِّجٍ، وَيَضْرِبُ غَيْرَ مُتَوَرِّعٍ; وَيَمْلِكُ أَنْ يَفْتِنَ النَّاسَ عَنِ الْخَيْرِ إِنِ اهْتَدَوْا إِلَيْهِ، وَعَنِ الْحَقِّ إِنْ تَفَتَّحَتْ قُلُوبُهُمْ لَهُ. فَلَا بُدَّ لِلْإِيمَانِ وَالْخَيْرِ وَالْحَقِّ مِنْ قُوَّةٍ تَحْمِيهَا مِنَ الْبَطْشِ، وَتَقِيهَا مِنَ الْفِتْنَةِ وَتَحْرُسُهَا مِنَ الْأَشْوَاكِ وَالسُّمُومِ.
وَلَمْ يَشَإِ اللَّهُ أَنْ يَتْرُكَ الْإِيمَانَ وَالْخَيْرَ وَالْحَقَّ عُزَّلًا تُكَافِحُ قُوَى الطُّغْيَانِ وَالشَّرِّ وَالْبَاطِلِ، اعْتِمَادًا عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28646_30471_28653_28801قُوَّةِ الْإِيمَانِ فِي النُّفُوسِ وَتَغَلْغُلِ الْحَقِّ فِي الْفِطَرِ، وَعُمْقِ الْخَيْرِ فِي الْقُلُوبِ. فَالْقُوَّةُ الْمَادِّيَّةُ الَّتِي يَمْلِكُهَا الْبَاطِلُ قَدْ تُزَلْزِلُ الْقُلُوبَ وَتَفْتِنُ النُّفُوسَ وَتُزِيغُ الْفِطْرَ. وَلِلصَّبْرِ حَدٌّ وَلِلِاحْتِمَالِ أَمَدٌ، وَلِلطَّاقَةِ الْبَشَرِيَّةِ مَدَى تَنْتَهِي إِلَيْهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِقُلُوبِ النَّاسِ وَنُفُوسِهِمْ. وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَشَأْ أَنْ يَتْرُكَ الْمُؤْمِنِينَ لِلْفِتْنَةِ، إِلَّا رَيْثَمَا يَسْتَعِدُّونَ لِلْمُقَاوَمَةِ، وَيَتَهَيَّأُونَ لِلدِّفَاعِ، وَيَتَمَكَّنُونَ مِنْ وَسَائِلِ الْجِهَادِ.. وَعِنْدَئِذٍ أُذِنَ لَهُمْ فِي الْقِتَالِ لِرَدِّ الْعُدْوَانِ.
وَقَبْلَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ بِالِانْطِلَاقِ إِلَى الْمَعْرَكَةِ آذَنَهُمْ أَنَّهُ هُوَ سَيَتَوَلَّى الدِّفَاعَ عَنْهُمْ فَهُمْ فِي حِمَايَتِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=38إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ..
وَأَنَّهُ يَكْرَهُ أَعْدَاءَهُمْ لِكُفْرِهِمْ وَخِيَانَتِهِمْ فَهُمْ مَخْذُولُونَ حَتْمًا:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=38إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ..
وَأَنَّهُ حَكَمَ لَهُمْ بِأَحَقِّيَّةِ دِفَاعِهِمْ وَسَلَامَةِ مَوْقِفِهِمْ مِنَ النَّاحِيَةِ الْأَدَبِيَّةِ فَهُمْ مَظْلُومُونَ غَيْرُ مُعْتَدِينَ وَلَا مُتَبَطِّرِينَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=39أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ..
وَأَنَّ لَهُمْ أَنْ يَطْمَئِنُّوا إِلَى حِمَايَةِ اللَّهِ لَهُمْ وَنَصْرِهِ إِيَّاهُمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=39وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ..
