ولما كان إصرارهم بين العزم على مجاهرة القدير بالمعاداة وبين معاملته وهو عليم بالمساترة والمماكرة في المعاداة والمباكرة والمسالمة والمناكرة قال تعالى: أم يحسبون أنا على ما لنا من العظمة المقتضية بجميع صفات الكمال لا نسمع ولما كان المراد إثبات أن نسبة كل منهما إليه على السواء، ذكرهما [ ص: 486 ] وقدم من شأنه أن يخفي وهو المكر المشار إليه بالإبرام، لأن السياق له فقال تعالى: علمه تعالى محيط بالخفي والجلي، سرهم أي كلامهم الخفي ولو كان في الضمائر فيما يعصينا، ولما كان ربما وقع في الأوهام أن المراد بالسمع إنما هو العلم لأن السر ما يخفى وهو يعم ما في الضمائر وهي مما يعلم، حقق أن المراد به حقيقته بقوله: ونجواهم أي كلامهم المرتفع حتى كأنه على نجوة أي مكان عال، فعلم أن المراد حقيقة السمع، وأنه تعالى يسمع كل ما يمكن أن يسمع ولو لم يكن في قدرتنا نحن سماعه، فنكون فيه كالأصم بالنسبة إلى ما نسمعه نحن من الجهر ولا يسمعه هو لفقد قوة السمع فيه، لا لأنه مما من حقه ألا يسمع.
ولما كان إنكار عدم السماع معناه السماع، صرح به فقال: بلى أي نسمع الصنفين كليهما على حد سواء ورسلنا وهم الحفظة من الملائكة على ما لهم من العظمة بنسبتهم إلينا. ولما كان نوع إحساس أمرا هو في غاية الغرابة، قال معبرا بلدى التي يعبر بها عبر اشتداد الغرابة: حضور الملائكة معنا وكتابتهم لجميع أعمالنا على وجه لا نحس به لديهم يكتبون أي يجددون الكتابة كلما تجدد [ ص: 487 ] ما يقتضيها لأن الكتابة أوقع في التهديد، لأن من علم أن أعماله محصاة مكتوبة تجنب ما يخاف عاقبته.