ولما تقدم الأمر بالإثخان في
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=57فشرد بهم ثم بإعداد القوة، ثم
nindex.php?page=treesubj&link=27470التحريض على القتال بعد الإعلام بالكفاية ثم إيجاب ثبات الواحد لعشرة ثم إنزال التخفيف إلى اثنين; كان ذلك مقتضيا للإمعان في الإثخان، فحسن عتاب الأحباب في اختيار غير ما أفهمه هذا الخطاب، لكون ذلك أقعد في الامتنان عليهم بالعفو والغفران بسبب أن أكثرهم مال إلى فداء الأسارى
فإن النبي صلى الله عليه وسلم استشارهم فيهم فأشار nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر رضي الله عنه بالمفاداة ومال معه الأكثر، وأشار nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه بضرب أعناقهم، وروي أنه قال صلى الله عليه وسلم: "لو نزل من السماء عذاب - أي: في هذا - ما نجا منه غير nindex.php?page=showalam&ids=2عمر nindex.php?page=showalam&ids=307وسعد بن معاذ رضي الله عنهما" فقال تعالى استئنافا واستنتاجا:
nindex.php?page=treesubj&link=25958_28723_29497_30786_31216_34166_34306_28979nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=67ما كان أي: ما صح وما استقام
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=67لنبي أي: في شرع نبي من الأنبياء مستقل ولا مقرر، ولعله عبر
[ ص: 330 ] بوصف النبوة ليفيد مع العموم أن كلا من رفعة القدر والإخبار من الله يمنع من الإقدام على فعل بدون إذن خاص
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=67أن يكون له أسرى أي: أن يباح له أسر العدو
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=67حتى يثخن في الأرض أي: يبالغ في قتل أعدائه، فهو عتاب لمن أسر من الصحابة غير من نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتله من المشركين أو رضي بذلك، وإنما أسند إلى نبي - وقرئ شاذا بالتعريف - ولم يقل: ما كان في شرع نبي، تهويلا للأسر تعظيما للعفو للمبالغة في القيام بالشكر، وهذا كان يوم
بدر والمسلمون يومئذ قليل، فلما كثروا واشتد سلطانهم أنزل الله سبحانه وتعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=4فإما منا بعد وإما فداء قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما، ومادة ثخن تدور على الضخامة، وتارة يلزمها اللين والضعف، وتارة الصلابة والقوة، فحقيقته: يبالغ في القتل فيغلط أمره فيقوى، ويلين له أعداؤه ويضعفوا; ثم بين لهم أن الميل عن ذلك إنما هو لإرادة الأعراض الدنيوية المبكت به اليهود في آخر التي قبلها بقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=169يأخذون عرض هذا الأدنى كما أن النزاع في الأنفال ميل إلى الدنيا، وكل ذلك بمعزل عن
nindex.php?page=treesubj&link=19473_19508معالي الأخلاق وكرائم السجايا، معللا لعدم الكون المذكور بما تقديره: لأن الأسر إنما يراد به الدنيا، هكذا الأصل ولكنه أبرز في أسلوب الخطاب لأنه أوقع في النفس فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=67تريدون أي: أيها المؤمنون المرغبون في
[ ص: 331 ] الإنفاق لا في الجمع، باستبقائهم
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=67عرض الدنيا قال
nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب: العرض ما لا ثبات له، ومنه استعاره المتكلمون لما لا ثبات له إلا بالجوهر كاللون، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16493ابن هشام في تهذيب السيرة، أي: المتاع الفداء بأخذ الرجال
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=67والله أي: الذي له الكمال كله
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=67يريد أي: لكم
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=67الآخرة أي: جوهرها لأنه يأمر بذلك أمرا هو في تأكيده ليمتثل كالإرادة التي لا يتخلف مرادها، وذلك بالإثخان في قتلهم لظهور الدين الذي تريدون إظهاره والذي به تدرك الآخرة، ولا ينبغي للمحب أن يريد إلا ما يريد حبيبه
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=67والله أي: الملك الأعظم
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=67عزيز أي: منزه جنابه العلي عن لحاق شيء مما فيه أدنى سفول
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=67حكيم أي: لا يصدر عنه فعل إلا وهو في غاية الإتقان فهو يأمر بالإثخان عند ظهور قوة المشركين، فإذا ضعفت وقوي المسلمون فأنتم بالخيار، ولا يصح ادعاء ولايته إلا لمن ترقى في معارج صفاته، فيكون عزيزا في نفسه فلا يدنسها بالأطماع الفانية، وفعله فلا يحطه عن أوج المعالي إلى حضيض المهاوي، وحكيما فلا ينشأ عنه فعل إلا وهو في غاية الإتقان.
وَلَمَّا تَقَدَّمَ الْأَمْرُ بِالْإِثْخَانِ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=57فَشَرِّدْ بِهِمْ ثُمَّ بِإِعْدَادِ الْقُوَّةِ، ثُمَّ
nindex.php?page=treesubj&link=27470التَّحْرِيضِ عَلَى الْقِتَالِ بَعْدَ الْإِعْلَامِ بِالْكِفَايَةِ ثُمَّ إِيجَابِ ثَبَاتِ الْوَاحِدِ لِعَشَرَةٍ ثُمَّ إِنْزَالِ التَّخْفِيفِ إِلَى اثْنَيْنِ; كَانَ ذَلِكَ مُقْتَضِيًا لِلْإِمْعَانِ فِي الْإِثْخَانِ، فَحَسُنَ عِتَابُ الْأَحْبَابِ فِي اخْتِيَارِ غَيْرِ مَا أَفْهَمَهُ هَذَا الْخِطَابُ، لِكَوْنِ ذَلِكَ أَقْعَدَ فِي الِامْتِنَانِ عَلَيْهِمْ بِالْعَفْوِ وَالْغُفْرَانِ بِسَبَبِ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ مَالَ إِلَى فِدَاءِ الْأُسَارَى
فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَشَارَهُمْ فِيهِمْ فَأَشَارَ nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْمُفَادَاةِ وَمَالَ مَعَهُ الْأَكْثَرُ، وَأَشَارُ nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِضَرْبِ أَعْنَاقِهِمْ، وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ عَذَابٌ - أَيْ: فِي هَذَا - مَا نَجَا مِنْهُ غَيْرُ nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ nindex.php?page=showalam&ids=307وَسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا" فَقَالَ تَعَالَى اسْتِئْنَافًا وَاسْتِنْتَاجًا:
nindex.php?page=treesubj&link=25958_28723_29497_30786_31216_34166_34306_28979nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=67مَا كَانَ أَيْ: مَا صَحَّ وَمَا اسْتَقَامَ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=67لِنَبِيٍّ أَيْ: فِي شَرْعِ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مُسْتَقِلٍّ وَلَا مُقَرَّرٍ، وَلَعَلَّهُ عَبَّرَ
[ ص: 330 ] بِوَصْفِ النُّبُوَّةِ لِيُفِيدَ مَعَ الْعُمُومِ أَنَّ كُلًّا مِنْ رَفْعَةِ الْقَدْرِ وَالْإِخْبَارِ مِنَ اللَّهِ يَمْنَعُ مِنَ الْإِقْدَامِ عَلَى فِعْلٍ بِدُونِ إِذْنٍ خَاصٍّ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=67أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى أَيْ: أَنْ يُبَاحَ لَهُ أَسْرُ الْعَدُوِّ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=67حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ أَيْ: يُبَالِغَ فِي قَتْلِ أَعْدَائِهِ، فَهُوَ عِتَابٌ لِمَنْ أَسَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ غَيْرَ مَنْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَوْ رَضِيَ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا أُسْنِدَ إِلَى نَبِيٍّ - وَقُرِئَ شَاذًّا بِالتَّعْرِيفِ - وَلَمْ يَقُلْ: مَا كَانَ فِي شَرْعِ نَبِيٍّ، تَهْوِيلًا لِلْأَسْرِ تَعْظِيمًا لِلْعَفْوِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْقِيَامِ بِالشُّكْرِ، وَهَذَا كَانَ يَوْمَ
