ولما كان للمؤمنين من أهل الكتابين - مع التشرف بما كانوا عليه من الدين؛ الذي أصله حق - حظ من الهجرة؛ فكانوا قسما ثانيا من
المهاجرين؛ وكان إنزال كثير من هذه السورة في مقاولة أهل الكتاب؛ ومجادلتهم؛ والتحذير من مخاتلتهم؛ ومخادعتهم.
والإخبار بأنهم
[ ص: 166 ] يبغضون المؤمنين - مع محبتهم لهم؛ وأنهم لا يؤمنون بكتابهم؛ وأنهم سيسمعون منهم أذى كثيرا؛ إلى أن وقع الختم في أوصافهم؛ بأنهم اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا - ربما أيأس من إيمانهم; أتبع ذلك مدح مؤمنيهم؛ وغير الأسلوب عن أن يقال - مثلا -: "والذين آمنوا من أهل الكتاب" - إطماعا في موالاتهم بعد التدريب بالتحذير منهم؛ على مناوأتهم وملاوأتهم؛ فقال:
nindex.php?page=treesubj&link=19775_29680_31048_32416_32429_34141_34513_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=199وإن من أهل الكتاب ؛ أي: اليهود؛ والنصارى؛
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=199لمن يؤمن بالله ؛ أي: الذي حاز صفات الكمال؛ وأشار إلى الشرط المصحح لهذا الإيمان؛ بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=199وما أنـزل إليكم ؛ أي: من هذا القرآن؛
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=199وما أنـزل إليهم ؛ أي: كله؛ فيذعن لما يأمر منه باتباع هذا النبي العربي؛ وإليه الإشارة بقوله - جامعا للنظر إلى معنى "من" تعظيما لوصف الخشوع؛ بالنسبة إلى مطلق الإيمان -:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=199خاشعين لله ؛ أي: لأنه الملك الذي لا كفؤ له؛ غير مستنكفين عن نزل المألوف؛
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=199لا يشترون بآيات الله ؛ أي: التي متى تأملوها علموا أنه لا يقدر عليها إلا من أحاط بالجلال؛ والجمال؛ الآمرة لهم بذلك؛
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=199ثمنا قليلا ؛ بما هم عليه من الرئاسة؛ ونفوذ الكلمة - كما تقدم قريبا في وصف معظمهم؛ فهم يبينونها؛ ويرشدون إليها؛ ولا يحرفونها.
[ ص: 167 ] ولما أخبر (تعالى) عن حسن ترحمهم إليه؛ أخبر عن جزائهم عنده؛ بما يسر النفوس؛ ويبعث الهمم؛ فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=199أولئك ؛ أي: العظيمو الرتبة؛
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=199لهم أجرهم ؛ أي: الذي يؤملونه؛ ثم زادهم فيه؛ رغبة تشريفه؛ بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=199عند ربهم ؛ أي: الذي رباهم؛ ولم يقطع إحسانه لحظة عنهم؛ كل ذلك تعظيما له؛ من حيث إن لهم الأجر مرتين.
ولما اقتضت هذه التأكيدات المبشرات إنجاز الأجر؛ وإتمامه؛ وإحسانه؛ وكان قد تقدم أنه (تعالى) يؤتي كل أحد؛ من ذكر وأنثى؛ أجره؛ ولا يضيع شيئا؛ ويجازي المسيء؛ والمحسن؛ وكانت العادة قاضية بأن كثرة الخلق سبب لطول زمن الحساب؛ وذلك سبب لطول الانتظار؛ وذلك سبب لتعطيل الإنسان عن مهماته؛ ولضيق صدره بتفرق عزمه؛ وشتاته؛ كان ذلك محل عجب يورث توهم ما لا ينبغي؛ فأزال هذا التوهم بأن أمره (تعالى) على غير ذلك؛ لأنه لا يشغله شأن عن شأن؛ بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=199إن الله ؛ أي: بما له من الجلال؛ والعظمة؛ والكمال؛
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=199سريع الحساب ؛
وَلَمَّا كَانَ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ - مَعَ التَّشَرُّفِ بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الدِّينِ؛ الَّذِي أَصْلُهُ حَقٌّ - حَظٌّ مِنَ الْهِجْرَةِ؛ فَكَانُوا قِسْمًا ثَانِيًا مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ؛ وَكَانَ إِنْزَالُ كَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ فِي مُقَاوَلَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ وَمُجَادَلَتِهِمْ؛ وَالتَّحْذِيرِ مِنْ مُخَاتَلَتِهِمْ؛ وَمُخَادَعَتِهِمْ.
