ومن كتاب الكون ينتقل الحديث إلى الكتاب المنزل، والذين يتلونه، وما يرجون من تلاوته، وما ينتظرهم من جزاء:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=29إن الذين يتلون كتاب الله، وأقاموا الصلاة، وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية، يرجون تجارة لن تبور. nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=30ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله. إنه غفور شكور ..
وتلاوة كتاب الله تعني شيئا آخر غير المرور بكلماته بصوت أو بغير صوت. تعني تلاوته عن تدبر، ينتهي إلى إدراك وتأثر، وإلى عمل بعد ذلك وسلوك. ومن ثم يتبعها بإقامة الصلاة، وبالإنفاق سرا وعلانية من رزق الله. ثم رجاؤهم بكل هذا
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=29تجارة لن تبور .. فهم يعرفون أن ما عند الله خير مما ينفقون. ويتاجرون تجارة كاسبة مضمونة الربح. يعاملون فيها الله وحده وهي أربح معاملة; ويتاجرون بها في الآخرة وهي أربح تجارة. تجارة مؤدية إلى توفيتهم أجورهم، وزيادتهم من فضل الله..
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=30إنه غفور شكور .. يغفر التقصير ويشكر الأداء. وشكره - تعالى - كناية عما يصاحب الشكر عادة من الرضا وحسن الجزاء. ولكن التعبير
[ ص: 2944 ] يوحي للبشر بشكر المنعم. تشبها واستحياء. فإذا كان هو يشكر لعباده حسن الأداء أفلا يشكرون له هم حسن العطاء؟!
ثم إشارة إلى طبيعة الكتاب، وما فيه من الحق، تمهيدا للحديث عن ورثة هذا الكتاب:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=31والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق، مصدقا لما بين يديه. إن الله بعباده لخبير بصير ..
ودلائل الحق في هذا الكتاب واضحة في صلبه; فهو الترجمة الصحيحة لهذا الكون في حقيقته، أو هو الصفحة المقروءة والكون هو الصفحة الصامتة. وهو مصدق لما قبله من الكتب الصادرة من مصدره. والحق واحد لا يتعدد فيها وفيه. ومنزله نزله للناس وهو على علم بهم، وخبرة بما يصلح لهم ويصلحهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=31إن الله بعباده لخبير بصير ..
هذا هو الكتاب في ذاته. وقد أورثه الله لهذه الأمة المسلمة، اصطفاها لهذه الوراثة، كما يقول هنا في كتابه:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=32ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ..
وهي كلمات جديرة بأن توحي لهذه الأمة بكرامتها على الله; كما توحي إليها بضخامة التبعة الناشئة عن هذا الاصطفاء وعن تلك الوراثة. وهي تبعة ضخمة ذات تكاليف، فهل تسمع الأمة المصطفاة وتستجيب؟
إن الله سبحانه قد أكرم هذه الأمة بالاصطفاء للوراثة; ثم أكرمها بفضله في الجزاء حتى لمن أساء:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=32فمنهم ظالم لنفسه. ومنهم مقتصد. ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ..
فالفريق الأول - ولعله ذكر أولا لأنه الأكثر عددا -
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=32ظالم لنفسه تربى سيئاته في العمل على حسناته.
والفريق الثاني وسط
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=32مقتصد تتعادل سيئاته وحسناته. والفريق الثالث
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=32سابق بالخيرات بإذن الله ، تربى حسناته على سيئاته.. ولكن فضل الله شمل الثلاثة جميعا. فكلهم انتهى إلى الجنة وإلى النعيم الموصوف في الآيات التالية. على تفاوت في الدرجات.
ولا ندخل هنا في تفصيل أكثر مما أراد القرآن عرضه في هذا الموضع من كرامة هذه الأمة باصطفائها، وكرم الله سبحانه في جزائها. فهذا هو الظل الذي تلقيه النصوص هنا، وهي النهاية التي تنتهي إليها هذه الأمة جميعا - بفضل الله - ونطوي ما قد يسبق هذه النهاية من جزاء مقدر في علم الله.
