ولما كان (تعالى) قد أجرى سنة الإلهية في أنه لا بد في التناسل من توسط النكاح؛ إلا ما كان من آدم؛ وحواء؛ وعيسى - عليهم الصلاة والسلام -؛ وكانوا قد أمروا بالعدل في أموال اليتامى؛ وكانوا يلون أمور يتاماهم؛ وكانوا ربما نكحوا من في حجورهم منهن؛ فكان ربما أوقفهم هذا التحذير من أموالهم عن النكاح؛ خوفا من التقصير في [ ص: 179 ] حق من حقوقهن؛ أتبعه (تعالى) - عطفا على ما تقديره: "فإن وثقتم من أنفسكم بالعدل؛ فخالطوهم بالنكاح؛ وغيره" -: وإن خفتم ؛ فعبر بأداة الشك؛ حثا على الورع؛ ألا تقسطوا ؛ أي: تعدلوا؛ في اليتامى ؛ ووثقتم من أنفسكم بالعدل في غيرهن؛ فانكحوا ؛ ولما كانت النساء ناقصات؛ عقلا؛ ودينا؛ عبر عنهن بأداة ما لا يعقل؛ إشارة إلى الرفق بهن؛ والتجاوز عنهن؛ فقال: ما ؛ ولما أفاد "انكحوا"؛ الإذن المتضمن للحل؛ حمل الطيب على اللذيذ؛ المنفك عن النهي السابق؛ ليكون الكلام عاما مخصوصا بما يأتي من آية المحرمات من النساء ولا يحمل الطيب على الحل؛ لئلا يؤدي - مع كونه تكرارا - إلى أن يكون الكلام مجملا - لأن الحل لم يتقدم علمه؛ والحمل على العام المخصوص أولى؛ لأنه حجة في غير محل التخصيص؛ والمجمل ليس بحجة أصلا - أفاده الإمام الرازي; فقال (تعالى): طاب ؛ أي: زال عنه حرج النهي السابق؛ ولذ؛ وأتبعه قيدا لا بد منه؛ بقوله: لكم ؛ وصرح بما علم التزاما؛ فقال: من النساء ؛ أي: من غيرهن؛ مثنى وثلاث ورباع ؛ أي: حال كون هذا المأذون في نكاحه موزعا هكذا: ثنتين ثنتين؛ وثلاثا ثلاثا؛ وأربعا أربعا؛ لكل واحد؛ وهذا الحكم عرف من العطف بالواو؛ ولو كان بـ "أو"؛ لما أفاد التزوج إلا على أحد هذه الوجوه الثلاثة؛ [ ص: 180 ] ولم يفد التخيير المفيد للجمع بينها؛ على سبيل التوزيع؛ وهذا دليل واضح على أن النساء أضعاف الرجال؛ وروى في التفسير عن البخاري أنه سأل عروة بن الزبير - رضي الله عنها - عن قوله (تعالى): عائشة وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى ؛ فقالت: "يا ابن أختي؛ هذه اليتيمة تكون في حجر وليها؛ تشركه في ماله؛ ويعجبه مالها؛ وجمالها؛ فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها؛ فيعطيها مثل ما يعطيها غيره؛ فنهوا عن ذلك أن ينكحوهن؛ إلا أن يقسطوا لهن؛ ويبلغوا لهن أعلى سنتهن في الصداق؛ فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن"؛ قال عروة: "وإن الناس استفتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد هذه الآية؛ فأنزل الله - عز وجل - عائشة: ويستفتونك في النساء "؛ قالت قالت "وقول الله - عز وجل - في آية أخرى: عائشة: وترغبون أن تنكحوهن ؛ رغبة أحدكم عن يتيمته حين تكون قليلة المال؛ والجمال"؛ قالت: "فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في ماله وجماله في يتامى النساء إلا بالقسط؛ من أجل رغبتهم عنهم إذا كن قليلات المال؛ والجمال"؛ وفي رواية: [ ص: 181 ] "في النكاح"؛ فكما يتركونها حين يرغبون عنها؛ فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها؛ إلا أن يقسطوا لها؛ ويعطوها حقها الأوفى في الصداق; وهذا الخطاب للأحرار؛ دون العبيد؛ لأن العبد لا يستقل بنكاح ما طاب له؛ بل لا بد من إذن السيد.
ولما كان النساء كاليتامى في الضعف؛ قال - مسببا عن الإذن في النكاح -: فإن خفتم ألا تعدلوا ؛ أي: في الجمع؛ فواحدة ؛ أي: فانكحوها؛ لأن الاقتصار عليها أقرب إلى العدل؛ لأنه ليس معها من يقسم له؛ فيجب العدل بينها وبينه؛ ولما كان المؤدي إلى العدل دائرا على اطراح النفس؛ وكان الإماء - لكسرهن بالغربة؛ وعدم الأهل - أقرب إلى حسن العشرة؛ سوى بين العدد منهن؛ إلى غير نهاية؛ وبين الواحدة من الحرائر؛ فقيل: حسن العشرة أو ما ؛ أي: انكحوا ما؛ ملكت أيمانكم ؛ فإنه لا قسم بينهن؛ وذكر ملك اليمين يدل أيضا على أن الخطاب من أوله خاص بالأحرار؛ ذلك ؛ أي: نكاح غير اليتامى؛ والتقلل من الحرائر؛ والاقتصار على الإماء؛ أدنى ؛ أي: أقرب إلى ألا تعولوا ؛ أي: تميلوا بالجور عن منهاج القسط؛ وهو الوزن المستقيم؛ أو تكثر عيالكم؛ أما عند الواحدة فواضح؛ وأما [ ص: 182 ] عند الإماء فبالعزل؛ وعدم احتياج الرجل معهن لخادم له؛ أو لهن؛ والبيع لمن أراد منهن؛ وأمرهن بالاكتساب؛ أو تحتاجوا فتظلموا بعض النساء؛ أو تأكلوا أموال اليتامى; وكل معنى من هذه راجع إلى لازم لمعنى المادة؛ الذي مدارها عليه؛ لأن مادة "علا" - واوية بجميع تقاليبها الست؛ "علو"؛ "عول"؛ "لوع"؛ "لعو"؛ "وعل"؛ "ولع"; ويائية؛ بتركيبيها؛ "ليع"؛ "عيل" - تدور على الارتفاع؛ ويلزمه الزيادة والميل؛ فمن الارتفاع: "العلو"؛ و"الوعل"؛ و"الولع"؛ ومن الميل والزيادة: "العول"؛ وبقية المادة - يائية؛ وواوية - إما للإزالة؛ وإما لأحد هذه المعاني - على ما يأتي بيانه; فـ "علا؛ يعلو": ارتفع؛ و"العالية": الفتاة القويمة - لأنها تكون أرفع مما ساواها وهو معوج -؛ و"العالية": من محال الحجاز - لإشرافها على ما حولها -؛ وكذا "العوالي"؛ لقرى بظاهر المدينة الشريفة - لأنها في المكان العالي؛ الذي يجري ماؤه إلى غيره -؛ و"المعلاة": كسب الشرف؛ ومقبرة مكة بالحجون - لأنها في أعلى مكة؛ وماؤها يصوب إلى ما دونه -؛ و"فلان من علية الناس"؛ أي: أشرافهم؛ و"العلية"؛ بالتشديد: الغرفة؛ وعلى [ ص: 183 ] حرف الاستعلاء؛ و"تعلت المرأة من نفاسها"؛ أي: طهرت؛ وشفيت - لأنها كانت في سفول من الحال -؛ و"العلاوة": رأس الجبل؛ وعنقه؛ وما يحمل على البعير بين