بل رفعه الله ؛ بما له من العظمة البالغة؛ والحكمة الباهرة؛ رفع عيسى - عليه الصلاة والسلام - إليه أي: [ ص: 467 ] إلى مكان لا يصل إليه حكم آدمي؛ وعن أنه أوحي إليه ابن ثلاثين؛ ورفع ابن ثلاث وثلاثين؛ فكانت رسالته ثلاثا؛ وهب وكان الله ؛ أي: الذي له جميع صفات الكمال في كل حال؛ عند قصدهم له؛ وقبله؛ وبعده؛ عزيزا ؛ أي: يغلب؛ ولا يغلب؛ حكيما ؛ أي: إذا فعل شيئا أتقنه؛ بحيث لا يطمع أحد في نقض شيء منه؛ وختم الآية بما بين الصفتين؛ يدل على أن المراد ما قررته من استهزائهم؛ وأنه قصد الرد عليهم؛ أي: إنه قد فعل ما يمنع من استهزائكم؛ فرفعه إليه بعزته؛ وحفظه بحكمته؛ وسوف ينزله ببالغ قدرته؛ فيردكم عن أهوائكم؛ ويسفك دماءكم؛ ويبيد خضراءكم؛ وله في رفعه وإدخاله الشبهة عليكم حكمة تدق عن أفكار أمثالكم.
- عليه الصلاة والسلام - من الإنجيل الموجود اليوم بين أظهر النصارى؛ وهي تتضمن الإنذار بالدجال؛ والإخبار بنزوله صعيدا؛ والبشارة بنبينا قصة رفعه محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي وصفه بـ "الفارقليط"؛ وبـ "الأركون"؛ وأن إخبارهم بقتله؛ وصلبه؛ ليس مستندا إلا إلى شك - كما قال الله (تعالى) ؛ وأحسن ما رد على الإنسان بما يعتقده -؛ قال مترجمهم في إنجيل متى: إنه - عليه الصلاة والسلام - دخل إلى الهيكل في يروشليم - [ ص: 468 ] وهي القدس - وجرت بينه وبين الأحبار محاورات؛ كان آخرها أن قال لهم: "إني أقول لكم: إنكم لا ترونني الآن حتى تقولوا: مبارك الآتي باسم الرب؛ ثم خرج من الهيكل؛ فجاء إليه تلاميذه كي يروه بناء الهيكل؛ فأجاب وقال لهم: انظروا هذا كله؛ الحق أقول لكم: إنه لا يترك هنا حجر على حجر إلا نقض؛ ثم جلس على جبل الزيتون - قال مرقس: قدام الهيكل -: فجاء إليه تلاميذه قائلين: قل لنا: متى هذا؟ وما علامة مجيئك وانقضاء الزمان؟ فقال لهم: "انظروا لا يضلنكم أحد - قال مرقس ولوقا: فإن كثيرا يأتون باسمي قائلين: إنما هو المسيح؛ ويضلون كثيرا - فإذا سمعتم بالحروب؛ وأخبار الحروب؛ انظروا لا تقلقوا؛ فلا بد أن يكون هذا كله؛ تقوم أمة على أمة؛ ومملكة على مملكة؛ ويكون خوف عظيم؛ واضطراب؛ وجوع؛ ووباء - قال لوقا: وعلامات عظيمة من السماء - وزلازل في أماكن؛ وكل هذا أول المخاض - وقال مرقس: وهذه بداية الطلق؛ انظروا أنتم؛ إنهم يسلمونكم إلى المجامع؛ والمحافل؛ وتضربون - وقال لوقا: وقبل هذا كله يضعون أيديهم عليكم؛ ويطردونكم إلى المجامع والسجون؛ وتقامون أمام الملوك والقواد؛ [ ص: 469 ] شهادة عليهم؛ وعلى كل الأمم؛ ينبغي أولا أن يكرز بالإنجيل؛ فإذا قدموكم وأسلموكم فلا تهتموا بما تقولون؛ ولا ماذا تجيبون؛ فإنكم تعطون في تلك الساعة الذي تتكلمون به؛ ولستم المتكلمين؛ لكن روح القدس; قال لوقا: فإني معطيكم فما وحكمة لا يقدر الذين يناصبونكم يقاومونها؛ ولا الجواب عنها؛ ويسلم الأخ أخاه للموت؛ والأب ابنه؛ ويثب الأبناء على آبائهم; قال متى: حينئذ يسلمونكم إلى الضيق؛ ويقتلونكم؛ وتكونون مبغوضين من كل الأمم؛ وحينئذ يشك كثير؛ ويسلم بعضكم بعضا؛ ويبغض بعضكم بعضا؛ ويقوم كثير من الأنبياء الكذبة ويضلون كثيرا؛ وبكثرة الأمم تقل المحبة من كثير؛ والذي يصبر إلى المنتهى يخلص؛ ويكرز بهذه البشارة في الملكوت في جميع المسكونة؛ بشهادة لكل الأمم; قال مرقس: فإذا رأيتم فساد الحراب المذكور في دانيال النبي قائما حيث لا ينبغي - فليفهم القارئ - حينئذ الذين تهودوا يهربون إلى [ ص: 470 ] الجليل؛ والذي فوق السطح لا يقدر أن ينزل إلى بيته ليأخذ شيئا؛ والويل للحبالى والمرضعات في تلك الأيام; وقال لوقا: وحينئذ الذين في اليهودية يهربون إلى الجبال؛ والذين في وسطها يفرون خارجا؛ والذين في الكورة لا يدخلونها؛ لأن هذه في أيام الانتقام؛ لكي يتم كل ما هو مكتوب؛ يكون على الأرض ضر وشدة عظيمة؛ وسخط على هذا الشعب؛ ويقعون في فم السيف؛ ويسبون في كل الأمم؛ ويكون يروشليم موطئ الأمم؛ حتى يكمل الزمان؛ وتكون علامات في الشمس؛ والقمر؛ والنجوم؛ وتخرج نفوس أناس من الخوف; وقال متى: وحينئذ يأتي الانفصال؛ ثم قال: سيكون ضيق عظيم - قال مرقس: تلك الأيام - لم يكن مثله في أول العالم حتى الآن؛ ولا يكون؛ ولولا أن تلك الأيام قصرت لم يخلص ذو جسد - وقال مرقس: فلولا أن الرب أقصر تلك الأيام لم يحي ذو جسد - لكن لأجل المتحببين قصرت تلك الأيام؛ فإن قال لكم أحد: إن المسيح ههنا فلا تصدقوا؛ فسيقوم مسيحو كذب وأنبياء كذبة؛ ويعطون علامات عظاما وآيات؛ ويضلون المختارين إن قدروا؛ هو ذا قد تقدمت وأخبرتكم؛ فإن قالوا لكم: إنه في البرية؛ فلا تخرجوا؛ أو في المخادع؛ فلا تصدقوا؛ وكما أن البرق يخرج من المشرق فيظهر في المغرب؛ كذلك يكون حضور ابن البشر؛ لأنه حيث تكون الجثة [ ص: 471 ] تجتمع النسور وتلوف؛ بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس؛ والقمر لا يعطي ضوءه؛ والكواكب تتساقط من السماء؛ وقوات ترتج؛ وحينئذ تظهر علامات ابن الإنسان في السماء؛ وتنوح كل قبائل الأرض؛ وترون ابن الإنسان آتيا في سحاب السماء؛ مع قوات؛ ومجد كثير؛ ويرسل الملائكة مع صوت الناقور العظيم؛ ويجمع مختاريه من الأربعة الأزياج من أقصى السماوات - وقال مرقس: من أطراف الأرض إلى أطراف السماء - فمن شجرة التينة - وقال لوقا: ومن كل الأشجار - تعلمون المثل؛ إذا لانت أغصانها وفرعت أوراقها؛ علمتم أن الصيف قد دنا؛ كذلك أنتم إذا رأيتم هذا كله علمتم أنه قد قرب على الأبواب؛ الحق أقول لكم؛ إن هذا الجيل لا يزول حتى يتم هذا كله؛ والأرض والسماء تزولان؛ وكلامي لا يزول؛ لأجل ذلك اليوم؛ وتلك الساعة لا يعرفها أحد ولا ملائكة السماوات - وقال مرقس: ولا الابن - إلا الأب وحده؛ وقال لوقا: سأله الفريسيون : متى يأتي ملكوت الله؟ فقال: ليس يأتي ملكوت الله برصد؛ ولا يقولون: هو ذا ههنا؛ [ ص: 472 ] أو هناك؛ ها هو ذا ملكوت الله; ثم قال لتلاميذه: ستأتي أيام تشتهون أن تروا يوما واحدا من أيام ابن الإنسان؛ ولا ترون؛ فإن قالوا لكم: هو ذا ههنا؛ أو هناك؛ فلا تذهبوا؛ ولا تسرعوا؛ لأنه كمثل البرق الذي يضيء في السماء؛ فيضيء تحت السماء؛ كذلك تكون أيام ابن البشر"؛ انتهى.
