ولما عاب - سبحانه وتعالى - الكفار بالضلال؛ ثم بالإضلال؛ أمر المؤمنين بالهدى في أنفسهم؛ وأتبعه الأمر بهداية الغير بالاجتماع؛ وكان الأمر بالاجتماع المؤكد بالنهي عن التفرق ربما أفهم الوجوب؛ لتفرد الجميع في كل جزئية من جزئيات العبادة؛ في كل وقت؛ على سبيل الاجتماع؛ مع الإعراض عن كل عائق عن ذلك؛ سواء كان وسيلة؛ أو لا؛ بالنسبة إلى كل فرد فرد; أتبعه بقوله - منبها على الرضا بإيقاع ذلك في الجملة؛ سواء كان بالبعض؛ أو الكل؛ كما هو شأن فروض الكفايات -: ولتكن منكم أمة ؛ أي: جماعة تصلح لأن يقصدها غيرها؛ ويكون بعضها قاصدا بعضا؛ حتى تكون أشد شيء ائتلافا؛ واجتماعا في [ ص: 19 ] كل وقت من الأوقات؛ على البدل؛ يدعون ؛ مجددين لذلك في كل وقت؛ إلى الخير ؛ أي: بالجهاد؛ والتعليم؛ والوعظ؛ والتذكير.
ولما عم كل خير؛ خص؛ ليكون المخصوص مأمورا به مرتين؛ دلالة على جليل أمره؛ وعلي قدره؛ فقال: ويأمرون بالمعروف ؛ أي: من الدين؛ وينهون عن المنكر ؛ فيه؛ بحيث لا يخلو وقت من الأوقات عن قوم قائمين بذلك؛ وهو تنبيه لهم على أن يلازموا ما فعله الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ ومن معه من أصحابه - رضي الله (تعالى) عنهم - من أمرهم بالمعروف؛ ونهيهم عن المنكر؛ حين استفزهم الشيطان بمكر شأس بن قيس؛ في التذكير بالأحقاد؛ والأضغان؛ والأنكاد؛ وإعلام بأن الذكرى تنفع المؤمنين.
ولما كان هذا السياق مفهما لأن التقدير: "فإنهم ينالون بذلك خيرا كثيرا؛ ولهم نعيم مقيم"; عطف عليه - مرغبا -: وأولئك ؛ أي: العالو الرتبة؛ العظيمو النفع؛ هم المفلحون ؛ حق الإفلاح؛ فبين - سبحانه وتعالى - أن الاجتماع المأمور به إنما هو بالقلوب الجاعلة لهم كالجسد الواحد؛ ولا يضر فيه صرف بعض الأوقات إلى المعاش؛ وتنعيم البدن ببعض المباحات؛ وإن كان الأكمل صرف الكل بالنية إلى العبادة.