لما أبهم الضال والمهتدي في آخر "الملك" والمسيء والمحسن في العمل أولها، وختم بآية الماء المعين الذي دلت حروفه بمجموعها على تمام معناه، ودل كل واحد منها على شيء منه، فدلت ميمه على تمام شيء ظاهر، وعينه على آية هادية، وياؤه على قائم ملطف متنزل مع كل مقام، ونونه على مظهر مبين محيط بما أظهره، وردهم سبحانه إليه بعد شرادهم عنه بالاستفهام في هذه الآية بما نبههم عليه من عجزهم وعجز كل من يدعونه من دونه وأنه لا يقدر على الإتيان بذلك الماء الذي هو حياة الأشباح بعد ذهابه إلا من تمت قدرته، فكان قادرا على كل ما يريد، وكان لا يقدر على [كل - ] ما يريده إلا من كمل علمه الذي يحيي به ميت الأرواح، دل على شمول قدرته بكمال علمه بما أفاده على النبي الكريم الأمي من العلوم التي زخرت بحارها، فأحيا مدرارها، [ ص: 274 ] وأغرق تيارها، فافتتح هذه السورة بكلمة البيان وهو اسم الحرف الذي هو آخر حروف تلك، ومن لوازم بعض ما دل عليه الماء الذي هو الحياة المصححة، ونبه على نصبه له سبحانه دليلا على العلم بما دل عليه من مخرج مسماه وصفاته ومواقعه في الكلم في جميع تقلباته فقال: ن هذه الكلمة حرف من حروف المعجم وهي اسم لمسمى به ظهور الأشياء وعلمها وإدراكها كما دل عليه موقعه في اسم النور والنار والنيل والنمو والنباهة والنقاء والنصح والنبأ والنجابة والنجاة والنحت والندم، وقد تقدم في البقرة عن رضي الله عنه أنه قال: أبي بكر الصديق ولا يعلم ما هي إلا واضعها سبحانه. لكل كتاب سر وسر القرآن هذه الحروف،
ولما كان هذا الحرف مشتركا في اللغة بين حرف المعجم والدواة والحوت وشفرة السيف، سكن للدلالة بادئ بدء على أنه حرف، ولا يمنع إسكانه المتأصل في البناء من إرادة بقية المعاني لأن العرب ربما سكنت الكلمة بنية الوقف تنبيها على عظمة معناها، فلا يلزم من الإسكان عن غير عامل البناء، وقيل: النون اللوح، والنونة الكلمة من الصواب، والسمكة، فهو صالح لحرف المعجم الكلي الصالح [لكل - ] فرد، وعن عن عكرمة رضي الله عنهما أنه أخر حروف [الرحمن - ] والدواة لما يتأثر عنها من العلوم، والحوت الذي على ظهره الكون [ ص: 275 ] واسمه اليهموت لما في ذلك من عجائب القدر والأسرار، ويكون الإقسام وقع بالنون والقلم علوا للإحاطة، والسيف لما يتأثر عنه من جليل الآثار، وكيفما كان المراد فهو الإحاطة، وهو سر باطن لا يظهر، وإنما تظهر نتائجه، فهو الحكم ونتائجه القضاء والقدر بالإشقاء أو الإسعاد. ابن عباس
ولما كان هذا الحرف آية الكشف للأشياء كان مخرجه أمكن المخارج وأيسرها وأخفها وأوسعها وهو رأس المقول، فإنه يخرج مما بين طرف اللسان وفويق الثنايا من اللثة، وهو أخرج من مخرج اللام ومن مخرج الراء أيضا، وتسمى هذه الحروف [الثلاثة - ] الزلقية مع بقية حروف "فر من لب" لأن طرف كل شيء زلقة، والنون أمكنها في هذا المخرج وأشدها انطباقا فيما بين اللسان واللثة، وهو مما كرر مسماه في اسمه فانتهى إلى حيث ابتدأ، واختص بكون عماده وقوامه الحرف الأقوى الأظهر ذا الرفعة والعلو وهو الواو والزلقية التي هو أحدها ضد المصمتة وهي أخف الحروف على اللسان وأكثرها امتزاجا بغيرها، وأما المصمتة فمنعت أن تنفرد بنفسها [ ص: 276 ] في لغة العرب في كلمة هي أكثر من ثلاثة أحرف، بل لا بد أن يكون معها بعض الزلقية، والألف خارجة عن الصنفين لأنها مجرد أهواء لا مستقر لها، فقد ناسبت بمخرجها لسعته وخفته ووصفها بالزلاقة التي تقع لما اتصف بها من الحروف الكمال غنية عن سواها ولا يقع لما لم يخالطها كمال فيما ذكر ما ذكر من أن معناها البيان والإظهار ومن صفاتها الجهر وبين الشدة والرخاوة والانفتاح والاستفال، والغنة الخارجة من الخيشوم إذا سكن، وكل هذا واضح في العلم الذي له الاتساع والانتشار والتغلغل في الأشياء الباطنة، ويشاركه الميم في الغنة كما أنه [ يشاركه في أن له حظا من الظهور والنون وهو الأصل في الغنة كما أنه - ] الأصل في الظهور لما له من العلو بالعماد، وهو أيضا من حروف الذبذبة والزيادة التي لا تستقر على حال فتقع مرة زوائد وأخرى أصولا كما أن العلم أيضا كذلك لا استقرار له بل مهما وسعته اتسع، ومهما تركته اضمحل وانجمع، وهو من حروف الأبدال التي تبدل من غيرها ولا يكون غيرها بدلا منها فلازب ولازم الميم بدل من الباء بخلاف العكس كما أن العلم أصل يتبعه غيره ولا يكون هو تابعا لغيره، وهو من الحروف الصحيحة وليست معتلة، والعلم جدير بهذا الوصف وهو إذا كان مخفي من الحروف المشربة ويقال [ ص: 277 ] لها المخالطة - بكسر اللام وفتحها، وهي التي اتسعت فيها العرب فزادتها على التسعة والعشرين المستعملة وهي من الحروف الصم وهي ما عدا الحلقية، سميت بذلك لتمكنها في خروجها من الفم واستحكامها فيه، يقال للمحكم المصتم [و - ] العلم أشد ما يكون مناسبة لهذا الوصف، فقد انطبقت بمخرجها وجميع صفاتها على العلم الذي هو مقصود السورة فتبين حقا أنه مقصودها، وأما رتبة القلم في بيان العلم وإظهاره وكشف خفاياه وأسراره وبثه وإشهاره فهي بحيث لا يجهلها أحد اتصف بالعقل، ومما يختص به هذا الحرف أنه يصحب كل حرف لأن حده هو ما يعبر عنه التنوين الذي انتظامه بالحركات هو ما آيته العلم المكمل "به الحياة" التي هي آية ما يعبر عنه هذه الحركات، فلما كانت هذه الحركات آية على ما هو الحياة كان التنوين عقبها آية على ما به كمال الحياة من العلم، وهو سبب لما به القيام من الظهور، ومن معناه اسمه تعالى النور، ثم هو اسم لكل ما يظهر ما خفي باطنا كالعلم في الإدراك الذي تظهر حقائق الأشياء به، وظاهرا كالنيرين للعيون، وسائر الأنوار الظاهرة والباطنة، وما هو وسيلة الظهور كالعيون مما [ ص: 278 ] به تشاهد الأشياء ويظهر [به - ] صورها، والدواة التي منها مداد ما كتب بالقلم في العوالم أعلاها وأدناها وكل آلة يتوصل بها إلى إظهار صورة تكون تماما كماء المزن الذي هو مداد كل شيء كون الله به الكائنات والبادئات "وجعلنا من الماء كل شيء حي" ومنه معنى النجم النباتي الذي هو للشجر بمنزلة الفول للبشر متلبسا بالنور - بالفتح - الذي فيه حظ من النور - بالضم - والذرء الذي هو ظاهر في نفسه مظهر لطرق الاهتداء، وكذلك الأمر في النار المخلصة من رتبة ظلمتها التي هي غايتها بالرماد، وابتداؤها بما يخرج منه من شجر وحديد وحجر.
ولما كان هذا الحرف اسما لما به ظهور أمر لم يختص بشيء من المظهرات دون آخر بل شمل النور والحاسة والمراد والمادة، ولذلك كان مع الكاف الذي هو علم التكوين سبب ظهور كل شيء إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ولصدقه على [كل - ] مظهر فسره رضي الله عنهما بالدواة ففسر بما يستمد منه القلم، وليلحظ موقعه في نجد فإنه اسم لما ارتفع من الأرض وظهر في نفسه وأظهر غيره، وفي نهود الجارية وهو ظهور نهدها، وفي النهب وهو ما أخذ أخذا ظاهرا كما قال صلى الله عليه وسلم "ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم" وفي النفخ والنفع والنصر والنقر والنقب وما أشبهها فإنها كلها ظهور [ ص: 279 ] وإظهار كالنم والمن والنمؤ ولأجل علوه واستبطانه وأنه استغراق المظهر المبين كانت إقامته يتعالى الألف وهو الواو وانتهاؤه إلى مثل ما بدأ به، ولكون الميم تماما كان قوامه بمتنزل كالألف التي هي الياء في قولك ميم، ولرجوع الواو إلى علو الألف كان عمادها الألف في قولك "واو" وهذه الحروف الثلاثة ظاهرة في عالمين ظاهرهما المبدوء به وباطنهما المختوم به، فالنون الأولى يعبر بها عن نور الأبصار، والخاتمة يعبر بها عن نور القلب، ولما كان الهاء وتر الدال، وكان محيطا باطنا غيبا وجب أن يكون محل تضعيفه بالياء محل محيط [باطن - ] نازل الرتبة في الغيب عن الهاء لوقوعه في رتب العشرات وهو النون، فكان ظاهرا بالإضافة إلى خفاء الهاء باطنا بالإضافة إلى ظهور الميم، فيكون بالنون ظهور الميم المعبر عن "الملك" الذي سبق في السورة الماضية كما كان شهادة الدال وثبوته بالهاء. ابن عباس
ولذلك انبنى تمام كل عمل على نور علم كما كان قوام ظاهر كل دال غير هاء، وكان النون مدادا لمثل العلم الذي يظهر صورها بسطر القلم حتى أن آية ما بطن منه فأظهره القلم هو ما بطن دون الأرض من النون الذي عليه الأرض [ ص: 280 ] الذي أول ما يطعمه أهل الجنة زيادة كبده مع الثور الذي عليه الأرض [أيضا - ] الذي يذبح لهم - على ما ورد في الخبر، وقابل استبطان النون في الأرض ظهور القاف على ظاهرها الذي هو جبل الزبرجد المحيط بالدنيا، وعن ذلك الاستيلاء على القلوب في الدنيا إنما يكون بالعلم الذي هو حقيقة نون كما أن الاستيلاء على الأجسام في ظاهر الدنيا إنما يكون بالقدرة التي هي حقيقة قاف على ما يظهر من إجالتي العلماء في النون الأبطن والملوك في القاف الأظهر، وهذان الصنفان من الخلق هما المستوليان على الناس بالأيالة ونفوذ الأمر، ولذلك أقيم المفصل من القرآن بحرفي قاف ونون، واقترن أيضا هذان الحرفان في كلمة القرآن ولفظ الفرقان اللذين هما في ظواهر أسمائه، وإنما كان أول ما يطعمه أهل الجنة من الثور الذي عليه الدنيا الذي [كان - ] يرعى في أطراف الجنة - على ما ورد عنه عليه أفضل الصلاة والسلام، لأن صورة الثور هي معنى ما هو الكد والكدح وجهد العمل في الأرض الذي قام عليه أمر الدنيا، ولما كان أهل الدنيا أول ما يراحون منه من أمر الدنيا تقديم أمر الكد بين يدي معاشهم في الجنة، كان الذي [يذبح - ] لهم الثور الذي هو صورة كدهم فيأكلونه فهو جزاء ما عملوا به في دنياهم من حيث كانوا ذوي دين، [ ص: 281 ] فاستحقوا بذلك جزاء كدهم بما هو صورته، وأضيف لذلك زيادة كبد النون التي هي صورة حظهم من أصل العلم فأطعموها وجوزوا بها، وروعي في أعمالهم حسن نيتهم في أصل دينهم، فلما أتوا عليهما استقبلوا الراحة والخروج عن الكلفة في معاشهم في الجنة، والذي جرهم به سبحانه إلى سني هذه الرتبة ما أتقنه بحكمته من ثناء المفصل القرآني على حرفي القاف الذي به القوة والقهر والقدرة، والنون الذي به إظهار ذلك للعقل بنور العلم، [و - ] ذلك أن القرآن نزله سبحانه مثاني، ضمن ما عدا المفصل منه الذي [هو - ] من قاف إلى خاتمة الكتاب العزيز، وفاتحته ما يختص بأولي العلم والفقه من مبسوطات الحكم ومحكمات الأحكام ومطولات الأقاصيص ومتشابه الآيات، والسور المفتتحة بالحروف العلية الإحاطة الغيبية المنحى المستندة إلى آحاد .الأعداد مما يختص بعلم ظاهرها خاصة الأمة، ويختص بأمر باطنها آل محمد صلى الله عليه وسلم، فلعلو رتبة إيراد ما عدا المفصل ثنى الحق تعالى الخطاب وانتظمه في سور كثيرة العدد يسيرة عد الآي هي المفصل، ذكر فيها من أطراف القصص والمواعظ والأحكام والأنباء وأمر الجزاء ما يليق بسماع العامة ليسهل عليهم سماعه وليأخذوا [ ص: 282 ] بحظ مما أخذ الخاصة، ويتكرر على أسماعهم في قراءة الأئمة له في الصلوات المفروضة التي لا مندوحة لهم عنها ما يكون لهم خلقا مما يفوتهم من مضمون سائر السور المطولات، فكان أحق ما افتتح به مفصلهم حرف القاف الذي هو وتر الآحاد حتى صارت عشرة، ثم إذا ضربت في نفسها صارت مائة، فافتتح به المفصل، ليكون مضمون ما يحتوي عليه أظهر مما يحتوي عليه ما افتتح بالم، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقرأ في خطبة الجمعة سورة ["-ق" - ] فيفتتح للعامة المتوجه بخطبة يوم الجمعة إليهم لأنها صلاة جامعة الظاهر بفاتحة المفصل الخاص، وفي مضمونها من معنى القدرة والقهر المحتاج إليه في إقامة أمر العامة ما فيه كفاية، وشفعت بسورة "ن" المظهرة ظاهر "ق" فخصوا بما فيه القهر والإبانة، واختصت سورة "ن" من مقتضى العلم بما هو محيط بأمر العامة المنتهي إلى غاية الذكر الشامل للعالمين، لأن القوة المعربة عن العلم ربما كان ضررها أكثر من نفعها، كما قال بعض السلف: كل عز لم يوطده علم فإلى ذل يؤول، وكما كان جميع السور التسع والعشرين المفتتحة بالحروف المتضمنة للمراتب التسع في التسعة وللعاشر الجامع للمراتب التسع بإيتار آحادها والعاشر الجامع يضرب [ ص: 283 ] العشر الموتر في نفسه قواما وإحاطة [ في جميع القرآن كذلك كان سورة "ق" وسورة "ن" قواما خاصا وإحاطة - ] خاصة بما يخص العامة من القرآن الذي يجمعهم الأرض بما أحاط من ظاهرها من صورة جبل "ق" وما أحاط بباطنها من صورة حيوان "ن" الذين تمام أمرهم بما بين مددي إقامتهما، وبهذه السورة المفتتحة [بالحروف - ] ظهر واقترن من التفصيل في سورها ما يليق بإحاطتها، ولإحاطة معانيها وإبهامها كان كل ما فسرت به من معنى يرجع إلى مقتضاها صحيحا في إحاطتها بمتنزلها من أسماء الله وترتبها في جميع العوالم فلا يخطئ فيها مفسر لذلك لأنه كلما قصد وجها من التفسير لم يخرج عن إحاطة ما يقتضيه، ومهما فسرت به [من - ] أسماء الله أو من أسماء الملائكة أو من أسماء الأنبياء أو من [مثل - ] الأشياء أو صور الموجودات أو من أنها أقسام أقسم بها أو فواتح عرفت بها السور أو أعداد تدل على حوادث وحظوظ من ظاهر الأمر أو باطنه على اختلاف رتب وأحوال مما أعطيه المنزل عليه صلى الله عليه وسلم [ ص: 284 ] من مقدار أمد الخلافة والملك والسلطنة وما ينتهي إليه أمره من ظهور الهداية ونحو ذلك مما يحيط بأمد يومه إلى غير ذلك وكل داخل في إحاطتها، ولذلك أيضا لا يختص بمحل مخصوص يلزمه علامة إعراب مخصوصة، فمهما قدر في مواقعها من هذه السورة جرا أو رفعا أو نصبا فداخل في إحاطة رتبتها ولم يلزمها معنى خاص لما لم يكن لها انتظام، لأنها مستقلات محيطات، وإنما ينتظم ما يتم معنى كل واحد من المنتظمين بحصول الانتظام، وذلك يختص من الكلم بما يقصر عن إحاطة مضمون الحروف حتى أنه متى وقع استقلال وإحاطة في كلمة لم يقع فيها انتظام. اختصاص القرآن وتميز عن سائر الكتب لتضمنه الإحاطة التي لا تكون إلا للخاتم الجامع،
ولما كان قوام هذا الوجود بالسيف والقلم، وكان [ "نون" - ] مشتركا بين معان منها السيف والدواة التي هي آلة القلم، واللوح الذي هو محل ما يثبت من العلم، وكان السيف قد تقدم في حيز القاف الذي افتتحت به سورة "ق" كما هو أنسب لتضمنه القوة والقدرة والقهر في سورة الحديد بعد الوعظ والتهديد والتذكير بالنعم في [ ص: 285 ] السورة الواقعة بينهما، ذكر هنا ما هو لحيز النون من آية العلم فقال مقسما بعد حرف "ن" : والقلم أي قلم القدرة الذي هو أول ما أبدعه الله، ثم قال له: اكتب، فخط جميع الكائنات إلى يوم القيامة في اللوح المحفوظ حقيقة، وفي ألواح صفحات الكائنات حالا ومجازا، فأظهر جميع العلوم، ثم ختم على فيه فلم ينطق ولا ينطق إلى يوم القيامة، والذي يكتب فيه الخلق ما نولهم الله من تلك المعارف والفهوم، وذلك هو قوام أمور الدنيا، والإشارة به إلى القضاء الذي هو من نتائج "ن" لأنه من مصنوعات الله الظاهرة التي اقتضت حكمته سبحانه إيجادها ووجهه إلى تفصيل ما جرى به الحكم.
ولما كان الحاصل بالقلم من بث الأخبار ونشر العلوم على تشعبها والأسرار ما يفوق الحصر، فصار كأنه العالم المطيق واللسن المنطيق، وكان المراد به الجنس أسند إليه كما يسند [إلى - ] العقلاء فقال: وما يسطرون أي قلم القدرة، وجمعه وأجراه مجرى أولي العلم للتعظيم لأنه فعل أفعالهم، أو الأقلام على إرادة الجنس، ويجوز أن يكون الإسناد إلى الكاتبين به لما دل عليهم من ذكره، أما الملائكة إن كان المراد ما كتب في الكتاب المبين واللوح المحفوظ وغيره مما [ ص: 286 ] يكتبونه، وأما كل من يكتب منهم ومن غيرهم حتى أصحاب الصحيفة الظالمة التي تقاسموا فيها على أن يقاطعوا بني هاشم [ومن - ] لافهم حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعون به ما شاءوا، وكيف ما كان فهو إشارة إلى المقدر لأنه إنما يسطر ما قضى به وحكم.