ولما كان كأنه [قيل-] : هبه خلق هكذا فكان ماذا؟ قال [ ص: 133 ] شفاء لعي هذا السؤال وبيانا لنعمة الإمداد: إنا أي بما لنا من العظمة هديناه أي بينا له لأجل الابتلاء السبيل أي الطريق الواضح الذي لا طريق في الحقيقة غيره، وهو طريق الخير الذي من حاد عنه ضل، وذلك بما أنزل من الكتب وأرسلنا من الرسل ونصبنا من الدلائل في الأنفس والآفاق، وجعلنا له من البصيرة التي يميز بها بين الصادق والكاذب وكلام الخلق وكلام الخالق والحق والباطل وما أشبهه.
ولما كان الإنسان عند البيان قد كان منه قسمان، وكان السياق لبيان تعظيمه بأنه خلاصة الكون والمقصود من الخلق، قال بانيا حالا من ضميره في "هديناه" مقسما له مقدما القسم الذي أتم عليه بالبيان نعمة الهداية بخلق الإيمان، لأن ذلك أنسب بذكر تشريفه للإنسان، بجعله خلاصة الوجود وبقوله: في سياق ابتداء الخلق، معبرا باسم الفاعل الخالي من المبالغة، لأنه لا يقدر أحد أن يشكر جميع النعم، فلا يسمى شكورا إلا بتفضل [من -] ربه عليه: "إن رحمتي سبقت غضبي" إما شاكرا أي لإنعامه ربه عليه.
ولما كان الإنسان، لما له من النقصان، لا ينفك غالبا عن كفر ما، أتى بصيغة المبالغة تنبيها له على ذلك معرفا له أنه لا يأخذه إلا [ ص: 134 ] بالتوغل فيه ليعرف نعمة الحلم عنه فيحمله الخجل على [الإقبال على -] من يرضى منه بقليل الشكر، ويحتمل أن يفهم ذلك أن من كفر نعمة واحدة فقد كفر الجميع فصار بليغ الكفر فقال: وإما كفورا أي بليغ الكفر بالإعراض والتكذيب وعبادة الغير والمعاندة فإحسانه غير موف إساءته مفرطة، وبدأ بالشكر لأنه الأصل، روى الشيخان عن رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أبي هريرة الحديث، ورواه "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" عن أحمد بن منيع رضي الله عنهما، ورواه الإمام ابن عباس عن أحمد رضي الله عنه ولفظه: جابر حتى يعرب عنه لسانه إما شاكرا وإما كفورا" "كل مولود يولد على الفطرة رواه الإمام أيضا أحمد عن وأبو يعلى الأسود بن سريع رضي الله عنه.