ولما تبين ما للقرآن من البيان الجامع بحسب نزوله جوابا لما يعرض لهم من الشبه، فدل بإزاحته كل علة على ما وصف سبحانه به نفسه المقدس من العزة والعلم بيانا لا خفاء في شيء منه، أنتج قوله ذما لمن يريد إبطاله وإخفاءه: ما يجادل أي يخاصم ويماري ويريد أن يفتل الأمور إلى مراده في آيات وأظهر موضع الإضمار تعظيما للآيات فقال: الله أي في إبطال أنوار الملك الأعظم المحيط بصفات الكمال الدالة كالشمس على أنه إليه المصير، بأن يغش نفسه بالشك في ذلك لشبه يميل معها، أو غيره بالتشكيك له، أو في شيء غير ذلك مما أخبر به تعالى إلا الذين كفروا أي غطوا مرائي عقولهم وأنوار بصائرهم لبسا على أنفسهم وتلبيسا على غيرهم.
ولما ثبت أن وأن الحشر لا بد منه، تسبب عن ذلك قوله: الله تعالى قادر كل قدرة [ ص: 8 ] لأنه لا شريك له وهو محيط بجميع أوصاف الكمال، فلا يغررك تقلبهم أي تنقلهم بالتجارات والفوائد والجيوش والعساكر وإقبال الدنيا عليهم في البلاد فإنه لا يكون التفعل بالقلب إلا عن قهر وغلبة، فتظن لإمهالنا إياهم أنهم على حق، أو أن أحدا يحميهم علينا، فلا بد من صيرورتهم عن قريب إلينا صاغرين داخرين، وتأخيرهم إنما هو ليبلغ الكتاب أجله.