ولما سألوهم، استأنفوا جوابهم إشارة إلى ما حصل من تشوف السامع إليه، معرفين لهم بسياقه بالسبب الجاعل لهم في محل الإطراح والسفول عن التأهل لأن يسمع لهم كلام، فقال تعالى مخبرا عنهم: قالوا أي: الخزنة. ولما كان التقدير: ألم تكن لكم عقول تهديكم إلى الاعتقاد الحق، عطف عليه قوله إلزامنا لهم الحجة وتوبيخا وتنديما بتفويت أوقات الدعاء المجاب: أو لم ولما كان المقام خطرا، والمرام وعرا عسرا، فكانوا محتاجين إلى الإيجاز، قالوا [مشيرين بذكر فعل الكون مع اقتضاء الحال للإيجاز إلى عراقة الرسل عليهم السلام في النصح المنجي من المخاوف بالمعجزات والرفق والتلطف وطول الأناة والحلم والصبر مع شرف النسب وطهارة الشيم وحسن الأخلاق وبداعة الهيئات والمناظر ولطافة العشرة وجلالة المناصب]: تك بإسقاط النون مع التصوير للحال بالمضارع تأتيكم على سبيل التجدد شيئا في إثر شيء رسلكم أي: الذين هم منكم فأنتم جديرون بالإصغاء إليهم والإقبال عليهم، لأن الجنس إلى الجنس أميل، والإنسان من مثله أقبل بالبينات أي: التي لا شيء أوضح منها قالوا أي: الكفار: بلى [أي]: أتونا كذلك، ثم استأنفوا جوابهم لما حصل من التشوف إليه بما حاصله [ ص: 86 ] عدم إجابتهم فسببوا عن إخبارهم بعدم إجابتهم للرسل عدم إجابة دعائهم فقال تعالى مخبرا عنهم: قالوا أي: الخزنة: فادعوا أي: أنتم الآن الله أو أهل الله من رسل البشر أو الملائكة أو غيرهم، أو لا تدعوا فإنه لا يسمع لكم.
ولما كان أمرهم بالدعاء موجبا لأن يظنوا نفعه، أتبعوه بما أيأسهم لأن ذلك أنكأ وأوجع وأشد عليهم وأفظع بقولهم: وما دعاؤكم - هكذا كان الأصل، ولكنه أتى بالوصف تعليقا للحكم به فقال: دعاء الكافرين أي: الساترين لمرائي عقولهم عن أنوار العقل المؤيد بصحيح النقل إلا في ضلال أي: ذهاب في غير طريق موصل كما كانوا هم في الدنيا كذلك فإن الدنيا مزرعة الآخرة، من زرع شيئا في الدنيا حصده في الآخرة، والآخرة ثمرة الدنيا لا تثمر إلا من جنس ما غرس في الدنيا.