وقوله تعالى : وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا يدل على أن ؛ لأنها مما آتاها ، وعموم اللفظ قد حظر أخذ شيء مما آتاها من غير فرق بين المهر وغيره ويحتج فيمن من وهب لامرأته هبة لا يجوز له الرجوع فيها أنه لا يرجع عليها بشيء من الصداق الذي أعطاها عينا كان أو عرضا على ما قاله خلع امرأته على مال وقد أعطاها صداقها في ذلك . ويحتج به فيمن أبو حنيفة أنه لا يرجع في ميراثها بشيء مما أعطاها لعموم اللفظ ؛ لأنه جائز أن يريد أن يتزوج بأخرى بعد موتها مستبدلا بها مكان الأولى ، فظاهر اللفظ قد تناول هذه الحال . أسلف امرأته نفقتها لمدة ثم ماتت قبل المدة
فإن قيل : لما عقب ذلك قوله تعالى : وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض دل على أن المراد بأول الخطاب فيما أعطاها هو المهر دون غيره ؛ إذ كان هذا المعنى إنما يختص بالمهر دون ما سواه .
قيل له : ليس يمتنع أن يكون أول الخطاب عموما في جميع ما انتظمه الاسم ، ويكون المعطوف عليه بحكم خاص فيه ولا يوجب ذلك خصوص اللفظ الأول ، وقد بينا نظائر ذلك في مواضع . وهذه الآية أيضا تدل على أنه أن مهرها واجب لا يبطله وقوع الفرقة من قبلها . وفائدة تخصيص الله تعالى حال الاستبدال بالنهي عن أخذ شيء مما أعطاها مع شمول الحظر لسائر الأحوال إزالة توهم من يظن أن ذلك جائز عند حصول البضع لها وسقوط حق الزوج عنه بطلاقها وأن الثانية قد قامت مقام الأولى فتكون أولى بالمهر الذي أعطاها فنص على حظر الأخذ في هذه الحال ، ودل به على عمومه في سائر الأحوال إذا لم يبح له أخذ شيء مما أعطاها في الحال التي يسقط حقه عن بضعها ، فهو أولى أن لا يأخذ منها شيئا مع بقاء حقه في استباحة بضعها وكونه أملك بها من نفسها . إذا دخل بها ثم وقعت الفرقة من قبلها بمعصية أو غير معصية
وأكد الله تعالى حظر أخذ شيء مما أعطى بأن جعله ظلما كالبهتان ، وهو الكذب الذي يباهت به مخبره ويكابر به من يخاطبه ، وهذا أقبح ما يكون من الكذب وأفحشه ؛ فشبه أخذ ما أعطاها بغير حق بالبهتان في قبحه فسماه بهتانا وإثما .