ولما نفي الجناح بانتفاء المسيس والفرض فأفهم أنهما إذا وجدا وجد الجناح بوجوب المفروض كله أتبعه ما إذا انتفى أحدهما فقط فذكر الحكم عند انتفاء المسيس وحده صريحا في ضد المفوضة السابقة وأفهم بذلك ما إذا انتفى الفرض وحده تلويحا فقال: وإن طلقتموهن أي الزوجات من قبل أن تمسوهن أي تجامعوهن سواء كانت هناك خلوة أو لا وقد أي والحال أنكم فرضتم أي سميتم لهن فريضة أي مهرا مقدرا فنصف أي فالمأخوذ نصف ما فرضتم أي سميتم لهن من الصداق لا غير.
ولما أوجب لها ذلك بعثها على تركه لأن الزوج لم ينتفع منها بشيء بالتعبير بالعفو فقال: إلا أن يعفون أي النساء فإن النون ضميرهن والواو لام الفعل فلا يؤخذ منكم شيء أو يعفو الذي [ ص: 356 ] بيده أي إليه ولكن لما كان أغلب الأعمال باليد أسندت كلها إليها فصارت كناية عن القدرة عقدة النكاح وهو الزوج الذي إن شاء أبقاها وإن شاء حلها فيسمح لها بالجميع كان التعبير بهذا هزا للزوج إلى العفو في نظير ما جعل إليه من هذا دونها.
قال : إذا قرن هذا الإيراد بقوله: الحرالي ولا تعزموا عقدة النكاح خطابا للأزواج قوي فسر من جعل الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج معادلة للزوجات، ومن خص عفوهن بالمالكات أي الراشدات خص هذا بالأولياء فكان هذا النمط من التهديف للاختلاف ليس عن سعة إيهام وكأنه عن تبقية بوجه ما من نهاية الإفصاح فمنشأ الخلاف فيه دون منشأ الخلاف من خطابات السعة بالإيهام - انتهى.
وجعل الإمام هذا مفهوما من التعبير بالعقدة لأنها تدل على المفعول كالأكلة واللقمة والذي بيده ذلك الزوج والذي بيد الولي العقد وهو المصدر كالأكل واللقم لا العقدة الحاصلة بعد العقد وأن تعفوا أيها الرجال والنساء أقرب أي من الحكم بالعدل الذي هو السواء.
ولما كان المقام للترغيب عبر باللام الدالة على مزيد القرب دون [ ص: 357 ] إلى فقال: للتقوى أما من المرأة فلأجل أن الزوج لم ينل منها شيئا ولا حظي بطائل فهو أقرب إلى رضاه، وأما من الرجل فلما أشار إليه بجعل العقدة بيده فإنه كما ربطها باختياره حلها باختياره فدفعه الكل أقرب إلى جبر المرأة ورضاها، ومن فعل الفضل كان بفعله ذلك أقرب إلى أن يفعل الواجب بمن لم يفضل.
ولما كان العفو فضلا من العافي وإحسانا لها منه وكانوا إنما يتفاخرون بالفضائل أكده بقوله: ولا تنسوا أي تتركوا ترك المنسي، والتعبير بالنسيان آكد في النهي الفضل أي أن تكونوا مفضلين في جميع ما مضى لا مفضلا عليكم، فإن اليد العليا خير من اليد السفلى ، وزاده تأكيدا بقوله: بينكم أي حال كونه واقعا فيكم من بعضكم لبعض ليس شيء منه خارجا عنكم، ولن ينال الله منه شيء لأنه غني عن كل شيء، فما أمركم به إلا لنفعكم خاصة، لئلا يتأذى الزوج [ ص: 358 ] ببذل لم ينتفع في مقابله من المرأة بشيء، ولا المرأة بطلاق لم يحصل لها في نظير ما يلحقها من الكسر بسببه شيء، وهو يصح أن يكون بالتغليب خطابا للقبيلين.
وخصه بالرجال فقال: فمن حق الزوج الذي له فضل الرجولة أن يكون هو العافي وأن لا يؤاخذ النساء بالعفو، ولذلك لم يأت في الخطاب أمر لهن ولا تحريض، فمن أقبح ما يكون حمل الرجل على المرأة في استرجاع ما آتاها بما يصرح به قوله: الحرالي وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا فينبغي أن لا تنسوا ذلك الفضل فتجرون عليه حيث لم تلزموا به - انتهى.
[ ص: 359 ] ثم علل ذلك مرغبا مرهبا بقوله: إن الله أي الذي له الكمال كله بما تعملون أي وإن دق بصير وأفهم ذلك: وإن طلقتموهن بعد المسيس وقبل الفرض فجميع مهر المثل.