ولما كان الموضع في غاية الشرف، أكد الضمير المستتر تعيينا وتنبيها على التأهل لظهور الإمامة، فقال: أنا ومن أي ويدعو كذلك من اتبعني لا كمن هو على عمى جائر عن القصد، حائر في ضلال التقليد، فهو لا يزال في غفلة هدفا للحتوف; والاتباع: طلب الثاني اللحاق بالأول للموافقة في مكانه أو في أمره الذي دعا إليه، ومما دخل تحت "قل" عطفا على " أدعو " قوله: منبها على أن عن كل شائبة نقص - شرط كل دعوة إليه سبحانه اقترانها بتنزيهه وسبحان الله [ ص: 243 ] أي وأسبح الذي اختص بصفات الكمال سبحانا، أي أقدره حق قدره فأثبت له من صفات الكمال ما يليق بجلاله، وأنزهه عما هو متعال عنه تنزيها يعلم هم أنه يليق بجلالة ويرضى به، وفي تخصيص الله بذلك عقب ما أثبت له ولأتباعه تلويح بنسبة النقص إليهم تواضعا، واعتذارا عما يلحقهم من الوهن وطلبا للعفو عنه وما أنا وعدل عن "مشركا" إلى أبلغ منه فقال: من المشركين أي في عداد من يشرك به شيئا بوجه من الوجوه، لأني علمت بما آتاني من البصيرة أنه منعوت بنعوت الكمال، منزه عن سمات النقص، متعال عنها، وأن ذلك أول واجب لأنه الواحد الذي جل عن المجانسة، القهار الذي كل شيء تحت مشيئته، وفسرت " سبحان " بما تقدم لأن مادة "سبح" بكل ترتيب تدور على القدر والشدة والاتساع; وتارة يقتصر [فيه] على الكفاية ومنه الحسب: مقدار الشيء. وتارة يقتصر [فيه] على الكفاية فيلزمه الحصر ومنه: أحسبني الشيء: كفاني، واحتساب الأجر: الاكتفاء به، والحساب: معرفة المقدار، والحسب بمعنى الظن راجع إلى ذلك أيضا، والأحسب: الذي ابيضت جلدته من داء وفسدت [ ص: 244 ] شعرته، بمعنى أن ذلك الداء كفاه في الفساد عن كل داء كأنه ما بقي يسع معه داء، والتحسيب: التكفين بما يسع الميت، وهو كفاية له لا يحتاج بعده إلى شيء، ومنه الحبس وهو المنع من مجاوزة الكفاية; وتتجاوز الكفاية فيسبح ويتسع مداه فلا ينحصر ومنه: الحسب - بالتحريك، وهو الشرف; ومنه السحب وبه سمي السحاب لانسياحه في الهواء; ومنه السبح في الماء، ومد الفرس يديه في الجري، والسبحة: صلاة التطوع - لأنه لا حد لها يحصرها، ولأنها تجاوزت الفرض، والسبح: الفراغ - للتمكن معه من الانبساط، والتسبيح: التنزيه - لأنه الإبعاد عن النقص، قال : وأصله البراءة من الشيء، وقال الرماني ابن مكتوم في الجمع بين العباب والمحكم: وسبحان الله معناه تنزيها لله من الصحابة والولد، وتبرئة من السوء - هذا معناه في اللغة وبذلك جاء الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال : زعم سيبويه أبو الخطاب أن "سبحان الله" كقولك براءة الله من السوء، [كأنه يقول: أبرئ براءة الله من السوء]، وزعم أن مثل ذلك [ ص: 245 ] قول الأعشى :
أقول لما جاءني فخره .... سبحان من علقمه الفاخر
أي براءة منه، وبهذا [استدل] على أن سبحان معرفة إذ لو كان نكرة لانصرف، قال: وقد جاء في الشعر منونا نكرة، قال أمية :
سبحانه ثم سبحانا يعود له ... وقبلنا سبح الجودي والجمد
وقال ابن جني : سبحان اسم علم لمعنى البراءة والتنزيه بمنزلة عثمان وحمران، اجتمع في سبحان التعريف والألف والنون، وكلاهما علة تمنع من الصرف - انتهى. وقال : جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم الزجاج أن قوله "سبحان الله" تبرئة لله من السوء ، وأهل اللغة كذلك يقولون من غير معرفة بما فيه من الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ولكن تفسيره يجمعون عليه، وقد سبح الرجل: قال سبحان الله، وفي التنزيل كل قد علم صلاته وتسبيحه وسبح لغة في سبح، وحكى ثعلب : [سبح] تسبيحا وسبحانا، قال [ ص: 246 ] ابن سيده : وعندي أنا سبحانا ليس مصدرا لسبح، إنما هو مصدر سبح، وقال النضر: سبحان الله معناه السرعة إليه والخفة في طاعته، وسبوحة - بفتح السين: البلد الحرام، وسباح علم الأرض الملساء عند معدن بني سليم، وسبحات وجه الله: أنواره، والسبحة: الدعاء، وأيضا صلاة التطوع - انتهى. وكله راجع إلى الإبعاد عن السوء، والسبحان: النفس، وكل أحد يبرئ نفسه ويرفعها عن السوء.