ولما أعلموا بالعداوة اللازمة ؛ كان كأنه قيل : فما وجه الخلاص منها ؟ فقيل : اتباع شرعنا المشروع للتوبة والرحمة فإنا قلنا كما تقدم اهبطوا ولما كان الهبوط الماضي يحتمل أن يكون من مكان من [ ص: 296 ] الجنة إلى أدنى منه ولم يخرجوا منها فكرره هنا للتأكيد تصويرا لشؤم المعصية وتبشيعا لها قال : منها أي الجنة جميعا أي لا يتخلف منكم أحد سواء كان ذلك في آن واحد أو على التعاقب ، وعهدنا إليهم عند الهبوط إلى دار التكليف أنا نأتيهم بالهدى ليؤديهم إلى الجنة مرة أخرى واعدين من اتبع متوعدين من امتنع ، فقلنا : فإما يأتينكم [ ص: 297 ] وقال : مورد هذه الآية بغير عطف إشعار بأن ظاهرها افتتاح لم يتقدمه إيجاء بباطن كما تقدم في السابقة ، وتكرر الإهباطان من حيث إن الأول إهباط لمعنى القرار في الدنيا والاغتذاء فيها وذرء الذرية وأعمال أمر العداوة التي استحكمت بين الخلقين من الحرالي آدم وإبليس ، وهذا الإهباط الثاني إهباط عن مكانة الرتبة الآمرية الدينية التي كانت خفية في أمر آدم ظاهرة في أمر إبليس ، وفي قوله : جميعا إشعار بكثرة ذرء الخلقين وكثرة الأحداث في أمر الديانة من النقلين . انتهى .
[ ص: 298 ] وخص في إبراز الضمير بمحض الإفراد من غير إيراد بمظهر العظمة إبعادا عن الوهم فقال : مني هدى أي بالكتب والرسل ، ولما كان الهدى الذي هو البيان لا يستلزم الاهتداء قال : فمن تبع أي أدنى اتباع يعتد به ، ولذلك اكتفى في جزائه بنفي الخوف الذي قد يكون عن توبة من ضلال بخلاف ما في " طه " كما يأتي إن شاء الله تعالى . والتبع السعي إثر علم الهدى - قاله . " هداي " أي المنقول [ ص: 299 ] أو المعقول ، فالثاني أعم من الأول . لأنه أعم من أن يكون منقولا عن الرسل أو معقولا بالقياس على المنقول عنهم ، أو بمحض العقل كما وقع الحرالي لورقة بن نوفل وزيد بن عمرو بن نفيل وأضرابهما المشار إليهم بالقليل في قوله تعالى : ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا قال العارف في كتابه " رشف النصائح الإيمانية " : فالعقل حجة الله الباطنة ، والقرآن حجة الله الظاهرة . قال شهاب الدين عمر بن محمد السهروردي : وجاء " هداي " شائعا ليعم رفع الخوف والحزن من تمسك بحق ما من الحق الجامع ، وأدناه من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فيما بينه وبين الحق وفيما بينه وبين الخلق . انتهى . الحرالي
ولما كان الخوف أشد لأنه يزداد بمر الزمان ، والحزن يخف ، قدمه فقال : فلا خوف عليهم أي من شيء آت فإن الخوف اضطراب النفس من توقع فعل ضار - قاله . الحرالي ولا هم يحزنون أي على شيء فات ، لأنهم ينجون من النار ويدخلون الجنة . والحزن كما قال : توجع القلب لأجل نازح قد كان في الوصلة به روح ، والقرب [ ص: 300 ] منه راحة ، وجاء في الحزن بلفظ " هم " لاستبطانه ، وبالفعل لأنه باد من باطن تفكرهم في فائتهم ، وجاء نفي الخوف منعزلا عن فعلهم لأنه من خوف باد عليهم من غيرهم . انتهى . الحرالي