وَالْإِخْبَارُ بِأَنَّهُمْ
[ ص: 166 ] يُبْغِضُونَ الْمُؤْمِنِينَ - مَعَ مَحَبَّتِهِمْ لَهُمْ؛ وَأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِكِتَابِهِمْ؛ وَأَنَّهُمْ سَيَسْمَعُونَ مِنْهُمْ أَذًى كَثِيرًا؛ إِلَى أَنْ وَقَعَ الْخَتْمُ فِي أَوْصَافِهِمْ؛ بِأَنَّهُمُ اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا - رُبَّمَا أَيْأَسَ مِنْ إِيمَانِهِمْ; أَتْبَعَ ذَلِكَ مَدْحَ مُؤْمِنِيهِمْ؛ وَغَيَّرَ الْأُسْلُوبَ عَنْ أَنْ يُقَالَ - مَثَلًا -: "وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ" - إِطْمَاعًا فِي مُوَالَاتِهِمْ بَعْدَ التَّدْرِيبِ بِالتَّحْذِيرِ مِنْهُمْ؛ عَلَى مُنَاوَأَتِهِمْ وَمُلَاوَأَتِهِمْ؛ فَقَالَ:
nindex.php?page=treesubj&link=19775_29680_31048_32416_32429_34141_34513_28974nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=199وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ؛ أَيْ: الْيَهُودِ؛ وَالنَّصَارَى؛
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=199لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ ؛ أَيْ: الَّذِي حَازَ صِفَاتِ الْكَمَالِ؛ وَأَشَارَ إِلَى الشَّرْطِ الْمُصَحِّحِ لِهَذَا الْإِيمَانِ؛ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=199وَمَا أُنْـزِلَ إِلَيْكُمْ ؛ أَيْ: مِنْ هَذَا الْقُرْآنِ؛
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=199وَمَا أُنْـزِلَ إِلَيْهِمْ ؛ أَيْ: كُلِّهِ؛ فَيُذْعِنُ لِمَا يَأْمُرُ مِنْهُ بِاتِّبَاعِ هَذَا النَّبِيِّ الْعَرَبِيِّ؛ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ - جَامِعًا لِلنَّظَرِ إِلَى مَعْنَى "مَنْ" تَعْظِيمًا لِوَصْفِ الْخُشُوعِ؛ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مُطْلَقِ الْإِيمَانِ -:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=199خَاشِعِينَ لِلَّهِ ؛ أَيْ: لِأَنَّهُ الْمَلِكُ الَّذِي لَا كُفُؤَ لَهُ؛ غَيْرَ مُسْتَنْكِفِينَ عَنْ نَزْلِ الْمَأْلُوفِ؛
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=199لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ؛ أَيْ: الَّتِي مَتَى تَأَمَّلُوهَا عَلِمُوا أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا إِلَّا مَنْ أَحَاطَ بِالْجَلَالِ؛ وَالْجَمَالِ؛ الْآمِرَةِ لَهُمْ بِذَلِكَ؛
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=199ثَمَنًا قَلِيلا ؛ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الرِّئَاسَةِ؛ وَنُفُوذِ الْكَلِمَةِ - كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي وَصْفِ مُعْظَمِهِمْ؛ فَهُمْ يُبَيِّنُونَهَا؛ وَيُرْشِدُونَ إِلَيْهَا؛ وَلَا يُحَرِّفُونَهَا.
[ ص: 167 ] وَلَمَّا أَخْبَرَ (تَعَالَى) عَنْ حُسْنِ تَرَحُّمِهِمْ إِلَيْهِ؛ أَخْبَرَ عَنْ جَزَائِهِمْ عِنْدَهُ؛ بِمَا يَسُرُّ النُّفُوسَ؛ وَيَبْعَثُ الْهِمَمَ؛ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=199أُولَئِكَ ؛ أَيْ: الْعَظِيمُو الرُّتْبَةِ؛
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=199لَهُمْ أَجْرُهُمْ ؛ أَيْ: الَّذِي يُؤَمِّلُونَهُ؛ ثُمَّ زَادَهُمْ فِيهِ؛ رَغْبَةَ تَشْرِيفِهِ؛ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=199عِنْدَ رَبِّهِمْ ؛ أَيْ: الَّذِي رَبَّاهُمْ؛ وَلَمْ يَقْطَعْ إِحْسَانَهُ لَحْظَةً عَنْهُمْ؛ كُلُّ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لَهُ؛ مِنْ حَيْثُ إِنَّ لَهُمُ الْأَجْرَ مَرَّتَيْنِ.
وَلَمَّا اقْتَضَتْ هَذِهِ التَّأْكِيدَاتُ الْمُبَشِّرَاتُ إِنْجَازَ الْأَجْرِ؛ وَإِتْمَامَهُ؛ وَإِحْسَانَهُ؛ وَكَانَ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ (تَعَالَى) يُؤْتِي كُلَّ أَحَدٍ؛ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى؛ أَجْرَهُ؛ وَلَا يُضِيعُ شَيْئًا؛ وَيُجَازِي الْمُسِيءَ؛ وَالْمُحْسِنَ؛ وَكَانَتِ الْعَادَةُ قَاضِيَةً بِأَنَّ كَثْرَةَ الْخَلْقِ سَبَبٌ لِطُولِ زَمَنِ الْحِسَابِ؛ وَذَلِكَ سَبَبٌ لِطُولِ الِانْتِظَارِ؛ وَذَلِكَ سَبَبٌ لِتَعْطِيلِ الْإِنْسَانِ عَنْ مُهِمَّاتِهِ؛ وَلِضِيقِ صَدْرِهِ بِتَفَرُّقِ عَزْمِهِ؛ وَشَتَاتِهِ؛ كَانَ ذَلِكَ مَحَلَّ عَجَبٍ يُورِثُ تَوَهُّمَ مَا لَا يَنْبَغِي؛ فَأَزَالَ هَذَا التَّوَهُّمُ بِأَنْ أَمْرَهُ (تَعَالَى) عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْغَلُهُ شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ؛ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=199إِنَّ اللَّهَ ؛ أَيْ: بِمَا لَهُ مِنَ الْجَلَالِ؛ وَالْعَظَمَةِ؛ وَالْكَمَالِ؛
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=199سَرِيعُ الْحِسَابِ ؛