وَأَنَّ لَهُمْ مَا يُبَرِّرُ خَوْضَهُمْ لِلْمَعْرَكَةِ فَهُمْ مُنْتَدَبُونَ لِمُهِمَّةٍ إِنْسَانِيَّةٍ كَبِيرَةٍ، لَا يَعُودُ خَيْرُهَا عَلَيْهِمْ وَحْدَهُمْ، إِنَّمَا يَعُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ الْمُؤْمِنَةِ كُلِّهَا; وَفِيهَا ضَمَانٌ لِحُرِّيَّةِ الْعَقِيدَةِ وَحُرِّيَّةِ الْعِبَادَةِ. وَذَلِكَ فَوْقَ أَنَّهُمْ مُظْلَمُونَ أَخْرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقِّ:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=40الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا: رَبُّنَا اللَّهُ .. وَهِيَ أَصْدَقُ كَلِمَةٍ
[ ص: 2425 ] أَنْ تُقَالَ، وَأَحَقُّ كَلِمَةٍ بِأَنْ تُقَالَ. وَمِنْ أَجْلِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ وَحْدَهَا كَانَ إِخْرَاجُهُمْ. فَهُوَ الْبَغْيُ الْمُطْلَقُ الَّذِي لَا يَسْتَنِدُ إِلَى شُبْهَةٍ مِنْ نَاحِيَةِ الْمُعْتَدِينَ. وَهُوَ التَّجَرُّدُ مَنْ كُلِّ هَدَفٍ شَخْصِيٍّ مِنْ نَاحِيَةِ الْمُعْتَدَى عَلَيْهِمْ، إِنَّمَا هِيَ الْعَقِيدَةُ وَحْدَهَا مِنْ أَجْلِهَا يَخْرُجُونَ، لَا الصِّرَاعُ عَلَى عَرَضٍ مِنْ أَعْرَاضِ هَذِهِ الْأَرْضِ، الَّتِي تَشْتَجِرُ فِيهَا الْأَطْمَاعُ; وَتَتَعَارَضُ فِيهَا الْمَصَالِحُ; وَتَخْتَلِفُ فِيهَا الِاتِّجَاهَاتُ وَتَتَضَارَبُ فِيهَا الْمَنَافِعُ!
وَوَرَاءَ هَذَا كُلِّهِ تِلْكَ الْقَاعِدَةُ الْعَامَّةُ.. حَاجَةُ الْعَقِيدَةِ إِلَى الدَّفْعِ عَنْهَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=40وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ..
وَالصَّوَامِعُ أَمَاكِنُ الْعِبَادَةِ الْمُنْعَزِلَةِ لِلرُّهْبَانِ، وَالْبِيَعُ لِلنَّصَارَى عَامَّةً وَهِيَ أَوْسَعُ مِنَ الصَّوَامِعِ، وَالصَّلَوَاتُ أَمَاكِنُ الْعِبَادَةِ لِلْيَهُودِ . وَالْمَسَاجِدُ أَمَاكِنُ الْعِبَادَةِ لِلْمُسْلِمِينَ.
وَهِيَ كُلُّهَا مُعَرَّضَةٌ لِلْهَدْمِ - عَلَى قَدَاسَتِهَا وَتَخْصِيصِهَا لِعِبَادَةِ اللَّهِ - لَا يَشْفَعُ لَهَا فِي نَظَرِ الْبَاطِلِ أَنَّ اسْمَ اللَّهِ يَذْكُرُ فِيهَا، وَلَا يَحْمِيهَا إِلَّا دَفَعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ. أَيْ دَفْعُ حُمَاةِ الْعَقِيدَةِ لِأَعْدَائِهَا الَّذِينَ يَنْتَهِكُونَ حُرْمَتَهَا، وَيَعْتَدُونَ عَلَى أَهْلِهَا. فَالْبَاطِلُ مُتَبَجِّحٌ لَا يَكُفُّ وَلَا يَقِفُ عَنِ الْعُدْوَانِ إِلَّا أَنْ يَدْفَعَ بِمِثْلِ الْقُوَّةِ الَّتِي يَصُولُ بِهَا وَيَجُولُ. وَلَا يَكْفِي الْحَقُّ أَنَّهُ الْحَقُّ لِيَقِفَ عُدْوَانُ الْبَاطِلِ عَلَيْهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ الْقُوَّةِ تَحْمِيهِ وَتَدْفَعُ عَنْهُ. وَهِيَ قَاعِدَةٌ كُلِّيَّةٌ لَا تَتَبَدَّلُ مَا دَامَ الْإِنْسَانُ هُوَ الْإِنْسَانُ!