العدلين؛ ومن كل شيء: ما زاد عليه؛ و"المعلى": القدح السابع من الميسر - لأنه الغاية في القداح الفائزة؛ لأن القداح عشرة؛ السبعة الأولى منها فائزة؛ والثلاثة الأخيرة مهملة؛ لا أنصباء لها -؛ و"علوان الكتاب": عنوانه؛ وارتفاعه على بقية الكتاب واضح؛ و"العليان": الطويل؛ والضخم؛ والناقة المشرفة؛ ومن الأصوات: الجهيرة؛ و"العلاة": السندان؛ و"العلياء": رأس كل جبل مشرف؛ والسماء؛ والمكان العالي؛ وكل ما علا من شيء؛ و"عليك زيدا": الزمه - لأنه يلزم من ملازمته له العلو على أمره -؛ و"علا النهار": ارتفع؛ و"علا الدابة": ركبها؛ و"أعلى عنها": نزل - كأنه من الإزالة -؛ وكذا "على المتاع عن الدابة؛ تعلية": أنزله؛ و"أعليت عن الوسادة"؛ و"عاليت": ارتفعت؛ وتنحيت؛ و"رجل عالي الكعب": شريف؛ و"على الكتاب؛ تعلية": عنونه؛ كـ "علونه"؛ و"عالوا نعيه": أظهروه؛ و"العلي": الشديد القوي؛ و"عليون": في السماء [ ص: 184 ] السابعة؛ و"أخذه علوا": عنوة؛ و"التعالي": الارتفاع؛ إذا أمرت منه قلت: "تعال"؛ بفتح اللام؛ ولها: "تعالي"؛ بفتح اللام؛ ولو كنت في موضع أسفل من موضع المأمور؛ لأنه يحتاج إلى تطاول؛ مهما كان بينك وبينه مسافة؛ ولأن الآمر أعلى من المأمور رتبة فموضعه كذلك؛ و"تعلى": علا في مهلة؛ و"المعتلي": الأسد; و"اللعو": السيئ الخلق؛ والفسل؛ والشره الحريص؛ و"اللاعي": الذي يفزعه أدنى شيء - إما لأنه وصل إلى الغاية في السفول؛ فتسنم أعلاها؛ حتى رضي لنفسه هذه الأخلاق؛ وإما لأنه من باب الإزالة؛ أو التسمية بالضد -؛ و"ذئبة لعوة"؛ و"امرأة لعوة"؛ أي: حريصة؛ و"اللعوة": السواد بين حلمتي الثدي - إما لأن ذلك أعلاه؛ وإما لعلو لون السواد على لون الثدي -؛ و"الألعاء": السلاميات؛ والسلامى؛ عظم يكون في فرسن البعير؛ [ ص: 185 ] وعظام صغار في اليد؛ والرجل؛ وذلك لأن العظام أعلى ما في الجسد في القوة؛ والشدة؛ والصلابة؛ وهي أعظم قوامه; و"اللاعية": شجيرة في سفح الجبل؛ لها نور أصفر؛ ولها لبن؛ وإذا ألقي منه شيء في غدير السمك أطفاها؛ أي: جعلها طافية؛ أي: عالية على وجه الماء؛ سميت بذلك؛ إما من باب الإزالة؛ نظرا إلى محل بيتها؛ وإما لأن ريحها يعلو كل ما خالطه؛ ويكسبه طعمها؛ وإما لفعلها هذا في السمك؛ و"تلعى العسل": تعقد وزنا؛ ومعنى؛ إما من اللاعية؛ لأنها كثيرة العقد؛ وإما من لازم العلو؛ القوة والشدة؛ و"لعا لك" - يقال عند العثرة -؛ أي: أنعشك الله; و"العول": ارتفاع الحساب في الفرائض؛ و"العول": الميل؛ وقد تقدم أنه لازم للعلو؛ و"العول": كل أمر غلبك؛ كأنه علا عنك؛ فلم تقدر على نيله؛ والمستعان به - لأنه لا يتوصل به إلى المقصود إلا وفيه علو -؛ وقوت العيال - لأنه سبب علوهم -؛ و"عول عليه؛ معولا": اتكل؛ [ ص: 186 ] واعتمد؛ والاسم كـ "عنب"؛ و"عيل"؛ كـ "كيس"؛ و"عال": جار؛ والميزان: نقص؛ أو زاد؛ فالزيادة من الارتفاع؛ والنقص من لازم الميل؛ و"عالت الفريضة": ارتفعت؛ أي: زادت سهامها؛ فدخل النقصان على أهل الفرائض؛ قال أبو عبيد: أظنه مأخوذا من الميل؛ و"عال أمرهم": اشتد؛ وتفاقم؛ و"عال فلان عولا؛ وعيالا": كثر عياله؛ كـ "أعول"؛ و"أعيل"؛ و"رجل معيل؛ ومعيل": ذو عيال؛ و"أعال الرجل؛ وأعول"؛ إذا حرص؛ إما مما تقدم تخريجه؛ وإما لأنه لازم لذي العيال؛ و"عال عليه": حمل؛ أي: رفع عليه الحمول؛ كـ "عول"؛ وفلان: حرص؛ والفرس: صوتت؛ و"أعولت المرأة": رفعت صوتها بالبكاء؛ و"عيل عوله": ثكلته أمه - لما يقع من صياحها -؛ و"عيل ما هو عائله": غلب ما هو غالبه؛ يضرب لمن يعجب من كلامه؛ ونحوه؛ لأنه لا يكون كذلك إلا وقد خرج عن أمثاله علوا؛ وقد يكون بسفول؛ فيكون من التسمية بالضد؛ و"العالة": النعامة؛ لأنها أطول الطير؛ و"ما له عال ولا مال": شيء - لأن ذلك غاية في السفول إن كان عجزا -؛ وفي العلو إن كان زهدا؛ ويقال للعاثر: "عالك عاليا"؛ كقولهم: "لعا لك"؛ و"المعول": حديدة تنقر بها الجبال؛ من القوة اللازمة للعلو؛ و"العالة"؛ شبه الظلة؛ يستر بها [ ص: 187 ] من المطر; و"اللوعة": حرقة توجد من الحزن؛ أو الحب؛ أو المرض؛ أو الهم - لأنها تعلو الإنسان -؛ و"لاعه الحب": أمرضه؛ و"أتان لاعة الفؤاد إلى جحشها": كأنها ولهى فزعا؛ و"لاع؛ يلاع": جزع؛ أو مرض؛ و"رجل هاع لاع": جبان؛ جزوع؛ أو حريص؛ أو سيئ الخلق - لما علاه من هذه الأخلاق المنافية للعقل؛ وغلبه منها -؛ و"لاعته الشمس": غيرت لونه؛ و"اللاعة"؛ أيضا: الحديدة الفؤاد الشهمة - لأنه يعلو غبرة -؛ و"امرأة لاعة": التي تغازلك؛ ولا تمكنك - لما لها في ذلك من الغلبة؛ والعلو على القلوب -; و"الوعل": تيس الجبل؛ والشريف؛ والملجأ؛ و"الوعلة": الموضع المنيع من الجبل؛ أو صخرة مشرفة منه؛ و"هم علينا وعل واحد": مجتمعون؛ و"ما لك عن ذلك وعل"؛ أي: بد - فإنه لولا علوه عليك ما اضطررت إليه -؛ و"الوعل": اسم شوال - كأنه لما له من العلو بالعيد؛ والحج -؛ و"الوعل"؛ كـ "كتف": اسم شعبان - لما له من العلو؛ بتوسطه بين رجب؛ وشوال -؛ و"الوعلة"؛ أيضا: عروة القميص؛ [ ص: 188 ] والزير؛ زره؛ والقدح؛ والإبريق الذي يعلق بها فيعلو؛ و"وعال"؛ كـ "غراب": حصن باليمن؛ و"المستوعل"؛ بفتح العين: حرز الوعل؛ و"وعل"؛ كـ "وعد": أشرف؛ و"توعلت الجبل": علوته; و"أولع فلان بكذا"؛ أو "ولع"؛ بالكسر: استخف؛ أي: صار عاليا عليه؛ غالبا له؛ لإطاقته حمله؛ و"ولع بحقه": ذهب؛ و"ولع"؛ بالفتح؛ إذا كذب - إما للإزالة؛ وإما لأنه استخفه الكذب فحمله -؛ و"ولع والع"؛ مبالغة؛ أي: كذب عظيم؛ و"المولع": الذي فيه لمع من ألوان - كأنه علا على تلك الألوان؛ أو غلب تلك الألوان أصل لونه -؛ وعبارة القاموس: و"التوليع": استطالة البلق؛ يقال: "برذون وثور مولع"؛ كـ "معظم"؛ و"الوليع": الطلع؛ ما دام في قيقائه؛ أي: وعائه؛ وهو قشرة الطلع؛ لعلوه؛ و"ما أدري ما ولعه"؛ بالفتح؛ أي: حبسه؛ إما للإزالة؛ لأنه لما منعه كان كأنه أزال علوه؛ وإما لأنه علا عليه؛ وأولعه به؛ أي: أغراه؛ أي: حمله عليه; و"العيلة": الحاجة؛ و"عال يعيل"؛ إذا افتقر؛ وذلك إما من الإزالة؛ أو لأن الحاجة علته؛ أو لأنها ميل؛ و"عالني الشيء": أعجزني؛ و"عيل صبري": قل وضعف؛ أي: علاه من الأمر ما أضعفه؛ و"علت الضالة": لم أدر أين أبغيها؛ و"المعيل": [ ص: 189 ] الأسد؛ والنمر؛ والذئب؛ لأنه يعيل صيدا؛ أي: يلتمس؛ فهو يرجع إلى العلو؛ والقدرة على الطلب؛ و"عالني الشيء": أعوزني؛ إما أزال علوي؛ أو علا عني؛ و"عال في مشيه": تمايل؛ واختال؛ وتبختر؛ لأنه لا يفعله إلا عال في نفسه؛ مع أنه كله من الميل؛ و"عال في الأرض": ذهب؛ أي: علا عليها مشيا؛ والذكر من الضباع "عيلان"؛ و"العيل"؛ محركة: عرضك حديثك وكلامك على من لا يريده؛ وليس من شأنه؛ كأنه لم يهتد لمن يريده؛ فعرضه على من لا يريده؛ فهو يرجع إلى الحاجة المزيلة للعلو; و"ليعة الجوع"؛ بالفتح: حرقته؛ كما تقدم في اللوعة؛ و"لعت"؛ بالكسر: ضجرت؛ كأنه من الإزالة؛ أو أن العلو للأمر المتضجر منه؛ و"الملياع"؛ بالكسر: السريعة العطش؛ لأنها تعلو الإبل حينئذ سبقا إلى الماء؛ لأن العطش علاها؛ و"الملياع": التي تقدم الإبل سابقة؛ ثم ترجع إليها؛ و"ريح لياع"؛ بالكسر: شديدة؛ وقد وضح بذلك صحة ما فسر به إمامنا صريحا؛ ومطابقة؛ كما تقدم؛ وشهد له "العول في الحساب؛ والسهام"؛ وهو كثرتها؛ وظهر تحامل من [ ص: 190 ] رد ذلك؛ وقال: إنه لا يقال في كثرة العيال إلا: "عال؛ يعيل"؛ وكم من عائب قولا صحيحا! وكيف لا.. وهو من الأئمة المحتج بأقوالهم في اللغة؛ وقد وافقه غيره؛ وشهد لقوله الحديث الصحيح؟ قال الإمام الشافعي؛ يحيى بن أبي الخير العمراني الشافعي؛ في كتابه "البيان": ألا تعولوا ؛ قال : معناه: ألا تكثر عيالكم؛ ومن تمونونه؛ وقيل: إن أكثر السلف قالوا: المعنى ألا تجوروا؛ يقال: "عال؛ يعول"؛ إذا جار؛ و"أعال يعيل"؛ إذا كثر عياله; إلا زيد بن أسلم؛ فإنه قال: معناه ألا تكثر عيالكم؛ وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - يشهد لذلك؛ قال: الشافعي انتهى؛ وهذا الحديث أخرجه الشيخان؛ وغيرهما؛ عن "ابدأ بنفسك؛ ثم بمن تعول"؛ حكيم بن حزام؛ عن - رضي الله عنهما –بلفظ: أبي هريرة ما كان عن ظهر غنى؛ واليد العليا خير من اليد السفلى؛ وابدأ بمن تعول"؛ "أفضل