بَدْرٍ وَالْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ قَلِيلٌ، فَلَمَّا كَثُرُوا وَاشْتَدَّ سُلْطَانُهُمْ أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=4فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَمَادَّةُ ثَخَنَ تَدُورُ عَلَى الضَّخَامَةِ، وَتَارَةً يَلْزَمُهَا اللِّينُ وَالضَّعْفُ، وَتَارَةً الصَّلَابَةُ وَالْقُوَّةُ، فَحَقِيقَتُهُ: يُبَالِغُ فِي الْقَتْلِ فَيَغْلَطُ أَمْرُهُ فَيَقْوَى، وَيَلِينُ لَهُ أَعْدَاؤُهُ وَيَضْعُفُوا; ثُمَّ بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ الْمَيْلَ عَنْ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ لِإِرَادَةِ الْأَعْرَاضِ الدُّنْيَوِيَّةِ الْمُبَكَّتِ بِهِ الْيَهُودُ فِي آخِرِ الَّتِي قَبْلَهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=169يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى كَمَا أَنَّ النِّزَاعَ فِي الْأَنْفَالِ مَيْلٌ إِلَى الدُّنْيَا، وَكُلُّ ذَلِكَ بِمَعْزِلٍ عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=19473_19508مَعَالِي الْأَخْلَاقِ وَكَرَائِمِ السَّجَايَا، مُعَلِّلًا لِعَدَمِ الْكَوْنِ الْمَذْكُورِ بِمَا تَقْدِيرُهُ: لِأَنَّ الْأَسْرَ إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الدُّنْيَا، هَكَذَا الْأَصْلُ وَلَكِنَّهُ أُبْرِزَ فِي أُسْلُوبِ الْخِطَابِ لِأَنَّهُ أَوْقَعُ فِي النَّفْسِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=67تُرِيدُونَ أَيْ: أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْمُرَغَّبُونَ فِي
[ ص: 331 ] الْإِنْفَاقِ لَا فِي الْجَمْعِ، بِاسْتِبْقَائِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=67عَرَضَ الدُّنْيَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14343الرَّاغِبُ: الْعَرَضُ مَا لَا ثَبَاتَ لَهُ، وَمِنْهُ اسْتَعَارَهُ الْمُتَكَلِّمُونَ لِمَا لَا ثَبَاتَ لَهُ إِلَّا بِالْجَوْهَرِ كَاللَّوْنِ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16493ابْنُ هِشَامٍ فِي تَهْذِيبِ السِّيرَةِ، أَيِ: الْمَتَاعُ الْفِدَاءُ بِأَخْذِ الرِّجَالِ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=67وَاللَّهُ أَيِ: الَّذِي لَهُ الْكَمَالُ كُلُّهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=67يُرِيدُ أَيْ: لَكُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=67الآخِرَةَ أَيْ: جَوْهَرَهَا لِأَنَّهُ يَأْمُرُ بِذَلِكَ أَمْرًا هُوَ فِي تَأْكِيدِهِ لِيُمْتَثَلَ كَالْإِرَادَةِ الَّتِي لَا يَتَخَلَّفُ مُرَادُهَا، وَذَلِكَ بِالْإِثْخَانِ فِي قَتْلِهِمْ لِظُهُورِ الدِّينِ الَّذِي تُرِيدُونَ إِظْهَارَهُ وَالَّذِي بِهِ تُدْرَكُ الْآخِرَةُ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُحِبِّ أَنْ يُرِيدَ إِلَّا مَا يُرِيدُ حَبِيبُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=67وَاللَّهُ أَيِ: الْمَلِكُ الْأَعْظَمُ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=67عَزِيزٌ أَيْ: مُنَزَّهٌ جَنَابُهُ الْعَلِيُّ عَنْ لَحَاقِ شَيْءٍ مِمَّا فِيهِ أَدْنَى سُفُولٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=67حَكِيمٌ أَيْ: لَا يَصْدُرُ عَنْهُ فِعْلٌ إِلَّا وَهُوَ فِي غَايَةِ الْإِتْقَانِ فَهُوَ يَأْمُرُ بِالْإِثْخَانِ عِنْدَ ظُهُورِ قُوَّةِ الْمُشْرِكِينَ، فَإِذَا ضَعُفَتْ وَقَوِيَ الْمُسْلِمُونَ فَأَنْتُمْ بِالْخِيَارِ، وَلَا يَصِحُّ ادِّعَاءُ وِلَايَتِهِ إِلَّا لِمَنْ تَرَقَّى فِي مَعَارِجِ صِفَاتِهِ، فَيَكُونُ عَزِيزًا فِي نَفْسِهِ فَلَا يُدَنِّسُهَا بِالْأَطْمَاعِ الْفَانِيَةِ، وَفِعْلِهِ فَلَا يَحُطُّهُ عَنْ أَوْجِ الْمَعَالِي إِلَى حَضِيضِ الْمُهَاوِي، وَحَكِيمًا فَلَا يَنْشَأُ عَنْهُ فِعْلٌ إِلَّا وَهُوَ فِي غَايَةِ الْإِتْقَانِ.