نطوي هذا الجزاء المبدئي لنخلص إلى ما قدره الله لهذه الأمة بصنوفها الثلاثة من حسن الجزاء:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=32ذلك هو الفضل الكبير. nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=33جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير. nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=34وقالوا: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن. إن ربنا لغفور شكور. nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=35الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ..
إن المشهد يتكشف عن نعيم مادي ملموس، ونعيم نفسي محسوس. فهم
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=33يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير .. وذلك بعض المتاع ذي المظهر المادي، الذي يلبي بعض رغائب النفوس. وبجانبه ذلك الرضا وذلك الأمن وذلك الاطمئنان:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=34وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن .. والدنيا بما فيها من
[ ص: 2945 ] قلق على المصير، ومعاناة للأمور تعد حزنا بالقياس إلى هذا النعيم المقيم. والقلق يوم الحشر على المصير مصدر حزن كبير.
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=34إن ربنا لغفور شكور .. غفر لنا وشكر لنا أعمالنا بما جازانا عليها.
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=35الذي أحلنا دار المقامة .. للإقامة والاستقرار
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=35من فضله فما لنا عليه من حق، إنما هو الفضل يعطيه من يشاء.
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=35لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب .. بل يجتمع لنا فيها النعيم والراحة والاطمئنان.
فالجو كله يسر وراحة ونعيم. والألفاظ مختارة لتتسق بجرسها وإيقاعها مع هذا الجو الحاني الرحيم. حتى
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=34الحزن لا يتكأ عليه بالسكون الجازم. بل يقال
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=34الحزن بالتسهيل والتخفيف. والجنة
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=35دار المقامة . والنصب واللغوب لا يمسانهم مجرد مساس. والإيقاع الموسيقي للتعبير كله هادئ ناعم رتيب.
ثم نتلفت إلى الجانب الآخر. فنرى القلق والاضطراب وعدم الاستقرار على حال:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=36والذين كفروا لهم نار جهنم، لا يقضى عليهم فيموتوا، ولا يخفف عنهم من عذابها ..
فلا هذه ولا تلك. حتى الرحمة بالموت لا تنال!
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=36كذلك نجزي كل كفور ..
ثم ها نحن أولاء يطرق أسماعنا صوت غليظ محشرج مختلط الأصداء، متناوح من شتى الأرجاء. إنه صوت المنبوذين في جهنم:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37وهم يصطرخون فيها ..
وجرس اللفظ نفسه يلقي في الحس هذه المعاني جميعا.. فلنتبين من ذلك الصوت الغليظ ماذا يقول. إنه يقول:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ..
إنه الإنابة والاعتراف والندم إذن. ولكن بعد فوات الأوان. فها نحن أولاء نسمع الرد الحاسم يحمل التأنيب القاسي:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر؟ ..
فلم تنتفعوا بهذه الفسحة من العمر، وهي كافية للتذكر لمن أراد أن يتذكر.
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37وجاءكم النذير ..
زيادة في التنبيه والتحذير. فلم تتذكروا ولم تحذروا.
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37فذوقوا. فما للظالمين من نصير ..
إنهما صورتان متقابلتان: صورة الأمن والراحة، تقابلها صورة القلق والاضطراب. ونغمة الشكر والدعاء تقابلها ضجة الاصطراخ والنداء. ومظهر العناية والتكريم، يقابله مظهر الإهمال والتأنيب. والجرس اللين والإيقاع الرتيب، يقابلهما الجرس الغليظ والإيقاع العنيف. فيتم التقابل، ويتم التناسق في الجزئيات وفي الكليات سواء .
وأخيرا يجيء التعقيب على هذه المشاهد جميعا، وعلى ما سبقها من اصطفاء وتوريث:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=38إن الله عالم غيب السماوات والأرض. إنه عليم بذات الصدور .
[ ص: 2946 ] والعلم الشامل اللطيف الدقيق أنسب تعقيب على تنزيل الكتاب. وعلى اصطفاء من يرثونه ويحملونه. وعلى تجاوز الله عن ظلم بعضهم لنفسه. وعلى تفضله عليهم بذلك الجزاء. وعلى حكمه على الذين كفروا بذلك المصير.. فهو عالم غيب السماوات والأرض. وهو عليم بذات الصدور. وبهذا العلم الشامل اللطيف الدقيق يقضي في كل هذه الأمور..
وَمِنْ كِتَابِ الْكَوْنِ يَنْتَقِلُ الْحَدِيثُ إِلَى الْكِتَابِ الْمُنَزَّلِ، وَالَّذِينَ يَتْلُونَهُ، وَمَا يَرْجُونَ مِنْ تِلَاوَتِهِ، وَمَا يَنْتَظِرُهُمْ مِنْ جَزَاءٍ:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=29إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ، وَأَقَامُوا الصَّلاةَ، وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً، يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ. nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=30لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ. إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ..
وَتِلَاوَةُ كِتَابِ اللَّهِ تَعْنِي شَيْئًا آخَرَ غَيْرَ الْمُرُورِ بِكَلِمَاتِهِ بِصَوْتٍ أَوْ بِغَيْرِ صَوْتٍ. تَعْنِي تِلَاوَتَهُ عَنْ تَدَبُّرٍ، يَنْتَهِي إِلَى إِدْرَاكٍ وَتَأَثُّرٍ، وَإِلَى عَمَلٍ بَعْدَ ذَلِكَ وَسُلُوكٍ. وَمِنْ ثَمَّ يُتْبِعُهَا بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، وَبِالْإِنْفَاقِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ رِزْقِ اللَّهِ. ثُمَّ رَجَاؤُهُمْ بِكُلِّ هَذَا
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=29تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ .. فَهُمْ يَعْرِفُونَ أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِمَّا يُنْفِقُونَ. وَيُتَاجِرُونَ تِجَارَةً كَاسِبَةً مَضْمُونَةَ الرِّبْحِ. يُعَامِلُونَ فِيهَا اللَّهَ وَحْدَهُ وَهِيَ أَرْبَحُ مُعَامَلَةٍ; وَيُتَاجِرُونَ بِهَا فِي الْآخِرَةِ وَهِيَ أَرْبَحُ تِجَارَةٍ. تِجَارَةٌ مُؤَدِّيَةٌ إِلَى تَوْفِيَتِهِمْ أُجُورَهُمْ، وَزِيَادَتِهِمْ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ..
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=30إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ .. يَغْفِرُ التَّقْصِيرَ وَيَشْكُرُ الْأَدَاءَ. وَشُكْرُهُ - تَعَالَى - كِنَايَةٌ عَمَّا يُصَاحِبُ الشُّكْرَ عَادَةً مِنَ الرِّضَا وَحُسْنِ الْجَزَاءِ. وَلَكِنَّ التَّعْبِيرَ
[ ص: 2944 ] يُوحِي لِلْبَشَرِ بِشُكْرِ الْمُنْعِمِ. تَشَبُّهًا وَاسْتِحْيَاءً. فَإِذَا كَانَ هُوَ يَشْكُرُ لِعِبَادِهِ حُسْنَ الْأَدَاءِ أَفَلَا يَشْكُرُونَ لَهُ هُمْ حَسُنَ الْعَطَاءِ؟!
ثُمَّ إِشَارَةٌ إِلَى طَبِيعَةِ الْكِتَابِ، وَمَا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ، تَمْهِيدًا لِلْحَدِيثِ عَنْ وَرَثَةِ هَذَا الْكِتَابِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=31وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ، مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ. إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ ..
