ولما كان المؤمنون على طريق الأنبياء في إرادة الخير والإرشاد إلى سبيل النجاة وعدم الحقد على أحد بشر أسلفه وجهل قدمه، قال له مصرحا بالتعليم بعد أن لوح له به فيما ذكره عن نفسه مما يجب عليه: ولولا إذ أي وهلا حين دخلت جنتك قلت ما يدل على تفويضك الأمر فيها وفي غيرها إلى الله تعالى كما تقدم الإرشاد إليه في آية ولا تقولن لشيء تاركا للافتخار بها، ومستحضرا لأن الذي وهبكها قادر على سلبك إياها ليقودك ذلك إلى التوحيد وعدم الشرك، فلا تفرح بها ولا بغيرها مما يفنى لأنه لا ينبغي الفرح إلا بما يؤمن عليه الزوال ما شاء الله أي الذي له الأمر كله، كان، سواء كان حاضرا أو ماضيا أو مستقبلا، ولذلك أعراها عن الجواب، لا ما يشاؤه غيره [ولا يشاؤه -] هو سبحانه; [ثم -] علل ذلك بقوله تعالى: لا قوة أي لأحد على بستان وغيره إلا بالله [ ص: 63 ] [أي -] المتوحد بالكمال، فلا شريك له، وأفادت هذه الكلمة إثبات القوة لله وبراءة العبد منها، والتنبيه على أنه لا قدرة [لأحد -]من الخلق إلا بتقديره، فلا يخاف من غيره، والتنبيه على فساد قول الفلاسفة في الطبائع من أنها مؤثرة بنفسها.
ولما قدم ما يجب عليه في نفسه منبها به لصاحبه، ثم ما يجب عليه [من -] التصريح بالإرشاد في أسلوب مقرر أن الأمر كله لله، لا شيء لأحد غيره، أنتج قوله تعالى: إن ترن أي أيها المفتخر بما له علي! أنا ولما ذكر ضمير الفصل، ذكر مفعول "ترى" الثاني فقال: أقل منك وميز القليل بقوله: مالا وولدا أي من جهة المال والولد الذي هو أعز نفر الإنسان.