وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه: أتقتلون رجلا أن يقول: ربي الله، وقد جاءكم بالبينات من ربكم؟ وإن يك كاذبا فعليه كذبه، وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم، إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب. يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض، فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا؟ قال فرعون: ما أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد وقال الذي آمن: يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب. مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم، وما الله يريد ظلما للعباد. ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد. يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم، ومن يضلل الله فما له من هاد. ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به، حتى إذا هلك قلتم: لن يبعث الله من بعده رسولا. كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب. الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا، كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار ..
إنها جولة ضخمة هذه التي جالها الرجل المؤمن مع المتآمرين من فرعون وملئه. وإنه منطق الفطرة المؤمنة في حذر ومهارة وقوة كذلك.
إنه يبدأ بتفظيع ما هم مقدمون عليه: أتقتلون رجلا أن يقول: ربي الله .. فهل هذه الكلمة البريئة المتعلقة باعتقاد قلب، واقتناع نفس، تستحق القتل، ويرد عليها بإزهاق روح؟ إنها في هذه الصورة فعلة منكرة بشعة ظاهرة القبح والبشاعة.
ثم يخطو بهم خطوة أخرى. فالذي يقول هذه الكلمة البريئة: ربي الله .. يقولها ومعه حجته، وفي يده برهانه: وقد جاءكم بالبينات من ربكم .. يشير إلى تلك الآيات التي عرضها موسى - عليه السلام - ورأوها، وهم - فيما بينهم وبعيدا عن الجماهير - يصعب أن يماروا فيها!
ثم يفرض لهم أسوأ الفروض; ويقف معهم موقف المنصف أمام القضية; تمشيا مع أقصى فرض يمكن أن يتخذوه: وإن يك كاذبا فعليه كذبه .. وهو يحمل تبعة عمله، ويلقى جزاءه، ويحتمل جريرته. وليس هذا بمسوغ لهم أن يقتلوه على أية حال!
وهناك الاحتمال الآخر، وهو أن يكون صادقا. فيحسن الاحتياط لهذا الاحتمال، وعدم التعرض لنتائجه: وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم .. وإصابتهم ببعض الذي يعدهم هو كذلك أقل احتمال في القضية، فهو لا يطلب إليهم أكثر منه. وهذا منتهى الإنصاف في الجدل والإفحام.
ثم يهددهم من طرف خفي، وهو يقول كلاما ينطبق على موسى كما ينطبق عليهم: إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب .. فإذا كان موسى فإن الله لا يهديه ولا يوفقه، فدعوه له يلاقي منه جزاءه. واحذروا أن تكونوا أنتم الذين تكذبون على موسى وربه وتسرفون، فيصيبكم هذا المآل!
وحين يصل بهم إلى فعل الله بمن هو مسرف كذاب، يهجم عليهم مخوفا بعقاب الله، محذرا من بأسه الذي لا ينجيهم منه ما هم فيه من ملك وسلطان، مذكرا إياهم بهذه النعمة التي تستحق الشكران لا الكفران:
يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض. فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا؟ ..
إن الرجل يشعر بما يشعر به القلب المؤمن، من أن بأس الله أقرب ما يكون لأصحاب الملك والسلطان في [ ص: 3080 ] الأرض; فهم أحق الناس بأن يحذروه، وأجدر الناس بأن يحسوه ويتقوه، وأن يبيتوا منه على وجل، فهو يتربص بهم في كل لحظة من لحظات الليل والنهار. ومن ثم يذكرهم بما هم فيه من الملك والسلطان، وهو يشير إلى هذا المعنى المستقر في حسه البصير. ثم يجمل نفسه فيهم وهو يذكرهم ببأس الله: فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا؟ ليشعرهم أن أمرهم يهمه، فهو واحد منهم، ينتظر مصيره معهم; وهو إذن ناصح لهم مشفق عليهم، لعل هذا أن يجعلهم ينظرون إلى تحذيره باهتمام، ويأخذونه مأخذ البراءة والإخلاص. وهو يحاول أن يشعرهم أن بأس الله إن جاء فلا ناصر منه ولا مجير عليه، وأنهم إزاءه ضعاف ضعاف.