وَلَا بُدَّ مِنْ وَقْفَةٍ أَمَامَ هَذِهِ النُّصُوصِ الْقَلِيلَةِ الْكَلِمَاتِ الْعَمِيقَةِ الدَّلَالَةِ، وَمَا وَرَاءَهَا مِنْ أَسْرَارٍ فِي عَالَمِ النَّفْسِ وَعَالَمِ الْحَيَاةِ.
إِنَّ اللَّهَ يَبْدَأُ الْإِذْنَ بِالْقِتَالِ لِلَّذِينِ قَاتَلَهُمُ الْمُشْرِكُونَ، وَاعْتَدَى عَلَيْهِمُ الْمُبْطِلُونَ، بِأَنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا، وَأَنَّهُ يُكْرِهُ الْمُعْتَدِينَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ الْخَائِنِينَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=38إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ..
فَقَدْ ضِمْنَ لِلْمُؤْمِنِينَ إِذَنْ أَنَّهُ هُوَ تَعَالَى يُدَافِعُ عَنْهُمْ. وَمَنْ يُدَافِعُ اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ مَمْنُوعٌ حَتْمًا مِنْ عَدُوِّهِ، ظَاهِرٌ حَتْمًا عَلَى عَدُّوِّهِ.. فَفِيمَ إِذَنْ يَأْذَنُ لَهُمْ بِالْقِتَالِ؟ وَفِيمَ إِذَنْ يَكْتُبُ عَلَيْهِمُ الْجِهَادَ؟ وَفِيمَ إِذْنْ يُقَاتِلُونَ فَيُصِيبُهُمُ الْقَتْلُ وَالْجَرْحُ، وَالْجُهْدُ وَالْمَشَقَّةُ، وَالتَّضْحِيَةُ وَالْآلَامُ ... وَالْعَاقِبَةُ مَعْرُوفَةٌ، وَاللَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَحْقِيقِ الْعَاقِبَةِ لَهُمْ بِلَا جُهْدٍ وَلَا مَشَقَّةٍ، وَلَا تَضْحِيَةٍ وَلَا أَلَمٍ، وَلَا قَتْلٍ وَلَا قِتَالٍ؟
وَالْجَوَابُ أَنَّ حِكْمَةَ اللَّهِ فِي هَذَا هِيَ الْعُلْيَا، وَأَنَّ لِلَّهِ الْحُجَّةَ الْبَالِغَةَ.. وَالَّذِي نُدْرِكُهُ نَحْنُ الْبَشَرُ مِنْ تِلْكَ الْحِكْمَةِ وَيَظْهَرُ لِعُقُولِنَا وَمَدَارِكِنَا مِنْ تَجَارِبِنَا وَمَعَارِفِنَا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَكُونَ حَمْلَةَ دَعْوَتِهِ وَحُمَاتَهَا مِنَ "التَّنَابِلَةِ" الْكُسَالَى، الَّذِينَ يَجْلِسُونَ فِي اسْتِرْخَاءٍ، ثُمَّ يَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ نَصْرُهُ سَهْلًا هَيِّنًا بِلَا عَنَاءٍ، لِمُجَرَّدِ أَنَّهُمْ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُرَتِّلُونَ الْقُرْآنَ وَيَتَوَجَّهُونَ إِلَى اللَّهِ بِالدُّعَاءِ، كُلَّمَا مَسَّهُمُ الْأَذَى وَوَقَعَ عَلَيْهِمُ الِاعْتِدَاءُ!
