ولما أمر - سبحانه - بالعدل؛ ورغب فيه؛ ورهب من تركه; أمر بطاعة المتنصبين لذلك؛ الحاملة لهم على الرفق بهم؛ والشفقة عليهم؛ فقال: يا أيها الذين آمنوا ؛ أي: أقروا بالإيمان؛ وبدأ بما هو العمدة في الحمل على ذلك؛ فقال: أطيعوا ؛ أي: بموافقة الأمر تصديقا لدعواكم الإيمان؛ الله ؛ أي: فيما أمركم به في كتابه؛ مستحضرين ما له من الأسماء الحسنى؛ وعظم رتبة نبيه - صلى الله عليه وسلم - بإعادة العامل؛ فقال: وأطيعوا الرسول ؛ فيما حده لكم في سنته عن الله؛ وبينه من كتابه؛ لأن منصب الرسالة مقتض لذلك؛ ولهذا عبر به؛ دون النبي؛ وأولي الأمر منكم ؛ أي: الحكام؛ فإن طاعتهم - فيما لم يكن معصية - كما أشير إلى ذلك بعدم إعادة العامل - من طاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ وطاعته من طاعة الله - عز وجل -; والعلماء من أولي الأمر أيضا؛ وهم العاملون؛ فإنهم يأمرون بأمر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم.
[ ص: 311 ] ولما أبان هذا الحكم الأصول الثلاثة؛ أتبعها القياس؛ فسبب عما تقديره: "هذا في الأمور البينة من الكتاب والسنة؛ والتي وقع الإجماع عليها"؛ قوله: فإن تنازعتم في شيء ؛ أي: لإلباسه؛ فاختلفت فيه آراؤكم؛ فردوه إلى الله ؛ أي: المحيط علما؛ وقدرة؛ بالتضرع بين يديه؛ بما شرعه لكم من الدعاء والعبادة؛ ليفتح لكم ما أغلق منه؛ ويهديكم إلى الحق منه؛ والرسول ؛ أي: الكامل الرسالة؛ بالبحث عن آثار رسالته؛ من نص في ذلك بعينه؛ أو أولي قياس؛ ودلت الآية على ترتيب الأصول الأربعة؛ على ما هو فيها؛ وعلى إبطال ما سواها؛ وعلم من إفراده (تعالى) ؛ وجمع النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أعلام أمته؛ أن الأدب توحيد الله؛ حتى في مجرد ذكره؛ وأكد البيان لدعوى الطاعة بقوله: إن كنتم تؤمنون ؛ أي: دائمين على الإيمان؛ بتجديده في كل أوان؛ بالله ؛ أي: الملك الأعظم؛ الذي لا كفؤ له؛ واليوم الآخر ؛ الحامل على الطاعة؛ الحاجز عن المعصية؛ ثم دل على عظمة هذا الأمر؛ وعميم نفعه؛ بقوله - مخصصا رسوله - صلى الله عليه وسلم -: ذلك ؛ أي: الأمر العالي الرتبة؛ خير ؛ أي: وغيره شر؛ وأحسن تأويلا ؛ أي: عاقبة؛ أو [ ص: 312 ] ترجيعا؛ وردا من ردكم إلى ما يقتضيه قويم العقل من غير ملاحظة لآثار الرسالة من الكتاب والسنة؛ فإن في الأحكام ما لا يستقل العقل بإدراكه؛ إلا بمعونة الشرع؛ روى في التفسير؛ عن البخاري؛ - رضي الله عنهما -؛ قال: "نزلت هذه الآية: " أطيعوا الله " ؛ في ابن عباس إذ بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - في سرية؛ يعني فأمرهم أن يدخلوا في النار.
عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي؛