هنا يأخذ فرعون ما يأخذ كل طاغية توجه إليه النصيحة. تأخذه العزة بالإثم. ويرى في النصح الخالص افتياتا على سلطانه، ونقصا من نفوذه، ومشاركة له في النفوذ والسلطان:
قال فرعون: ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ..
إنني لا أقول لكم إلا ما أراه صوابا، وأعتقده نافعا. وإنه لهو الصواب والرشد بلا شك ولا جدال! وهل يرى الطغاة إلا الرشد والخير والصواب؟! وهل يسمحون بأن يظن أحد أنهم قد يخطئون؟! وهل يجوز لأحد أن يرى إلى جوار رأيهم رأيا؟! وإلا فلم كانوا طغاة؟!
ولكن الرجل المؤمن يجد من إيمانه غير هذا; ويجد أن عليه واجبا أن يحذر وينصح ويبدي من الرأي ما يراه. ويرى من الواجب عليه أن يقف إلى جوار الحق الذي يعتقده كائنا ما كان رأي الطغاة. ثم هو يطرق قلوبهم بإيقاع آخر لعلها تحس وتستيقظ وترتعش وتلين. يطرق قلوبهم بلفتها على مصارع الأحزاب قبلهم. وهي شاهدة ببأس الله في أخذ المكذبين والطغاة:
وقال الذي آمن: يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب. مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم. وما الله يريد ظلما للعباد ..
ولكل حزب كان يوم. ولكن الرجل المؤمن يجمعها في يوم واحد: مثل يوم الأحزاب فهو اليوم الذي يتجلى فيه بأس الله.. وهو يوم واحد في طبيعته على تفرق الأحزاب.. وما الله يريد ظلما للعباد إنما يأخذهم بذنوبهم، ويصلح من حولهم ومن بعدهم بأخذهم بأيام الله.
ثم يطرق على قلوبهم طرقة أخرى، وهو يذكرهم بيوم آخر من أيام الله. يوم القيامة. يوم التنادي:
ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد. يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم. ومن يضلل الله فما له من هاد ..
وفي ذلك اليوم ينادي الملائكة الذين يحشرون الناس للموقف. وينادي أصحاب الأعراف على أصحاب الجنة وأصحاب النار. وينادي أصحاب الجنة أصحاب النار، وأصحاب النار أصحاب الجنة.. فالتنادي واقع في صور شتى. وتسميته يوم التناد تلقي عليه ظل التصايح وتناوح الأصوات من هنا ومن هناك، وتصور يوم زحام وخصام. وتتفق كذلك مع قول الرجل المؤمن: يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ..
وقد يكون ذلك فرارهم عند هول جهنم، أو محاولتهم الفرار. ولا عاصم يومئذ ولات حين فرار. وصورة الفزع والفرار هي أولى الصور هنا للمستكبرين المتجبرين في الأرض، أصحاب الجاه والسلطان!
ومن يضلل الله فما له من هاد .. ولعل فيها إشارة خفية إلى قولة فرعون: وما أهديكم إلا سبيل الرشاد .. وتلميحا بأن الهدى هدى الله. وأن من أضله الله فلا هادي له. والله يعلم من حال الناس وحقيقتهم من يستحق الهدى ومن يستحق الضلال.
[ ص: 3081 ] وأخيرا يذكرهم بموقفهم من يوسف، ومن ذريته كان موسى - عليهما السلام - وكيف وقفوا موقف الشك من رسالته وما جاءهم به من الآيات، فلا يكرروا الموقف من موسى ، وهو يصدق ما جاءهم به يوسف، فكانوا منه في شك وارتياب. ويكذب ما جزموا به من أن الله لن يبعث من بعده رسولا، وها هو ذا موسى يجيء على فترة من يوسف ويكذب هذا المقال:
ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات، فما زلتم في شك مما جاءكم به، حتى إذا هلك قلتم: لن يبعث الله من بعده رسولا. كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب. الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم. كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا. كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار ..
وهذه هي المرة الوحيدة في القرآن التي يشار فيها إلى رسالة يوسف - عليه السلام - للقوم في مصر. وقد عرفنا من سورة يوسف، أنه كان قد وصل إلى أن يكون على خزائن الأرض، المتصرف فيها. وأنه أصبح " عزيز مصر " وهو لقب قد يكون لكبير وزراء مصر. وفي السورة كذلك ما قد يؤخذ منه أنه جلس على عرش مصر - وإن لم يكن ذلك مؤكدا - وذلك قوله:
ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال: يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا ..