نَعَمْ إِنَّهُمْ يَجِبُ أَنْ يُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَأَنْ يُرَتِّلُوا الْقُرْآنَ، وَأَنْ يَتَوَجَّهُوا إِلَى اللَّهِ بِالدُّعَاءِ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ. وَلَكِنَّ هَذِهِ الْعِبَادَةَ وَحْدَهَا لَا تُؤَهِّلُهُمْ لِحَمْلِ دَعْوَةِ اللَّهِ وَحِمَايَتِهَا; إِنَّمَا هِيَ الزَّادُ الَّذِي يَتَزَوَّدُونَهُ لِلْمَعْرَكَةِ. وَالذَّخِيرَةُ الَّتِي يَدَّخِرُونَهَا لِلْمَوْقِعَةِ، وَالسِّلَاحُ الَّذِي يَطْمَئِنُّونَ إِلَيْهِ وَهُمْ يُوَاجِهُونَ الْبَاطِلَ بِمِثْلِ سِلَاحِهِ وَيَزِيدُونَ عَنْهُ سِلَاحَ التَّقْوَى وَالْإِيمَانِ وَالِاتِّصَالِ بِاللَّهِ.
لَقَدْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ دِفَاعَهُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا يَتِمُّ عَنْ طَرِيقِهِمْ هُمْ أَنْفُسِهِمْ كَيْ يَتِمَّ نُضْجُهُمْ هُمْ فِي أَثْنَاءِ الْمَعْرَكَةِ. فَالْبِنْيَةُ الْإِنْسَانِيَّةُ لَا تَسْتَيْقِظُ كُلَّ الطَّاقَاتِ الْمَذْخُورَةِ فِيهَا كَمَا تَسْتَيْقِظُ وَهِيَ تُوَاجِهُ الْخَطَرَ; وَهِيَ تَدْفَعُ وَتُدَافِعُ، وَهِيَ تَسْتَجْمِعُ كُلَّ قُوَّتِهَا لِتَوَاجِهَ الْقُوَّةَ الْمُهَاجِمَةَ.. عِنْدَئِذٍ تَتَحَفَّزُ كُلُّ خَلِيَّةٍ بِكُلِّ مَا أُودِعَ فِيهَا مِنْ
[ ص: 2426 ] اسْتِعْدَادٍ لِتُؤَدِّيَ دَوْرَهَا; وَلِتَتَسَانَدَ مَعَ الْخَلَايَا الْأُخْرَى فِي الْعَمَلِيَّاتِ الْمُشْتَرَكَةِ; وَلِتُؤْتِيَ أَقْصَى مَا تَمْلِكُهُ، وَتَبْذُلَ آخَرَ مَا تَنْطَوِي عَلَيْهِ; وَتَصِلَ إِلَى أَكْمَلِ مَا هُوَ مَقْدُورٌ لَهَا وَمَا هِيَ مُهَيَّأَةٌ لَهُ مِنَ الْكَمَالِ.
وَالْأُمَّةُ الَّتِي تَقُومُ عَلَى دَعْوَةِ اللَّهِ فِي حَاجَةٍ إِلَى اسْتِيقَاظِ كُلِّ خَلَايَاهَا، وَاحْتِشَادِ كُلِّ قُوَاهَا، وَتَوَفُّزِ كُلِّ اسْتِعْدَادِهَا، وَتَجَمُّعِ كُلِّ طَاقَاتِهَا، كَيْ يَتِمَّ نُمُوُّهَا، وَيَكْمُلَ نُضْجُهَا، وَتَتَهَيَّأُ بِذَلِكَ لِحَمْلِ الْأَمَانَةِ الضَّخْمَةِ وَالْقِيَامِ عَلَيْهَا.
وَالنَّصْرُ السَّرِيعُ الَّذِي لَا يُكَلِّفُ عَنَاءً، وَالَّذِي يَتَنَزَّلُ هَيِّنًا لَيِّنًا عَلَى الْقَاعِدِينَ الْمُسْتَرِيحِينَ، يُعَطِّلُ تِلْكَ الطَّاقَاتِ عَنِ الظُّهُورِ، لَأَنَّهُ لَا يُحَفِّزُهَا وَلَا يَدْعُوهَا.
