فكيدوني حال كونكم جميعا أي: فرادى إن شئتم أو مجتمعين أنتم وآلهتكم.
ولما كانت المعاجلة في الحرب أهول، وكان شأنها أصعب وأخطر، بين عظمها بأداة التراخي فقال: ثم لا تنظرون والكيد: طلب الغيظ بالسر في مكر، وهذه الآية من أعلام النبوة الواضحة لهود عليه السلام، فكأنه قيل: هب أن آلهتنا لا شيء، فما حملك على الاجتراء [ ص: 311 ] على مخالفتنا نحن وأنت كثرتنا وقوتنا وأنت لا تزيد على أن تكون واحدا منا؟ فقال: إني أي: جسرت على ذلك لأني توكلت معتمدا على الله الملك المرهوب عقابه الذي لا ملك سواه ولا رب غيره; وبين إحاطة ملكه بقوله: ربي وربكم أي الذي أوجدنا ودبر أمورنا قبل أن يخلقنا فعلم ما يعمل كل منا في حق الآخرة؛ لأنه ما من دابة أي: صغرت أو كبرت إلا هو آخذ أي: أخذ قهر وغلبة بناصيتها أي: قادر عليها، وقد صار الأخذ بالناصية عرفا في القدرة، لأن الكل جارون مع مراده لا مع مرادهم بل لا ينفك أحد عن كراهة لبعض ما هو فيه فدل ذلك قطعا على أنه بغير مراده وإنما هو بمراد قاهر قهره على ذلك وهو الملك الأعلى سبحانه; والناصية: شعر مقدم الرأس، ومن أخذ بناصيته فقد انقاد لأخذه لا يستطيع ميلا إن أي: لأن ربي أي المحسن إلي بما أقامني فيه على صراط أي: طريق واسع بين مستقيم ظاهر أمره لكل أحد لا لبس فيه أصلا ولا خلل ولا اضطراب ولا اعوجاج بوجه، فلذلك كان كل من في الكون يتألهه ويدعوه ويخافه ويرجوه وإن اتخذ بعضهم من دونه شركاء، وأما ما يعبد من دونه فلا يعظمه إلا عابده، وأما غير عابده فإنه لا يقيم له وزنا; فصح بهذا أنه غالب [ ص: 312 ] على كل شيء [غلبة] يعلمها كل موجود من غير خفاء أصلا، فهو مرجو مرهوب بإجماع العقلاء بخلاف معبوداتكم، والحاصل أنه يلزم الصراط المستقيم الظهور، فيلزم عدم الاختلاف لانتفاء اللبس، فمن كان عليه كان علي القدر شهير الأمر، بصيرا بما يريد، مع الثبات والتمكن، مرهوب العاقبة، مقصودا بالاتباع والمحبة، من لم يقبل إليه ضل، ومن أعرض عنه أخذ لكثرة أعوانه وعز سلطانه، فظهرت قدرته على وعجز معبوداتهم معهم، لأن نواصي الكل بيده وهو ربها وربهم ورب كل شيء، فقد انطبق ختام الآية على قولهم: عصمة من يتوكل عليه ما جئتنا ببينة ردا له لأن من كان على صراط مستقيم لم يكن شيء أبين من أمره، وعلى جوابه في توكله وما في حيزه أتم انطباق; والناصية: مقدم الشعر من الرأس، وأصلها الاتصال من قولهم: مفازة تناصي مفازة - إذا كانت متصلة بها.