ولما قدموا ما هو أنفع لهم من اللوم المتقضي لإجماعهم على التوبة فعلم بذلك الندم الذي هو أمارة التوبة، استأنفوا جوابا لمن سأل: هل اقتصروا على التلاوم؟ قولهم: عسى أي يمكن [ أن يكون -] وهو جدير وخليق بأن يكون ربنا أي الذي أحسن إلينا بتربية هذه الجنة وبإهلاك ثمرها الآن تأديبا لنا أن يبدلنا أي من جنتنا شيئا خيرا منها يقيم لنا أمر معاشنا فتنقلب أحوالنا هذه التي نحن فيها من الهموم والبذاذة بسرور ولذاذة بما أفاده إيقاع الفعل على ضميرهم، وقراءة أبي عمرو بالتشديد وقراءة الباقين بالتخفيف وهما [ ص: 315 ] متقاربتان غير أن التشديد يدل على التدريج، فالتخفيف أبلغ معنى: وإنما تعلق رجاؤنا بسبب توبتنا وعلمنا بأن ربنا قادر على ما يريد، ولا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون. ونافع
ولما دل هذا الدعاء على إقبالهم على الله وحده صرحوا وأكدوا لأن حالهم الأول كان حال من ينكر منه مثل ذلك فقالوا معللين: إنا ولما كان المقام للتوبة والرجوع عن الحوبة، عبروا بأداة الانتهاء إشارة إلى بعدهم عن الحضرات الربانية تأدبا منهم فقالوا: إلى ربنا أي المحسن إلينا والمربي لنا بالإيجاد ثم الإبقاء خاصة لا إلى غيره سبحانه راغبون أي ثابتة رغبتنا ورجاؤنا الخير والإكرام بعد العفو، وقد قيل إن الله تعالى جلت قدرته قبل رجوعهم وأخلف عليهم فأبدلهم جنة يقال لها الحيوان بحيث كان القطف الواحد [ منها -] يحمله وحده من كثرة البقل - رواه عن البغوي ، ولكن لما كان المقام لترهيب من ركن إلى ماله واحتقر الضعفاء من عباد الله ولم يجلهم بجلاله طواه، وذكر ما صور هذا الكلام وأنتجه من مساواة حال ابن مسعود قريش وحال هؤلاء في الإحسان وطول الحلم مع احتقار أوليائه والتقوي عليهم بأفضاله ونعمائه، فقال مرهبا: