قوله (تعالى): ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ؛ معناه: "تأمنه على قنطار"; لأن الباء و"على" تتعاقبان في هذا الموضع؛ كقولك: "مررت بفلان؛ ومررت عليه"؛ وقال - في القنطار -: "هو ألف مثقال ومائتا مثقال"؛ وقال الحسن : "ملء مسك ثور ذهبا"؛ وقال أبو نضرة : "سبعون ألفا"؛ وقال مجاهد أبو صالح : "مائة رطل"؛ فوصف الله (تعالى) بعض أهل الكتاب بأداء الأمانة في هذا الموضع؛ ويقال: إنه أراد به النصارى؛ ومن الناس من يحتج بذلك في قبول شهادة بعضهم على بعض; لأن الشهادة ضرب من الأمانة؛ كما أن بعض المسلمين لما كان مأمونا جازت شهادته؛ فكذلك ؛ فإن قيل: فهذا يوجب جواز قبول شهادتهم على المسلمين; لأنه وصفه بأداء الأمانة إلى المسلمين إذا ائتمنوه عليها؛ قيل له: كذلك يقتضي ظاهر الآية؛ إلا أنا خصصناه بالاتفاق؛ وأيضا فإنما دلت على جواز شهادتهم للمسلمين؛ لأن أداء أمانتهم حق لهم; فأما جوازه عليهم فلا دلالة في الآية عليه. الكتابي؛ من حيث كان منهم موصوفا بالأمانة؛ دل على جواز قبول شهادته على الكفار
وقوله (تعالى): ومنهم من إن تأمنه [ ص: 299 ] بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ؛ قال ؛ مجاهد : "إلا ما دمت عليه قائما بالتقاضي"؛ وقال وقتادة : "إلا ما دمت قائما على رأسه بالملازمة له"؛ واللفظ محتمل للأمرين؛ من التقاضي؛ ومن الملازمة؛ وهو عليهما جميعا؛ وقوله (تعالى): السدي إلا ما دمت عليه قائما ؛ بالملازمة أولى منه بالتقاضي من غير ملازمة؛ وقد دلت الآية على أن ؛ وقوله (تعالى): للطالب ملازمة المطلوب بالدين ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ؛ روي عن ؛ قتادة أن اليهود قالت: ليس علينا فيما أصبنا من أموال العرب سبيل; لأنهم مشركون؛ وزعموا أنهم وجدوا ذلك في كتبهم؛ وقيل: إنهم قالوا ذلك في سائر من يخالفهم في دينهم؛ ويستحلون أموالهم; لأنهم يزعمون أن على الناس جميعا اتباعهم؛ وادعوا ذلك على الله (تعالى)؛ أنه أنزله عليهم؛ فأخبر الله (تعالى) عن كذبهم في ذلك بقوله (تعالى): والسدي ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ؛ أنه كذب.