وقد يكون العرش الذي رفع عليه أبويه شيئا آخر غير عرش المملكة المصرية الفرعونية. وعلى أية حال فقد وصل يوسف إلى مكان الحكم والسلطان. ومن ثم نملك أن نتصور الحالة التي يشير إليها الرجل المؤمن. حالة شكهم فيما جاءهم به يوسف من قبل، مع مصانعة يوسف صاحب السلطان وعدم الجهر بتكذيبه وهو في هذا المكان! حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا .. وكأنما استراحوا لموته، فراحوا يظهرون ارتياحهم في هذه الصورة، ورغبتهم عما جاءهم به من التوحيد الخالص، الذي يبدو مما تكلم به في سجنه مع صاحبي السجن: أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار .. فزعموا أن لن يجيئهم من بعده رسول، لأن هذه كانت رغبتهم. وكثيرا ما يرغب المرء في شيء ثم يصدق تحققه، لأن تحققه يلبي هذه الرغبة!
والرجل المؤمن يشتد هنا وهو يشير إلى هذا الارتياب والإسراف في التكذيب فيقول:
كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب ..
فينذرهم بإضلال الله الذي ينتظر كل مسرف مرتاب في عقيدته وقد جاءته معها البينات.
ثم يشتد في مواجهتهم بمقت الله ومقت المؤمنين لمن يجادل في آيات الله بغير حجة ولا برهان. وهم يفعلون هذا في أبشع صورة. ويندد بالتكبر والتجبر، وينذر بطمس الله لقلوب المتكبرين المتجبرين!
الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا. كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار ..
والتعبير على لسان الرجل المؤمن يكاد يكون طبق الأصل من التعبير المباشر في مطالع السورة. المقت للمجادلين في آيات الله بغيربرهان، والإضلال للمتكبرين المتجبرين حتى ما يبقى في قلوبهم موضع للهدى، ولا منفذ للإدراك.
وعلى الرغم من هذه الجولة الضخمة التي أخذ الرجل المؤمن قلوبهم بها; فقد ظل فرعون في ضلاله، مصرا على التنكر للحق. ولكنه تظاهر بأنه آخذ في التحقق من دعوى موسى . ويبدو أن منطق الرجل المؤمن وحجته [ ص: 3082 ] كانت من شدة الوقع بحيث لم يستطع فرعون ومن معه تجاهلها. فاتخذ فرعون لنفسه مهربا جديدا:
وقال فرعون: يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب. أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى . وإني لأظنه كاذبا. وكذلك زين لفرعون سوء عمله، وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب ..
يا هامان ابن لي بناء عاليا لعلي أبلغ به أسباب السماوات، لأنظر وأبحث عن إله موسى هناك وإني لأظنه كاذبا .. هكذا يموه فرعون الطاغية ويحاور ويداور، كي لا يواجه الحق جهرة، ولايعترف بدعوة الوحدانية التي تهز عرشه، وتهدد الأساطير التي قام عليها ملكه. وبعيد عن الاحتمال أن يكون هذا فهم فرعون وإدراكه. وبعيد أن يكون جادا في البحث عن إله موسى على هذا النحو المادي الساذج. وقد بلغ فراعنة مصر من الثقافة حدا يبعد معه هذا التصور. إنما هو الاستهتار والسخرية من جهة. والتظاهر بالإنصاف والتثبت من جهة أخرى. وربما كانت هذه خطة للتراجع أمام مطارق المنطق المؤمن في حديث الرجل المؤمن! وكل هذه الفروض تدل على إصراره على ضلاله، وتبجحه في جحوده: وكذلك زين لفرعون سوء عمله، وصد عن السبيل .. وهو مستحق لأن يصد عن السبيل، بهذا المراء الذي يميل عن الاستقامة وينحرف عن السبيل.
ويعقب السياق على هذا المكر والكيد بأنه صائر إلى الخيبة والدمار:
وما كيد فرعون إلا في تباب ..
