ولما افتتح سبحانه السورة بعظيم بركته وتمام قدرته وتفرده في مملكته، ودل على ذلك بتفرده بالإماتة والإحياء، ختم بمثل ذلك بالماء الذي وجوده هو سبب للحياة وعدمه سبب للموت، فقال قارعا بالتنبيه مشيرا بتكرير الأمر إلى مزيد التوبيخ والزجر والتبكيت دالا على تعيين ما أبهم من أهل الضلال، ومصرحا بما لوح [إليه - ] من ذلك الإجمال. قل أي يا أعظم خلقنا وأعلمهم بنا: أرأيتم أي أخبروني إخبارا لا لبس فيه ولا خفاء، ولما كان شديد العناية بهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، سكن قلبه في وعيدهم بالإشارة إلى الرفق بهم لأجله، فابتدأ الوعيد بحرف الشك فقال: إن ولما كانت النعمة أشد ما يكون إذا كانت في الصباح الذي هو موضع ارتقاب الفلاح قال: أصبح ماؤكم أي الذي تعدونه في أيديكم - بما نبهت عليه الإضافة.
ولما كان المقصود المبالغة، جعله نفس المصدر فقال: غورا [ ص: 272 ] أي نازلا في الأرض بحيث لا يمكن لكم نيله بنوع حيلة - بما دل على ذلك الوصف بالمصدر فمن يأتيكم على ضعفكم حينئذ وافتقاركم وانخلاع قلوبكم واضطراب أفكاركم بماء معين أي جار دائما لا ينقطع أو ظاهرا للأعين سهل المأخذ، إلا الله رب العالمين فإنه هو القادر على ذلك، فقد رجع ذلك الآخر كما ترى على ذلك الأول، وعانقه على أحسن وجه وأكمل - والله أعلم.