وليلة جمع والمنازل من منى ... وهل فوقها من حرمة ومنازل
وفي تذكيره بالبعث ودلالته عليه دلالة عقلية واضحة بالإيجاد بعد الإعدام مع ما لهذه الأشياء في أنفسها وفي نفوس المخاطبين بها من الجلالة، نبه على ذلك سبحانه وتعالى بقوله: هل في ذلك أي المذكور مع ما له من علي الأمر وواضح القدر قسم أي كاف مقنع لذي أي صاحب حجر أي عقل فيحجره ويمنعه عن الهوى في [ ص: 25 ] درك الهوى، فيعليه إلى أوج الهدى، في درج العلا، حتى يعلم أن الذي فعل ما تضمنه هذا القسم لا يتركه سدى، وأنه قادر على أن يحيي الموتى، قال : يقال للرجل إذا كان مالكا نفسه قاهرا لها ضابطا: إنه لذو حجر [انتهى، فمن بلغ أن يحجره عقله عن المآثم ويحمله على المكارم فهو ذو حجر]. ابن جرير
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : ابتدأ سبحانه لمن تقدم ذكره وجها آخر من الاعتبار، وهو أن يتذكروا حال من تقدمهم من الأمم وما أعقبهم تكذيبهم واجترامهم فقال: ألم تر كيف فعل ربك بعاد إلى قوله: إرم ذات العماد إلى قوله: إن ربك لبالمرصاد أي لا يخفى عليه شيء من مرتكبات الخلائق ولا يغيب عنه ما أكنوه سواء منكم من أسر القول ومن جهر به فهلا اعتبر هؤلاء بما يعاينونه ويشاهدونه من خلق الإبل ورفع السماء ونصب الجبال وسطح الأرض، وكل ذلك لمصالحهم ومنافعهم، فالإبل لأثقالهم وانتقالهم، والسماء لسقيهم وإظلالهم، والجبال لاختزان مياههم وأقلالهم، والأرض لحلهم وترحالهم، فلا بهذه الأمور كلها استبصروا، ولا بمن خلا من القرون اعتبروا، ألم تر كيف فعل ربك بعاد على عظيم طغيانها وصميم بهتانها إن ربك لبالمرصاد فيتذكرون [ ص: 26 ] حين لا ينفع التذكر إذا دكت الأرض دكا وجاء ربك والملك صفا صفا وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى - انتهى.