ولما كان التقدير تسبيبا عما جزم به من الحكم بعراقتهم في الرجس [ ص: 53 ] وازديادهم منه: أفلا يرون إلى تماديهم في النفاق وثباتهم عليه؟ عطف عليه تقريرهم بعذاب الدنيا والإنكار عليهم في قوله: أولا يرون أي المنافقون، قال : والرؤية هنا قلبية؛ لأن رؤية العين لا تدخل على الجملة لأن الشيء لا يرى من وجوه مختلفة " إنهم " أي المنافقين; ولما كان مطلق وقوع الفتنة من العذاب بنى للمفعول قوله: الرماني يفتنون أي يخالطون من حوادث الزمان ونوازل الحدثان بما يضطرهم إلى بيان أخلاقهم بإظهار سرائرهم في نفاقهم في كل عام أي وإن كان الناس أخصب ما يكونون وأرفعه عيشا مرة أو مرتين فيفضحون بذلك، وذلك موجب للتوبة للعلم بأن من علم سرائرهم - التي هم مجتهدون في إخفائها - عالم بكل شيء قادر على كل مقدور، فهو جدير بأن تمتثل أوامره وتخشى زواجره.
ولما كان عدم توبتهم مع فتنتهم على هذا الوجه مستبعدا، أشار إليه بأداة التراخي فقال: ثم لا يتوبون أي: لا يجددون توبة ولا هم أي بضمائرهم يذكرون \ أي أدنى تذكر بما أشار إليه الإدغام، فلولا أنه حصلت لهم زيادة في الرجس لأوشك تكرار الفتنة أن يوهي رجسهم إلى أن يزيله ولكن كلما أوهى شيئا خلفه مثله أو أكثر بسبب الزيادات المترتبة على وجود نجوم القرآن، والتذكر طلب الذكر للمعنى بالكفر فيه، فالآية ذامة لهم على عدم التوبة بإصابة المصائب لعدم تذكر [ ص: 54 ] أنه سبحانه ما أصابهم بها إلا بذنوبهم ويعفو عن كثير كما أن أحدهم لا يعاقب فتاه إلا بذنب وما لم يتب فهو يوالي عقابه].