ولما كان الاتجار إجهاد النفس في تحصيل [الربح النافع، وكان الإيمان والجهاد أعظم إجهاد النفس في تحصين -] الجنة الباقية التي لا ريح توازيها، فاستعار لهما اسمها، وكان جواب النداء الإقبال [ ص: 35 ] وجواب الاستفهام نعم، عدوا كأنهم أقبلوا وأنعموا تنبيها على ما هو الأليق بهم، فاستأنف لهم بيان التجارة بأنه الجمع بين الإيمان الذي هو أساس الأعمال كلها، والجهاد بنوعيه المكمل للنفس والمكمل للغير فقال: تؤمنون [أي] آمنوا بشرط تجديد الإيمان على سبيل الاستمرار بالله الذي له جميع صفات الكمال ورسوله الذي تصديقه آية الإذعان المعنوية والخضوع لكونه ملكا وتجاهدون أي وجاهدوا بيانا لصحة إيمانكم على سبيل التجديد والاستمرار. ويدل على أنهما بمعنى الأمر ما أرشد إليه جزم ما أقيم في موضع الجواب مع قراءة عبد الله رضي الله عنه: آمنوا وجاهدوا - بصيغة الأمر في سبيل الله أي بسبب تسهيل طريق الملك الأعظم الموصل إليه الذي لا أمر لغيره بحيث يكون ظرفا لكم في [جميع] هذا الفعل فلا شيء يكون منه خارجا عنه ليكون خالصا بفتح بلد الحج ليسهل الوصول إليه من كل من أراده وغير ذلك من شرائعه فتكونوا ممن يصدق فعله قوله، وهذا المعنى لا وقفة فيه لأنه فرق بين قولنا: فلان فعل كذا - الصادق بمرة، وبين قولنا بفعله الدال على أن فعله قد صار ديدنا له، فالمعنى: يا من فعل [ ص: 36 ] الإيمان إن أردتم النجاة فكونوا عريقين في وصف الإيمان حقيقين به ثابتي الإقدام فيه وأديموا الجهاد دلالة على ذلك فإن الجهاد لما فيه من الخطر والمشقة والضرر أعظم دليل على صدق الإيمان، ويؤيد ذلك أن السياق لقصة رضي الله عنه المفهمة في الظاهر لعدم الثبات في الإيمان وإرادة الجهاد الدال على المصدق فيه، ولذلك قال حاطب رضي الله عنه ما قال - والله الهادي. عمر
ولما كان الجمع بين الروح وعديلها المال على وجه الرضى والرغبة أدل على صحة الإيمان، قال: بأموالكم وقدمها لعزتها في ذلك الزمان ولأنها قوام الأنفس والأبدان، فمن بذل ماله كله لم يبخل بنفسه لأن المال قوامها. ولما قدم القوام أتبعه القائم به فقال: وأنفسكم ولما أمر بهذا في صيغة الخبر اهتماما به وتأييدا لشأنه، أشار إلى عظمته بمدحه قبل ذكر جزائه، فقال: ذلكم أي الأمر العظيم من الإيمان وتصديقه بالجهاد خير لكم أي خاصة مما تريدون من الذبذبة بمناصحة الكفار إن كنتم أي بالجبلات الصالحة تعلمون أي إن كان يمكن أن يتجدد لكم علم في وقت من الأوقات فأنتم تعلمون أن ذلك خير لكم، فإذا علمتم، أنه خير أقبلتم عليه فكان لكم به أمر [ ص: 37 ] عظيم، وإن كانت قلوبكم قد طمست طمسا لا رجاء لصلاحها فصلوا على أنفسكم صلاة الموت.