قوله تعالى : إنما نحن فتنة فلا تكفر فإن الفتنة ما يظهر به حال الشيء في الخير والشر ، تقول العرب : " فتنت الذهب " إذا عرضته على النار لتعرف سلامته أو غشه والاختبار كذلك أيضا ؛ لأن الحال تظهر فتصير كالمخبرة عن نفسها . والفتنة : العذاب ، في غير هذا الموضع ، ومنه قوله تعالى : ذوقوا فتنتكم فلما كان الملكان يظهران حقيقة السحر ومعناه قالا إنما نحن فتنة وقال : قتادة إنما نحن فتنة بلاء وهذا سائغ أيضا ؛ لأن أنبياء الله تعالى ورسله فتنة لمن أرسلوا إليهم ليبلوهم أيهم أحسن عملا ويجوز أن يريد : إنا فتنة وبلاء ؛ لأن من يعلم ذلك منهما يمكنه استعمال ذلك في الشر ولا يؤمن [ ص: 71 ] وقوعه فيه ، فيكون ذلك محنة كسائر العبادات ، وقولهما : فلا تكفر يدل على أن عمل السحر كفر ؛ لأنهما يعلمانه إياه لئلا يعمل به ؛ لأنهما علماه ما السحر وكيف الاحتيال ليتجنبه ، ولئلا يتموه على الناس أنه من جنس آيات الأنبياء صلوات الله عليهم فيبطل الاستدلال بها .