ولما كان ذلك ليس إلى الرسول، إنما هو إلى الإله، بينه بقوله تعالى: وما نرسل على ما لنا من العظمة التي لا أمر لأحد معنا فيها المرسلين إلا مبشرين بالخير على أفعال الطاعة ومنذرين بالشر على أفعال المعصية، فيطلب منهم الظالمون من أممهم ما ليس إليهم من فصل الأمر ويجادل الذين كفروا أي يجددون الجدال كلما [ ص: 91 ] أتاهم أمر من قبلنا بالباطل من قولهم: لو كنتم صادقين لأتيتم بما نطلب منكم، مع أن [ذلك -] ليس كذلك لأنه ليس لأحد غير الله من الأمر شيء ليدحضوا أي ليزلقوا فيزيلوا ويبطلوا به الحق الثابت من المعجزات المثبتة لصدقهم.
ولما كان لكل مقام مقال، ولكل مقال [حد و-] حال، فأتى في الجدال بصيغة الاستقبال، وكان اتخاذ الاستهزاء أمرا واحدا، أتى به ماضيا فقال تعالى: واتخذوا أي كلفوا أنفسهم أن أخذوا آياتي بالبشارات التي هي المقصودة بالذات لكل ذي روح وما أنذروا من آياتي، بني للمفعول لأن الفاعل معروف والمخيف الإنذار هزوا مع بعدهما جدا عن ذلك، فلا بالرغبة أطاعوا، ولا للرهبة ارتاعوا، فكانوا شرا من البهائم.