ولما ذكر ما يخصهم أتبعه ما يشاركون فيه سائر الحيوانات؛ فقال: والله ؛ أي: الذي له الجلال والإكرام؛ جعل لكم ؛ أي: من غير حاجة منه - سبحانه -؛ مما خلق ظلالا ؛ من الأشجار؛ والجبال؛ وغيرها؛ وجعل لكم ؛ أي: مع غناه المطلق؛ من الجبال أكنانا ؛ جمع "كن"؛ وهو ما يستكن به - ؛ أي: يستتر - من الكهوف؛ ونحوها؛ ولو كان الخالق غير مختار؛ لكانت على سنن واحد؛ لا ظلال؛ ولا أكنان; ثم أتبع ذلك ما هداهم إليه؛ عوضا مما جعله لسائر الحيوان؛ فقال: وجعل لكم ؛ أي: منا منه عليكم؛ سرابيل ؛ أي: ثيابا؛ تقيكم الحر ؛ وهي كل ما لبس؛ من قميص؛ وغيره؛ كما قال الزجاج.
ولما كانت السرابيل نوعا واحدا؛ لم يكرر "جعل"؛ فقال (تعالى): وسرابيل ؛ أي: دروعا؛ ومغافر؛ وغيرها؛ تقيكم بأسكم ؛ أضافه إليهم إفهاما لأنه الحرب؛ وذلك كما جعل لبقية الحيوان - من الأصواف؛ ونحوها؛ والأنياب؛ والأظفار؛ ونحوها - ما هو نحو ذلك؛ يمنع [ ص: 227 ] من الحر؛ والبرد؛ ومن سلاح العدو؛ ولم يذكر - سبحانه - هنا وقاية البرد لتقدمها في قوله (تعالى): "لكم فيها دفء"؛ ولما تم ذلك كان كأنه قيل: نبهنا - سبحانه - بهذا الكلام على تمام نعمة الإيجاد؛ فهل بعدها من نعمة؟ فقال: نعم؛ كذلك ؛ أي: كما أتم نعمة الإيجاد عليكم هذا الإتمام العظيم بهذه الأمور؛ ونبهكم عليها؛ يتم نعمته عليكم ؛ في الدنيا والدين؛ بالهداية؛ والبيان لطريق النجاة؛ والمنافع؛ والتنبيه على دقائق ذلك؛ بعد جلائله؛ لعلكم تسلمون ؛ أي: ليكون حالكم - بما ترون من كثرة إحسانه؛ بما لا يقدر عليه غيره؛ مع وضوح الأمر - حال من يرجى منه إسلام قياده لربه؛ فلا يسكن؛ ولا يتحرك؛ إلا في طاعته.