وَذَلِكَ فَوْقَ أَنَّ النَّصْرَ السَّرِيعَ الْهَيِّنَ اللَّيِّنَ سَهْلٌ فُقْدَانُهُ وَضَيَاعُهُ. أَوَّلًا لَأَنَّهُ رَخِيصُ الثَّمَنِ لَمْ تُبْذَلْ فِيهِ تَضْحِيَاتٌ عَزِيزَةٌ. وَثَانِيًا لَأَنَّ الَّذِينَ نَالُوهُ لَمْ تُدَرَّبْ قُوَاهُمْ عَلَى الِاحْتِفَاظِ بِهِ وَلَمْ تُشْحَذْ طَاقَاتُهُمْ وَتُحْشَدْ لِكَسْبِهِ. فَهِيَ لَا تَتَحَفَّزُ وَلَا تَحْتَشِدُ لِلدِّفَاعِ عَنْهُ.
وَهُنَاكَ التَّرْبِيَةُ الْوِجْدَانِيَّةُ وَالدُّرْبَةُ الْعَمَلِيَّةُ تِلْكَ الَّتِي تَنْشَأُ مِنَ النَّصْرِ وَالْهَزِيمَةِ، وَالْكَرِّ وَالْفَرِّ، وَالْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ وَالتَّقَدُّمِ وَالتَّقَهْقُرِ. وَ مِنَ الْمَشَاعِرِ الْمُصَاحِبَةِ لَهَا.. مِنَ الْأَمَلِ وَالْأَلَمِ. وَ مِنَ الْفَرَحِ وَالْغَمِّ، وَمِنَ الِاطْمِئْنَانِ وَالْقَلَقِ. وَمِنَ الشُّعُورِ بِالضَّعْفِ وَالشُّعُورِ بِالْقُوَّةِ.. وَمَعَهَا التَّجَمُّعُ وَالْفَنَاءُ فِي الْعَقِيدَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَالتَّنْسِيقُ بَيْنَ الِاتِّجَاهَاتِ فِي ثَنَايَا الْمَعْرَكَةِ وَقَبْلَهَا وَبَعْدَهَا وَكَشْفُ نُقَطِ الضَّعْفِ وَنُقَطِ الْقُوَّةِ، وَتَدْبِيرُ الْأُمُورِ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ.. وَكُلُّهَا ضَرُورِيَّةٌ لِلْأُمَّةِ الَّتِي تَحْمِلُ الدَّعْوَةَ وَتَقُومُ عَلَيْهَا وَعَلَى النَّاسِ.
مِنْ أَجْلِ هَذَا كُلِّهِ، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرِهِ مِمَّا يَعْلَمُهُ اللَّهُ.. جَعَلَ اللَّهُ دِفَاعَهُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا يَتِمُّ عَنْ طَرِيقِهِمْ هُمْ أَنْفُسِهِمْ; وَلَمْ يَجْعَلْهُ لُقْيَةً تَهْبِطُ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ بِلَا عَنَاءٍ .
وَالنَّصْرُ قَدْ يُبْطِئُ عَلَى الَّذِينَ ظُلِمُوا وَأَخْرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا: رَبُّنَا اللَّهُ. فَيَكُونُ هَذَا الْإِبْطَاءُ لِحِكْمَةٍ يُرِيدُهَا اللَّهُ.
قَدْ يُبْطِئُ النَّصْرُ لَأَنَّ بِنْيَةَ الْأُمَّةِ الْمُؤْمِنَةِ لَمْ تَنْضَجْ بَعْدُ نُضْجَهَا، وَلَمْ يَتِمَّ بَعْدُ تَمَامُهَا، وَلَمْ تَحْشُدْ بَعْدَ طَاقَاتِهَا، وَلَمْ تَتَحَفَّزْ كُلُّ خَلِيَّةٍ وَتَتَجَمَّعْ لِتَعْرِفَ أَقْصَى الْمَذْخُورِ فِيهَا مِنْ قُوًى وَاسْتِعْدَادَاتٍ. فَلَوْ نَالَتِ النَّصْرَ حِينَئِذٍ لَفَقَدَتْهُ وَشِيكًا لِعَدَمِ قُدْرَتِهَا عَلَى حِمَايَتِهِ طَوِيلًا!