وأمام هذه المراوغة، وهذا الاستهتار، وهذا الإصرار ألقى الرجل المؤمن كلمته الأخيرة مدوية صريحة، بعد ما دعا القوم إلى اتباعه في الطريق إلى الله، وهو طريق الرشاد. وكشف لهم عن قيمة هذه الحياة الزائلة; وشوقهم إلى نعيم الحياة الباقية; وحذرهم عذاب الآخرة; وبين لهم ما في عقيدة الشرك من زيف ومن بطلان:
وقال الذي آمن: يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد. يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع، وإن الآخرة هي دار القرار. من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها، ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب. ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار. تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم، وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار. لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة، وأن مردنا إلى الله، وأن المسرفين هم أصحاب النار. فستذكرون ما أقول لكم، وأفوض أمري إلى الله. إن الله بصير بالعباد ..
إنها الحقائق التي تقررت من قبل في صدر السورة، يعود الرجل المؤمن فيقررها في مواجهة فرعون وملئه.
إنه يقول في مواجهة فرعون:
يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد ..
وقد كان فرعون منذ لحظات يقول: وما أهديكم إلا سبيل الرشاد فهو التحدي الصريح الواضح بكلمة الحق لا يخشى فيها سلطان فرعون الجبار، ولا ملأه المتآمرين معه من أمثال هامان وقارون. وزيري فرعون فيما يقال.
ويكشف لهم عن حقيقة الحياة الدنيا: إنما هذه الحياة الدنيا متاع .. متاع زائل ثبات له ولا دوام. وإن الآخرة هي دار القرار .. فهي الأصل وإليها النظر والاعتبار.
ويقرر لهم قاعدة الحساب والجزاء في دار القرار:
[ ص: 3083 ] من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها. ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن، فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب ..
فقد اقتضى فضل الله أن تضاعف الحسنات ولا تضاعف السيئات، رحمة من الله بعباده، وتقديرا لضعفهم، وللجواذب والموانع لهم في طريق الخير والاستقامة، فضاعف لهم الحسنات، وجعلها كفارة للسيئات. فإذا هم وصلوا إلى الجنة بعد الحساب، رزقهم الله فيها بغير حساب.
ويستنكر الرجل المؤمن أن يدعوهم إلى النجاة فيدعونه إلى النار، فيهتف بهم في استنكار:
ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار؟ ..
وهم لم يدعوه إلى النار. إنما دعوه إلى الشرك. وما الفرق بين الدعوة إلى الشرك والدعوة إلى النار؟ إنها قريب من قريب. فهو يبدل الدعوة بالدعوة في تعبيره في الآية التالية:
تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم. وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار ..
وشتان بين دعوة ودعوة. إن دعوته لهم واضحة مستقيمة. إنه يدعوهم إلى العزيز الغفار. يدعوهم إلى إله واحد تشهد آثاره في الوجود بوحدانيته، وتنطق بدائع صنعته بقدرته وتقديره. يدعوهم إليه ليغفر لهم وهو القادر على أن يغفر، الذي تفضل بالغفران: العزيز الغفار .. فإلى أي شيء يدعونه؟ يدعونه للكفر بالله. عن طريق إشراك ما لا علم له به من مدعيات وأوهام وألغاز!
ويقرر من غير شك ولا ريبة أن هؤلاء الشركاء ليس لهم من الأمر شيء، وليس لهم شأن لا في دنيا ولا في آخرة، وأن المرد لله وحده، وأن المسرفين المتجاوزين للحد في الادعاء سيكونون أهل النار:
لا جرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة. وأن مردنا إلى الله. وأن المسرفين هم أصحاب النار .
وماذا يبقى بعد هذا البيان الواضح الشامل للحقائق الرئيسية في العقيدة؟ وقد جهر بها الرجل في مواجهة فرعون وملئه بلا تردد ولا تلعثم، بعد ما كان يكتم إيمانه، فأعلن عنه هذا الإعلان؟ لا يبقى إلا أن يفوض أمره إلى الله، وقد قال كلمة وأراح ضميره، مهددا إياهم بأنهم سيذكرون كلمته هذه في موقف لا تنفع فيه الذكرى. والأمر كله إلى الله:
فستذكرون ما أقول لكم، وأفوض أمري إلى الله، إن الله بصير بالعباد ..