حللت به وتري وأدركت ثؤرت وكنت إلى الأوثان أول راجع
هذا في جانب الإثبات ، فإذا نفيت ناهيا فقلت : لا تكن أول فاعل لكذا ، فمعناه إنك إن فعلت ذلك لم تكن صفتك إلا كذلك ، فهو خارج مخرج المبالغة في الذم بما هو صفة المنهي فلا مفهوم له ، وعبر به تنبيها على أنهم لما تركوا اتباع هذا الكتاب [ كانوا ] لما عندهم من العلم بصحته في غاية اللجاجة فكان عملهم في كفرهم وإن تأخر [ ص: 318 ] عمل من يسابق شخصا إلى شيء ، أو يكون المعنى أنهم لم يمنعهم من الإيمان به جهل بالنظر ولا عدم اطلاع على ما أتى به أنبياؤهم من البشر بل مجرد الحسد للعرب أن يكون منهم نبي المستلزم لحسد هذا النبي بعينه ، لأن الحكم على الأعم يستلزم الحكم على الأخص بما هو من أفراد الأعم . فصارت رتبة كفرهم قبل رتبة كفر العرب الجاهلين به أو الحاسدين له صلى الله عليه وسلم بخصوصه لا لعموم العرب ، فكان أهل الكتاب أول كافر به لا يمكن أن يقع كفرهم إلا على هذا الوجه الذي هو أقبح الوجوه ، فالمعنى لا تكفروا به ، فإنه إن وقع منكم كفر به كان أول كفر ، لأن رتبته أول رتب الكفر الواقع ممن سواكم فكنتم أول كافر فوقعتم في أقبح وجوه الكفر ، ولذا أفرد ولم يقل : كافرين ، والله أعلم .
ولما نهاهم عن الكفر بالآيات نهاهم عن الحامل عليه لقوله : ولا تشتروا [ ص: 319 ] أي تتكلفوا وتلحوا في أن تستبدلوا بآياتي أي التي تعلمونها في الأمر باتباع هذا النبي الكريم ثمنا قليلا وهو رياسة قومكم وما تأخذونه من الملوك وغيرهم على حمل الشريعة ، والقلة ما قصر عن الكفاية - قاله . الحرالي وإياي أي خاصة فاتقون أي اجعلوا لكم وقاية من إنزال غضبي ، فالتقوى نتيجة الرهبة كما أن هذه الأفعال نتيجة ما في آية الرهبة ،