وَدَلَائِلُ الْحَقِّ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَاضِحَةٌ فِي صُلْبِهِ; فَهُوَ التَّرْجَمَةُ الصَّحِيحَةُ لِهَذَا الْكَوْنِ فِي حَقِيقَتِهِ، أَوْ هُوَ الصَّفْحَةُ الْمَقْرُوءَةُ وَالْكَوْنُ هُوَ الصَّفْحَةُ الصَّامِتَةُ. وَهُوَ مُصَدِّقٌ لِمَا قَبْلَهُ مِنَ الْكُتُبِ الصَّادِرَةِ مِنْ مَصْدَرِهِ. وَالْحَقُّ وَاحِدٌ لَا يَتَعَدَّدُ فِيهَا وَفِيهِ. وَمُنْزِلُهُ نَزَّلَهُ لِلنَّاسِ وَهُوَ عَلَى عِلْمٍ بِهِمْ، وَخِبْرَةٍ بِمَا يَصْلُحُ لَهُمْ وَيُصْلِحُهُمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=31إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ ..
هَذَا هُوَ الْكِتَابُ فِي ذَاتِهِ. وَقَدْ أَوْرَثَهُ اللَّهُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْمُسْلِمَةِ، اصْطَفَاهَا لِهَذِهِ الْوِرَاثَةِ، كَمَا يَقُولُ هُنَا فِي كِتَابِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=32ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ..
وَهِيَ كَلِمَاتٌ جَدِيرَةٌ بِأَنْ تُوحِيَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ بِكَرَامَتِهَا عَلَى اللَّهِ; كَمَا تُوحِي إِلَيْهَا بِضَخَامَةِ التَّبِعَةِ النَّاشِئَةِ عَنْ هَذَا الِاصْطِفَاءِ وَعَنْ تِلْكَ الْوِرَاثَةِ. وَهِيَ تَبِعَةٌ ضَخْمَةٌ ذَاتُ تَكَالِيفٍ، فَهَلْ تَسْمَعُ الْأُمَّةُ الْمُصْطَفَاةُ وَتَسْتَجِيبُ؟
إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ أَكْرَمَ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالِاصْطِفَاءِ لِلْوِرَاثَةِ; ثُمَّ أَكْرَمَهَا بِفَضْلِهِ فِي الْجَزَاءِ حَتَّى لِمَنْ أَسَاءَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=32فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ. وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ. وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ..
فَالْفَرِيقُ الْأَوَّلُ - وَلَعَلَّهُ ذُكِرَ أَوَّلًا لِأَنَّهُ الْأَكْثَرُ عَدَدًا -
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=32ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ تَرْبَى سَيِّئَاتُهُ فِي الْعَمَلِ عَلَى حَسَنَاتِهِ.
وَالْفَرِيقُ الثَّانِي وَسَطٌ
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=32مُقْتَصِدٌ تَتَعَادَلُ سَيِّئَاتُهُ وَحَسَنَاتُهُ. وَالْفَرِيقُ الثَّالِثُ
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=32سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ، تَرْبَى حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ.. وَلَكِنَّ فَضْلَ اللَّهِ شَمِلَ الثَّلَاثَةَ جَمِيعًا. فَكُلُّهُمُ انْتَهَى إِلَى الْجَنَّةِ وَإِلَى النَّعِيمِ الْمَوْصُوفِ فِي الْآيَاتِ التَّالِيَةِ. عَلَى تَفَاوُتٍ فِي الدَّرَجَاتِ.
وَلَا نَدْخُلُ هُنَا فِي تَفْصِيلٍ أَكْثَرَ مِمَّا أَرَادَ الْقُرْآنُ عَرْضَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ كَرَامَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِاصْطِفَائِهَا، وَكَرَمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي جَزَائِهَا. فَهَذَا هُوَ الظِّلُّ الَّذِي تُلْقِيهِ النُّصُوصُ هُنَا، وَهِيَ النِّهَايَةُ الَّتِي تَنْتَهِي إِلَيْهَا هَذِهِ الْأُمَّةُ جَمِيعًا - بِفَضْلِ اللَّهِ - وَنَطْوِي مَا قَدْ يَسْبِقُ هَذِهِ النِّهَايَةَ مِنْ جَزَاءٍ مُقَدَّرٍ فِي عِلْمِ اللَّهِ.
نَطْوِي هَذَا الْجَزَاءَ الْمَبْدَئِيَّ لِنَخْلُصَ إِلَى مَا قَدَّرَهُ اللَّهُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ بِصُنُوفِهَا الثَّلَاثَةِ مِنْ حُسْنِ الْجَزَاءِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=32ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ. nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=33جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ. nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=34وَقَالُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ. إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ. nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=35الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ..
إِنَّ الْمَشْهَدَ يَتَكَشَّفُ عَنْ نَعِيمٍ مَادِّيٍّ مَلْمُوسٍ، وَنَعِيمٍ نَفْسِيٍّ مَحْسُوسٍ. فَهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=33يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ .. وَذَلِكَ بَعْضُ الْمَتَاعِ ذِي الْمَظْهَرِ الْمَادِّيِّ، الَّذِي يُلَبِّي بَعْضَ رَغَائِبِ النُّفُوسِ. وَبِجَانِبِهِ ذَلِكَ الرِّضَا وَذَلِكَ الْأَمْنُ وَذَلِكَ الِاطْمِئْنَانُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=34وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ .. وَالدُّنْيَا بِمَا فِيهَا مِنْ
[ ص: 2945 ] قَلَقٍ عَلَى الْمَصِيرِ، وَمُعَانَاةٍ لِلْأُمُورِ تُعَدُّ حَزَنًا بِالْقِيَاسِ إِلَى هَذَا النَّعِيمِ الْمُقِيمِ. وَالْقَلَقُ يَوْمَ الْحَشْرِ عَلَى الْمَصِيرِ مَصْدَرُ حَزَنٍ كَبِيرٍ.
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=34إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ .. غَفَرَ لَنَا وَشَكَرَ لَنَا أَعْمَالَنَا بِمَا جَازَانَا عَلَيْهَا.
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=35الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ .. لِلْإِقَامَةِ وَالِاسْتِقْرَارِ
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=35مِنْ فَضْلِهِ فَمَا لَنَا عَلَيْهِ مَنْ حَقٍّ، إِنَّمَا هُوَ الْفَضْلُ يُعْطِيهِ مَنْ يَشَاءُ.
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=35لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ .. بَلْ يَجْتَمِعُ لَنَا فِيهَا النَّعِيمُ وَالرَّاحَةُ وَالِاطْمِئْنَانُ.
فَالْجَوُّ كُلُّهُ يُسْرٌ وَرَاحَةٌ وَنَعِيمٌ. وَالْأَلْفَاظُ مُخْتَارَةٌ لِتَتَّسِقَ بِجَرْسِهَا وَإِيقَاعِهَا مَعَ هَذَا الْجَوِّ الْحَانِي الرَّحِيمِ. حَتَّى
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=34الْحَزَنَ لَا يُتَّكَأُ عَلَيْهِ بِالسُّكُونِ الْجَازِمِ. بَلْ يُقَالُ
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=34الْحَزَنَ بِالتَّسْهِيلِ وَالتَّخْفِيفِ. وَالْجَنَّةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=35دَارَ الْمُقَامَةِ . وَالنَّصَبُ وَاللُّغُوبُ لَا يَمَسَّانِهِمْ مُجَرَّدُ مِسَاسٍ. وَالْإِيقَاعُ الْمُوسِيقِيُّ لِلتَّعْبِيرِ كُلُّهُ هَادِئٌ نَاعِمٌ رَتِيبٌ.
ثُمَّ نَتَلَفَّتُ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ. فَنَرَى الْقَلَقَ وَالِاضْطِرَابَ وَعَدَمَ الِاسْتِقْرَارِ عَلَى حَالٍ:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=36وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ، لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا، وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا ..
فَلَا هَذِهِ وَلَا تِلْكَ. حَتَّى الرَّحْمَةُ بِالْمَوْتِ لَا تُنَالُ!
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=36كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ ..
ثُمَّ هَا نَحْنُ أُولَاءِ يَطْرُقُ أَسْمَاعَنَا صَوْتٌ غَلِيظٌ مُحَشْرَجٌ مُخْتَلِطُ الْأَصْدَاءِ، مُتَنَاوِحٌ مِنْ شَتَّى الْأَرْجَاءِ. إِنَّهُ صَوَّتُ الْمَنْبُوذِينَ فِي جَهَنَّمَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا ..
وَجَرْسُ اللَّفْظِ نَفْسُهُ يُلْقِي فِي الْحِسِّ هَذِهِ الْمَعَانِي جَمِيعًا.. فَلْنَتَبَيَّنْ مِنْ ذَلِكَ الصَّوْتِ الْغَلِيظِ مَاذَا يَقُولُ. إِنَّهُ يَقُولُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلْ ..
إِنَّهُ الْإِنَابَةُ وَالِاعْتِرَافُ وَالنَّدَمُ إِذَنْ. وَلَكِنْ بَعْدَ فَوَاتِ الْأَوَانِ. فَهَا نَحْنُ أُولَاءِ نَسْمَعُ الرَّدَّ الْحَاسِمَ يَحْمِلُ التَّأْنِيبَ الْقَاسِي:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ؟ ..
فَلَمْ تَنْتَفِعُوا بِهَذِهِ الْفُسْحَةِ مِنَ الْعُمُرِ، وَهِيَ كَافِيَةٌ لِلتَّذَكُّرِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَذَكَّرَ.
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ..
زِيَادَةٌ فِي التَّنْبِيهِ وَالتَّحْذِيرِ. فَلَمْ تَتَذَكَّرُوا وَلَمْ تَحْذَرُوا.
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=37فَذُوقُوا. فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ..
إِنَّهُمَا صُورَتَانِ مُتَقَابِلَتَانِ: صُورَةُ الْأَمْنِ وَالرَّاحَةِ، تُقَابِلُهَا صُورَةُ الْقَلَقِ وَالِاضْطِرَابِ. وَنَغْمَةُ الشُّكْرِ وَالدُّعَاءِ تُقَابِلُهَا ضَجَّةُ الِاصْطِرَاخِ وَالنِّدَاءِ. وَمَظْهَرُ الْعِنَايَةِ وَالتَّكْرِيمِ، يُقَابِلُهُ مَظْهَرُ الْإِهْمَالِ وَالتَّأْنِيبِ. وَالْجَرْسُ اللَّيِّنُ وَالْإِيقَاعُ الرَّتِيبُ، يُقَابِلُهُمَا الْجَرْسُ الْغَلِيظُ وَالْإِيقَاعُ الْعَنِيفُ. فَيَتِمُّ التَّقَابُلُ، وَيَتِمُّ التَّنَاسُقُ فِي الْجُزْئِيَّاتِ وَفِي الْكُلِّيَّاتِ سَوَاءً .
وَأَخِيرًا يَجِيءُ التَّعْقِيبُ عَلَى هَذِهِ الْمَشَاهِدِ جَمِيعًا، وَعَلَى مَا سَبَقَهَا مِنَ اصْطِفَاءٍ وَتَوْرِيثٍ:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=38إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ. إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ .
[ ص: 2946 ] وَالْعِلْمُ الشَّامِلُ اللَّطِيفُ الدَّقِيقُ أَنْسَبُ تَعْقِيبٍ عَلَى تَنْزِيلِ الْكِتَابِ. وَعَلَى اصْطِفَاءِ مَنْ يَرِثُونَهُ وَيَحْمِلُونَهُ. وَعَلَى تَجَاوُزِ اللَّهِ عَنْ ظُلْمِ بَعْضِهِمْ لِنَفْسِهِ. وَعَلَى تَفَضُّلِهِ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ الْجَزَاءِ. وَعَلَى حُكْمِهِ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا بِذَلِكَ الْمَصِيرِ.. فَهُوَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ. وَبِهَذَا الْعَلَمِ الشَّامِلِ اللَّطِيفِ الدَّقِيقِ يَقْضِي فِي كُلِّ هَذِهِ الْأُمُورِ..