ولما قدم [في قوله -] ما يأتيهم من ذكر من ربهم - الآية وغيره أنهم أعرضوا عن هذا الذكر تعللا بأشياء منها طلب آيات الأولين، ونبه على إفراطهم في الجهل بما ردوا من الشرف بقوله لقد أنـزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم ومر إلى أن ختم بالتهديد بعذابه، وأنه يحكم بالقسط، وكان كتاب موسى عليه السلام بعد القرآن أعظم الكتب السماوية، وكان أهل الكتاب قد أعرضوا عنه غير مرة على زمن موسى عليه السلام بعبادة العجل وغيره وبعد موته مع كون المرسل به اثنين تعاضدا على إبلاغه وتقرير أحكامه بعد أن بهرا العقول بما أتيا به من الآيات التي منها - كما بين في [سورة البقرة والأعراف] - التصرف في العناصر الأربعة التي هي أصل الحيوان الذي بدأ الله منها خلقه. ومقصود السورة الدلالة على إعادته، ومنها ما عذب به من أعرض عن ذكر موسى وهارون عليهما السلام الذي هو ميزان العدل لما نشر من الضياء المورث للتبصرة الماحقة للظلام، فلا يقع متبعه في [ ص: 431 ] ظلم، وكان الحساب تفصيل الأمور ومقابلة كل منها بما يليق به، وذلك بعينه هو الفرقان، قال سبحانه بعد آية الحساب عاطفا على لقد أنـزلنا ولقد آتينا أي بما لنا من العظمة موسى وهارون أي أخاه الذي سأل أن يشد أزره به الفرقان الذي تعاضدا على إبلاغه والإلزام بما دعا إليه حال كونه مبينا لسعادة الدارين، لا يدع لبسا في أمر من الأمور وضياء لا ظلام معه، فلا ظلم للمستبصر به، لأن من شأن من كان في الضياء أن لا يضع شيئا إلا في موضعه وذكرا أي وعظا وشرفا.
ولما كان من لا ينتفع بالشيء لا يكون له منه شيء، قال: للمتقين أي الذين صار [هذا -] الوصف لهم شعارا حاملا [لهم -] على التذكير لما يدعو إليه الكتاب من التوحيد الذي هو أصل المراقبة;