وَقَدْ يُبْطِئُ النَّصْرُ حَتَّى تَبْذُلَ الْأُمَّةُ الْمُؤْمِنَةُ آخِرَ مَا فِي طَوْقِهَا مِنْ قُوَّةٍ، وَآخِرَ مَا تَمْلِكُهُ مِنْ رَصِيدٍ، فَلَا تَسْتَبْقِي عَزِيزًا وَلَا غَالِيًا، لَا تَبْذُلُهُ هَيِّنًا رَخِيصًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
وَقَدْ يُبْطِئُ النَّصْرُ حَتَّى تُجَرِّبَ الْأُمَّةُ الْمُؤْمِنَةُ آخِرَ قُوَاهَا، فَتُدْرِكُ أَنَّ هَذِهِ الْقُوَى وَحْدَهَا بِدُونِ سَنَدٍ مِنَ اللَّهِ
[ ص: 2427 ] لَا تَكْفُلُ النَّصْرَ. إِنَّمَا يَتَنَزَّلُ النَّصْرُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عِنْدَ مَا تَبْذُلُ آخِرَ مَا فِي طَوْقِهَا ثُمَّ تَكِلُ الْأَمْرَ بَعْدَهَا إِلَى اللَّهِ.
وَقَدْ يُبْطِئُ النَّصْرَ لِتَزِيدَ الْأُمَّةُ الْمُؤْمِنَةُ صِلَتَهَا بِاللَّهِ، وَهِيَ تُعَانِي وَتَتَأَلَّمُ وَتَبْذُلُ; وَلَا تَجِدُ لَهَا سَنَدًا إِلَّا اللَّهَ، وَلَا مُتَوَجَّهًا إِلَّا إِلَيْهِ وَحْدَهُ فِي الضَّرَّاءِ. وَهَذِهِ الصِّلَةُ هِيَ الضَّمَانَةُ الْأُولَى لِاسْتِقَامَتِهَا عَلَى النَّهْجِ بَعْدَ النَّصْرِ عِنْدَمَا يَتَأَذَّنُ بِهِ اللَّهُ. فَلَا تَطْغَى وَلَا تَنْحَرِفُ عَنِ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَالْخَيْرِ الَّذِي نَصَرَهَا بِهِ اللَّهُ.
وَقَدْ يُبْطِئُ النَّصْرُ لَأَنَّ الْأُمَّةَ الْمُؤْمِنَةَ لَمْ تَتَجَرَّدْ بَعْدُ فِي كِفَاحِهَا وَبَذْلِهَا وَتَضْحِيَاتِهَا لِلَّهِ وَلِدَعْوَتِهِ فَهِيَ تُقَاتِلُ لِمَغْنَمٍ تُحَقِّقُهُ، أَوْ تُقَاتِلُ حَمِيَّةً لِذَاتِهَا، أَوْ تَقَاتُلُ شُجَاعَةً أَمَامَ أَعْدَائِهَا. وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ الْجِهَادُ لَهُ وَحْدَهُ وَفِي سَبِيلِهِ، بَرِيئًا مِنَ الْمَشَاعِرِ الْأُخْرَى الَّتِي تُلَابِسُهُ. وَقَدْ
nindex.php?page=hadith&LINKID=660533سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرَّجُلُ يُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ شُجَاعَةً وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى. فَأَيُّهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَقَالَ: "مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ".
كَمَا قَدْ يُبْطِئُ النَّصْرُ لَأَنَّ فِي الشَّرِّ الَّذِي تُكَافِحُهُ الْأُمَّةُ الْمُؤْمِنَةُ بَقِيَّةً مِنْ خَيْرٍ، يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُجَرِّدَ الشَّرَّ مِنْهَا لِيَتَمَحَّضَ خَالِصًا، وَيَذْهَبَ وَحْدَهُ هَالِكًا، لَا تَتَلَبَّسُ بِهِ ذَرَّةٌ مِنْ خَيْرٍ تَذْهَبُ فِي الْغِمَارِ!