الصدقة وفي الباب أيضا عن عمران بن حصين؛ وأبي رمثة البلوي؛ - رضي الله عنهم -؛ وأثر وأبي أمامة رواه زيد بن أسلم الدارقطني؛ من طريق والبيهقي؛ عنه؛ قال: "ذلك أدنى ألا يكثر من يعولونه"؛ أفاده شيخنا سعيد بن أبي هلال؛ ابن حجر؛ [ ص: 191 ] في تخريج أحاديث الرافعي؛ وقال الإمام: إن تفسير هو تفسير الجماعة؛ عبر عنه بالكناية؛ وهي ذكر الكثرة؛ وأراد الميل؛ لكون الكثرة لا تنفك عنه؛ وقال الشافعي ابن الزبير : لما تضمنت سورة "البقرة"؛ ابتداء الخلق؛ وإيجاد آدم - عليه الصلاة والسلام - من غير أب؛ ولا أم؛ وأعقبت بسورة "آل عمران"؛ لتضمنها - مع ذكر في صدرها - أمر عيسى - عليه الصلاة والسلام -؛ وأنه كمثل آدم - عليه الصلاة والسلام -؛ في عدم الافتقار إلى أب؛ وعلم الموقنون من ذلك أنه (تعالى) لو شاء لكانت سنة فيمن بعد آدم - عليه الصلاة والسلام -؛ فكان سائر الحيوان لا يتوقف إلا على أم فقط; أعلم - سبحانه - أن من عدا المذكورين - عليهما الصلاة والسلام - من ذرية آدم؛ سبيلهم سبيل الأبوين؛ فقال (تعالى): يا أيها الناس اتقوا ربكم ؛ إلى قوله: وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ؛ ثم أعلم (تعالى) كيفية النكاح المجعول سببا في التناسل؛ وما يتعلق به؛ وبين حكم الأرحام؛ والمواريث؛ فتضمنت السورة ابتداء الأمر؛ وانتهاءه؛ فأعلمنا بكيفية التناكح؛ وصورة الاعتصام؛ واحترام بعضنا لبعض؛ وكيفية تناول الإصلاح فيما بين الزوجين عند التشاجر؛ والشقاق؛ وبين لنا ما ينكح؛ [ ص: 192 ] وما أبيح من العدد؛ وحكم من لم يجد الطول؛ وما يتعلق بهذا؛ إلى المواريث؛ فصل ذلك كله؛ إلا الطلاق؛ لأن أحكامه تقدمت؛ ولأن بناء هذه السورة على التواصل؛ والائتلاف؛ ورعي حقوق ذوي الأرحام؛ وحفظ ذلك كله؛ إلى حالة الموت المكتوب علينا؛ وناسب هذا المقصود من التواصل؛ والألفة؛ ما افتتحت به السورة من قوله (تعالى): الذي خلقكم من نفس واحدة ؛ فافتتحها بالالتئام؛ والوصلة؛ ولهذا خصت من حكم تشاجر الزوجين بالإعلام بصورة الإصلاح؛ والمعدلة إبقاء لذلك التواصل؛ فلم يكن الطلاق ليناسب هذا؛ فلم يقع له هنا ذكر؛ إلا إيماء: وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته ؛ ولكثرة ما يعرض من رعي حظوظ النفوس؛ عند الزوجية؛ ومع القرابة - ويدق ذلك ويغمض -؛ تكرر كثيرا في هذه السورة الأمر بالاتقاء؛ وبه افتتحت: اتقوا ربكم واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ؛ ثم حذروا من حال من صمم على الكفر؛ وحال اليهود؛ والنصارى؛ والمنافقين؛ وذوي التقلب في الأديان؛ بعد أذن اليقين؛ وكل ذلك تأكيد لما أمروا به من الاتقاء؛ والتحمت الآيات إلى الختم [ ص: 193 ] بالكلالة من المواريث المتقدمة؛ انتهى.