ولما كان إنزال هذا القول الثقيل ثم تيسيره حفظا وعملا سببا لما جعل لأهل الطاعة في الدنيا من الود بما لهم من التحلي والتزين بالصالحات، والتخلي والتصون من السيئات، الدال على ما لهم عند مولاهم من عظيم العز والقرب، وكان التقدير: والذين كفروا ليكسبنهم [ ص: 252 ] الجبار بغضا وذلا، فأخبر كلا من الفريقين بما له بشارة ونذارة، قال مسببا عن إفصاح ذلك وإفهامه: فإنما يسرناه أي هذا القرآن، الذي عجز عن معارضته الإنس والجان، والكتاب القيم والوحي الذي لا مبدل له بسبب إنزالنا إياه بلسانك هذا العربي المبين، العذب الرصين لتبشر به المتقين وهم الذين يجعلون بينهم وبين ما يسخط الله وقاية، فلا يبطلون حقا ولا يحقون باطلا، ومتى حصلت لهم هفوة بادروا الرجوع عنها [بالمتاب -]، بما لهم عندنا من العز الذي هو ثمرة العز المدلول عليه بما لهم منه في الدنيا، لا لتحزنهم بأن ينزل فيه ما يوهم تسويتهم بأهل المعصية في كلتا الدارين وتنذر به قوما لدا أشد في الخصومة، يريدون العز بذلك، لما لهم عندنا من الذل والهوان الناشئ عن المقت المسبب عن مساوئ الأعمال، وأنا نهلكهم إن لم يرجعوا عن لددهم، والألد هو الذي يتمادى في غيه ولا يرجع لدليل، ويركب في عناد الحق ما يقدر عليه من الشر، ولا يكون هذا إلا ممن يحتقر من يخاصمه ويريد أن يجعل الحق باطلا، تكبرا عن قبوله، فينطبق عليه ما رواه في الإيمان عن صحيحه، مسلم في اللباس من سننه، وأبو داود في البر من جامعه، والترمذي في السنة من سننه عن وابن ماجه [ ص: 253 ] رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ابن مسعود
وكلاهما بمعنى الاحتقار، ومن كان هذا سبيله مرن على ذلك ومرد عليه، فكان جديرا بأن يركبه الله أبطل الباطل: الكفر عند الموت، فتحرم عليه الجنة، فإن من يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه "لا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال حبة من كبر، فقال رجل: [إن الرجل -] يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة، فقال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط - وفي رواية: وغمص الناس. سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق - الآية، فيا ذل من تكبر على الحق! ويا عز من تشرف بالذل للحق والعز على الباطل! ولعمري لقد أجرى الله عادته - ولن تجد لسنة الله تحويلا [أن -] من تعود الجراءة بالباطل كان ذليلا في الحق، وإليه يشير قوله تعالى في وصف أحبابه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين