ولما قام عذر موسى عليه السلام فيما استدفعه أول القصة من كيد فرعون بما ثبت له من العظمة والمكنة في كثرة الجند وعظيم الطاعة منهم له في سرعة الاجتماع الدالة على مكنتهم في أنفسهم ، وعظمته في قلوبهم ، رغبة ورهبة ، وظهر مجد الله في تحقيق ما وعد به سبحانه من الحراسة ، وزاد ما أقر به العيون ، وشرح به الصدور ، وكان ذلك أمرا يهز القوى سماعه ، ويروع الأسماع تصوره وذكره ، قال منبها على ذلك : إن في ذلك أي : موسى وفرعون وما فيها من العظات الأمر العظيم العالي الرتبة من قصة لآية أي : علامة عظيمة على ما قال الرسول موجبة للإيمان به من أن الصانع واحد فاعل بالاختيار، قادر على كل شيء ، وأنه رسوله حقا وما كان أكثرهم أي : الذين شاهدوها والذي وعظوا بسماعها مؤمنين أي : متصفين بالإيمان الثابت ، أما القبط فما آمن منهم إلا السحرة ومؤمن آل فرعون وامرأة فرعون [ ص: 46 ] والمرأة التي دلتهم على عظام يوسف عليه السلام -على ما يقال- وأما بنو إسرائيل فكان كثير منهم مزلزلا يتعنت كل قليل ، ويقول ويفعل ما هو كفر ، حتى تداركهم الله تعالى على يدي موسى عليه السلام ومن بعده ، وأول ما كان من ذلك سؤالهم إثر مجاوزة البحر أن يجعل لهم إلها كالأصنام التي مروا عليها ، وأما غيرهم ممن تأخر عنهم فحالهم معروف ، وأمرهم مشاهد مكشوف .