ولما بين أنه من العظمة بحيث لا تدركه دراية دار وإن عظم وإن اجتهد، لخص أمره في شرح ما يحتمله العقول منه على سبيل الإجمال دافعا ما قد يقوله بعض من لا عقل له: إن كان انضممت والتجأت إلى بعض الأكابر وقصدت بعض الأماثل فأخلص قهرا أو بشفاعة ونحوها، فقال مبدلا من "يوم الدين" في قراءة ابن كثير والبصريين بالرفع: يوم وهو ظرف، قال الكسائي: العرب تؤثر الرفع إذا أضافوا الليل واليوم إلى مستقبل، وإذا أضافوا إلى فعل ماض آثروا النصب لا تملك أي بوجه من الوجوه في وقت ما نفس أي نفس [ ص: 309 ] كانت من غير استثناء، ونصبه الباقون على الظرف، ويجوز أن تكون الفتحة للبناء لإضافته إلى غير متمكن لنفس شيئا أي قل أو جل، وهذا وإن كان اليوم ثابتا لكنه في هذه الدار بطن سبحانه في الأسباب، فتقرر في النفوس أن الموجودين يضرون وينفعون لأنهم يتكلمون ويبطشون، وأما هناك فالمقرر في النفوس خلاف ذلك من أنه لا يتكلم أحد إلا بإذنه إذنا ظاهرا، ولا يكون لأحد فعل ما إلا بإذنه كذلك، فالأمر كله له دائما، لكن اسمه الظاهر هناك [ظاهر - ] واسمه الباطن هذا مقرر لموجبات الغرور وسار.
ولما كان التقدير: فلا أمر لأحد من الخلق أصلا، [لا - ] ظاهرا ولا باطنا، عطف عليه قوله: والأمر أي كله يومئذ أي إذ كان البعث للجزاء لله أي مختص به لا يشاركه [فيه - ] مشارك ظاهرا كما أنه لا يشاركه فيه باطنا، ويحصل هناك الكشف الكلي فلا يدعي أحد لأحد أمرا من الأمور بغير إذن ظاهر خاص، وتصير المعارف بذلك ضرورية، فلذلك كان الانفطار والزلازل الكبار، والإحصاء لجميع الأعمال الصغار والكبار، وقد رجع آخرها كما ترى إلى أولها، والتف مفصلها بموصلها - والله الهادي للصواب.