ولما رتب - سبحانه وتعالى - الثواب العظيم على الموافقة؛ رتب العقاب الشديد على المخالفة والمشاققة؛ ووكل المخالف إلى نفسه؛ بقوله (تعالى): ومن يشاقق الرسول ؛ أي: الكامل في الرسلية؛ فيكون بقلبه؛ أو شيء من فعله؛ في جهة غير جهته؛ على وجه المقاهرة؛ وعبر بالمضارع رحمة منه - سبحانه - بتقييد الوعيد بالاستمرار؛ وأظهر القاف؛ إشارة إلى تعليقه بالمجاهرة؛ ولأن السياق لأهل الأوثان؛ وهم مجاهرون؛ وقد جاهر سارق الدرعين؛ الذي كان سببا لنزول الآية؛ في آخر قصته؛ كما مضى. [ ص: 402 ] ولما كان في سياق تعليم الشريعة؛ التي لم تكن معلومة قبل الإيحاء بها؛ لا في سياق الملة المعلومة بالعقل؛ أتى بـ "من"؛ تقييدا للتهديد بما بعد الإعلام بذلك؛ فقال: من بعد ما ؛ ولو حذفت لفهم اختصاص الوعيد بمن استغرق زمان البعد بالمشاققة؛ ولما كان ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - في غاية الظهور؛ قال: تبين له الهدى ؛ أي: الدليل؛ الذي هو سببه؛ ولما كان المخالف للإجماع لا يكفر؛ إلا بمنابذة المعلوم بالضرورة؛ عبر بعد التبين بالاتباع؛ فقال: ويتبع غير سبيل ؛ أي: طريق؛ المؤمنين ؛ أي: الذين صار الإيمان لهم صفة راسخة؛ والمراد الطريق المعنوي - وجه الشبه الحركة البدنية الموصلة إلى المطلوب في الحسي؛ والنفسانية في مقدمات الدليل الموصل إلى المطلوب في المعنوي -؛ نوله ؛ أي: بعظمتنا في الدنيا؛ والآخرة؛ ما تولى ؛ أي: نكله إلى ما اختار لنفسه؛ وعالج فيه فطرته الأولى؛ خذلانا منا له؛ ونصله ؛ أي: في الآخرة؛ جهنم ؛ أي: تلقاه بالكراهة؛ والغلظة؛ والعبوسة؛ كما تجهم أولياءنا؛ وشاققهم.
ولما كان التقدير: "فهو صائر إليها؛ لا محالة"؛ بين حالها في ذلك؛ فقال: وساءت مصيرا ؛ وهذه الآية دالة على أن الإجماع حجة؛ لأنه لا يتوعد إلا على مخالفة الحق؛ وكذا حديث: رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصحابة - رضي الله (تعالى) عنهم - "لا تزال طائفة من أمتي [ ص: 403 ] قائمة بأمر الله - وفي رواية: ظاهرين على الحق - حتى يأتي أمر الله"؛ ثوبان؛ والمغيرة؛ وجابر بن سمرة؛ وجابر بن عبد الله؛ ومعاوية؛ وأنس؛ بعض أحاديثهم في الصحيحين؛ وبعضها في السنن؛ وبعضها في المسانيد؛ وبعضها في المعاجيم؛ وغير ذلك; ووجه الدلالة أن الطائفة التي شهد لها النبي - صلى الله عليه وسلم - بالحق؛ في جملة أهل الإجماع؛ والله - سبحانه وتعالى - الموفق. وأبو هريرة؛