وَقَدْ يُبْطِئُ النَّصْرُ لَأَنَّ الْبَاطِلَ الَّذِي تُحَارِبُهُ الْأُمَّةُ الْمُؤْمِنَةُ لَمْ يَنْكَشِفْ زَيْفُهُ لِلنَّاسِ تَمَامًا. فَلَوْ غَلَبَهُ الْمُؤْمِنُونَ حِينَئِذٍ فَقَدْ يَجِدُ لَهُ أَنْصَارًا مِنَ الْمَخْدُوعِينَ فِيهِ، لَمْ يَقْتَنِعُوا بَعْدُ بِفَسَادِهِ وَضَرُورَةِ زَوَالِهِ; فَتَظَلُّ لَهُ جُذُورٌ فِي نُفُوسِ الْأَبْرِيَاءِ الَّذِينَ لَمْ تَنْكَشِفْ لَهُمُ الْحَقِيقَةُ. فَيَشَاءُ اللَّهُ أَنْ يَبْقَى الْبَاطِلُ حَتَّى يَتَكَشَّفَ عَارِيًا لِلنَّاسِ، وَيَذْهَبَ غَيْرَ مَأْسُوفٍ عَلَيْهِ مِنْ ذِي بَقِيَّةٍ!
وَقَدْ يُبْطِئُ النَّصْرُ لَأَنَّ الْبِيئَةَ لَا تَصْلُحُ بَعْدُ لِاسْتِقْبَالِ الْحَقِّ وَالْخَيْرِ وَالْعَدْلِ الَّذِي تُمَثِّلُهُ الْأُمَّةُ الْمُؤْمِنَةُ. فَلَوِ انْتَصَرَتْ حِينَئِذٍ لَلَقِيَتْ مُعَارَضَةً مِنَ الْبِيئَةِ لَا يَسْتَقِرُّ لَهَا مَعَهَا قَرَارٌ. فَيَظَلُّ الصِّرَاعُ قَائِمًا حَتَّى تَتَهَيَّأَ النُّفُوسُ مِنْ حَوْلِهِ لِاسْتِقْبَالِ الْحَقِّ الظَّافِرِ، وَلِاسْتِبْقَائِهِ!
مِنْ أَجْلِ هَذَا كُلِّهِ، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرِهِ مِمَّا يَعْلَمُهُ اللَّهُ، قَدْ يُبْطِئُ النَّصْرُ، فَتَتَضَاعَفُ التَّضْحِيَاتُ، وَتَتَضَاعَفُ الْآلَامُ. مَعَ دِفَاعِ اللَّهِ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَحْقِيقِ النَّصْرِ لَهُمْ فِي النِّهَايَةِ.
وَلِلنَّصْرِ تَكَالِيفُهُ وَأَعْبَاؤُهُ حِينَ يَتَأَذَّنُ اللَّهُ بِهِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ أَسْبَابِهِ وَأَدَاءِ ثَمَنِهِ، وَتَهَيُّؤِ الْجَوِّ حَوْلَهُ لِاسْتِقْبَالِهِ وَاسْتِبْقَائِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=40وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهُ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=41الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ، وَآتَوُا الزَّكَاةَ، وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ..
فَوَعْدُ اللَّهِ الْمُؤَكَّدُ الْوَثِيقُ الْمُتَحَقِّقُ الَّذِي لَا يَتَخَلَّفُ هُوَ أَنْ يَنْصُرَ مَنْ يَنْصُرُهُ.. فَمَنْ هُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَنْصُرُونَ اللَّهَ، فَيَسْتَحِقُّونَ نَصْرَ اللَّهِ، الْقَوِيِّ الْعَزِيزِ الَّذِي لَا يُهْزَمُ مَنْ يَتَوَلَّاهُ؟ إِنَّهُمْ هَؤُلَاءِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=41الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ .. فَحَقَّقْنَا لَهُمُ النَّصْرَ، وَثَبَتْنَا لَهُمُ الْأَمْرَ..
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=41أَقَامُوا الصَّلاةَ .. فَعَبَدُوا اللَّهَ وَوَثَّقُوا صِلَتَهُمْ بِهِ، وَاتَّجَهُوا إِلَيْهِ طَائِعِينَ خَاضِعِينَ مُسْتَسْلِمِينَ..
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=41وَآتَوُا الزَّكَاةَ .. فَأَدَّوْا حَقَّ الْمَالِ، وَانْتَصَرُوا عَلَى شُحِّ النَّفْسِ، وَتَطَهَّرُوا مِنَ الْحِرْصِ، وَغَلَبُوا وَسْوَسَةَ الشَّيْطَانِ، وَسَدُّوا خَلَّةَ الْجَمَاعَةِ، وَكَفَلُوا الضِّعَافَ فِيهَا وَالْمَحَاوِيجَ، وَحَقَّقُوا لَهَا صِفَةَ الْجِسْمِ الْحَيِّ - كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=661693 "مُثْلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى" .. nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=41وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ .. فَدَعَوْا إِلَى الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ، وَدَفَعُوا إِلَيْهِ النَّاسَ..
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=41وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ .. فَقَاوَمُوا
[ ص: 2428 ] الشَّرَّ وَالْفَسَادِ، وَحَقَّقُوا بِهَذَا وَذَاكَ صِفَةَ الْأُمَّةِ الْمُسَلِّمَةِ الَّتِي لَا تَبْقَى عَلَى مُنْكَرٍ وَهِيَ قَادِرَةٌ عَلَى تَغْيِيرِهِ، وَلَا تَقْعُدُ عَنْ مَعْرُوفٍ وَهِيَ قَادِرَةٌ عَلَى تَحْقِيقِهِ..
هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ يَنْصُرُونَ اللَّهَ، إِذْ يَنْصُرُونَ نَهْجَهُ الَّذِي أَرَادَهُ لِلنَّاسِ فِي الْحَيَاةِ، مُعْتَزِّينَ بِاللَّهِ وَحْدَهُ دُونَ سِوَاهُ. وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ يَعِدُهُمُ اللَّهُ بِالنَّصْرِ عَلَى وَجْهِ التَّحْقِيقِ وَالْيَقِينِ.
فَهُوَ النَّصْرُ الْقَائِمُ عَلَى أَسْبَابِهِ وَمُقْتَضَيَاتِهِ. الْمَشْرُوطُ بِتَكَالِيفِهِ وَأَعْبَائِهِ.. وَالْأَمْرُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلَّهِ، يَصْرِفُهُ كَيْفَ يَشَاءُ، فَيُبَدِّلُ الْهَزِيمَةَ نَصْرًا، وَالنَّصْرَ هَزِيمَةً، عِنْدَ مَا تَخْتَلُّ الْقَوَائِمُ، أَوْ تُهْمَلُ التَّكَالِيفُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=41وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ..
إِنَّهُ النَّصْرُ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى تَحْقِيقِ الْمَنْهَجِ الْإِلَهِيِّ فِي الْحَيَاةِ. مِنَ انْتِصَارِ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَالْحُرِّيَّةِ الْمُتَّجِهَةِ إِلَى الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ. الْمَنْظُورُ فِيهِ إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ الَّتِي يَتَوَارَى فِي ظِلِّهَا الْأَشْخَاصُ وَالذَّوَاتُ، وَالْمَطَامِعُ وَالشَّهَوَاتُ..
وَهُوَ نَصْرُ لَهُ سَبَبُهُ. وَلَهُ ثَمَنُهُ. وَلَهُ تَكَالِيفُهُ. وَلَهُ شُرُوطُهُ. فَلَا يُعْطَى لِأَحَدٍ جُزَافًا أَوْ مُحَابَاةً وَلَا يَبْقَى لِأَحَدٍ لَا يُحَقِّقُ غَايَتَهُ وَمُقْتَضَاهُ..