ولما قرر سبحانه أن الرسل دعاة للحق إلى سيدهم طوعا أو كرها بالكتاب والحديد، وقرر أن السعادة كلها في اتباعهم، وأن البدع لا تأتي بخير وإن زين الشيطان أمرها وخيل أنه خير، وأن أصحاب الذي كان نسخ شريعة من قبله ابتدعوا بدعة حسنة فوكلوا إليها ففسق أكثرهم، فاقتضى ذلك إرسال من ينسخ كل شريعة تقدمته نسخا لا زوال [ ص: 324 ] له لأنه لا نبي بعده ونهى عن البدع نهيا لم يتقدمه أحد إلى مثله، أنتج ذلك قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أي أقروا بذلك إقرارا صحيحا بنبي مما تقدم أو بالنبي صلى الله عليه وسلم اتقوا الله أي خافوا عقابه فاجعلوا بينكم وبين سخطه - لأنه الملك الأعظم - وقاية بحفظ الأدب معه ولا تأمنوا مكره، فكونوا على حذر [من] أن يسلبكم ما وهبكم، فاتبعوا الرسول تسلموا، وحافظوا على اتباعه لئلا تهلكوا وآمنوا برسوله أي الذي لا رسول له الآن غيره، إيمانا مضموما إلى إيمانكم بالله فإنه لا يصح الإيمان به إلا مع الإيمان برسوله، وبأن تثبتوا على الإيمان به، وتضموا الإيمان به إلى الإيمان بمن تقدمه يا أهل الكتاب، لأن رسالته عامة، لقد نسخ جميع ما تقدمه من الأديان فإياكم أن يميلكم عنه ميل من حسد أو غيره، فبادروا إلى إجابته والزموا جميعا حذره فلا تميلوا إلى بدعة أصلا يؤتكم ثوابا على اتباعه كفلين أي نصيبين ضخمين من رحمته تحصينا لكم من العذاب كما يحصن الكفل الراكب من الوقوع، وهو كساء يعقد على ظهر البعير فيلقى مقدمه على الكاهل ومؤخره على العجز، وهذا التحصين لأجل إيمانكم به صلى الله عليه وسلم وإيمانكم بمن تقدمه مع خفة العمل ورفع الآصار وهو [أعلى] بالأجر من الذي عمل الخير في الجاهلية، وقال النبي [ ص: 325 ] صلى الله عليه وسلم لمن سأله عنه "أسلمت على ما أسلفت من خير
ودل على أن الكفلين برفع الدرجات وإفاضة خواص من الخيرات بقوله: ويجعل لكم أي مع ذلك نورا مجازيا في الأولى بالتوفيق للعمل من المعلوم والمعارف القلبية وحسيا في الآخرة بسبب العمل تمشون به أي مجازا في الأولى بالتوفيق للعمل، وحقيقة في الآخرة بسبب العمل.
ولما كان الإنسان لا يخلو من نقصان، فلا يبلغ جميع ما يحق للرحمن، قال: ويغفر لكم أي [ما] فرط منكم من سهو وعمد وهزل وجد. ولما قرر سبحانه ذلك، أتبعه التعريف بأن الغفران وما يتبعه صفة له شاملة لمن يريده فقال: والله أي المحيط بجميع صفات الكمال والعظمة والكبرياء غفور أي بليغ المحو للذنب عينا وأثرا رحيم أي بليغ الإكرام لمن يغفر له ويوفقه للعمل بما يرضيه.