"وكما كان في أيام نوح - عليه الصلاة والسلام - كذلك يكون استعلاء ابن الإنسان؛ لأنه كما كانوا قبل أيام الطوفان يأكلون؛ ويشربون؛ ويتزوجون؛ إلى اليوم الذي دخل فيه نوح إلى السفينة؛ ولم يعلموا حتى جاء الطوفان؛ فأدرك جميعهم؛ كذلك يكون حضور ابن الإنسان; وقال لوقا: ومثلما كان في أيام لوط يأكلون؛ ويشربون؛ ويبيعون؛ ويشترون؛ ويغرسون؛ ويبنون؛ إلى اليوم الذي خرج فيه لوط من سدوم؛ وأمطر من السماء نارا وكبريتا؛ وأهلك جميعهم؛ كذلك في اليوم الذي يظهر فيه ابن الإنسان؛ وفي ذلك اليوم من كان في السطح وآلته في البيت لا ينزل كي يأخذها؛ ومن كان في الحقل أيضا لا يرجع هكذا إلى ورائه؛ انظروا إلى امرأة لوط؛ من أراد أن يحيي نفسها فليهلكها؛ ومن أهلكها أحياها؛ أقول لكم: إن في هذه الليلة - وقال متى: حينئذ - يكون اثنان في الحقل؛ يؤخذ واحد؛ ويترك الآخر؛ واثنتان تطحنان على رحى واحدة؛ تؤخذ الواحدة؛ وتترك [ ص: 473 ] الأخرى؛ وقال مرقس: فانظروا واسهروا وصلوا؛ لأنكم لا تعلمون متى يكون الزمان؛ اسهروا فإنكم لا تعملون متى يأتي رب البيت ليلا؛ يأتي بغتة فيجدكم نياما؛ والذي أقول لكم أقوله للجميع؛ اسهروا؛ قال لوقا: في كل حين؛ وتضرعوا لكي تقووا على الهرب في هذه الأمور الكائنة كلها؛ وتقفوا قدام ابن الإنسان؛ وقال متى: فاسهروا لأنكم لا تعلمون في أي ساعة يأتي ربكم؛ واعلموا أنه لو علم رب البيت في أي هجعة يأتي السارق لسهر ولم يدع بيته ينقب؛ كذلك كونوا مستعدين لأن ابن الإنسان يأتي ساعة لا تظنونها؛ من ترى هو العبد الأمين الحليم الذي يقيمه سيده على بيته ليعطيهم الطعام في حينه؛ طوبى لذلك العبد؛ يأتي سيده فيجده يعمل هكذا؛ الحق أقول لكم؛ إنه يقيمه على جميع ماله؛ فإن قال ذلك العبد الرديء في قلبه: إن سيدي يبطئ؛ فيبدأ يأكل ويشرب مع المسكرين فيأتي سيده في يوم لا يظنه؛ وساعة لا يعرفها؛ فيجعل نصيبه مع المرائين؛ هناك يكون البكاء وصرير الأسنان؛ يشبه ملكوت السماوات عشر عذارى أخذن [ ص: 474 ] مصابيحهن وخرجن للقاء العريس؛ خمس منهن جاهلات؛ وخمس حليمات؛ فأما الجاهلات فأخذن مصابيحهن ولم يأخذن زيتا؛ وأما الحليمات فأخذن زيتا في إناء مع مصابيحهن؛ فلما أبطأ العريس نعسن كلهن ونمن؛ وانتصف الليل فصرخ: هذا العريس قد أقبل؛ اخرجن للقائه؛ حينئذ قام جميع العذارى؛ وزين مصابيحهن؛ فقال الجاهلات للحليمات: أعطيننا من زيتكن؛ فإن مصابيحنا قد طفئت؛ فقلن: ليس معنا ما يكفينا وإياكن؛ فاذهبن إلى الباعة وابتعن لكن؛ فلما ذهبن ليبتعن جاء العريس؛ فالمستعدات ذهبن معه؛ وأغلق؛ فجاء بقية العذارى قائلات: يا رب؛ افتح لنا؛ فأجاب وقال: الحق أقول لكن؛ إني لا أعرفكن; اسهروا الآن فإنكم لا تعرفون ذلك اليوم؛ ولا تلك الساعة؛ كمثل إنسان أراد السفر؛ فدعا عبيدا له فأعطاهم ماله؛ فأعطى خمس وزنات لواحد؛ ووزنتين للآخر؛ وواحدا وزنة؛ كل منهم على قدر قوته؛ وسافر للوقت؛ فمضى الذي أخذ الخمس فاتجر فيها؛ فربح خمس وزنات أخرى؛ وهكذا الذي أخذ الوزنتين ربح فيهما وزنتين أخريين؛ وأما الذي أخذ الوزنة فمضى وحفر في الأرض؛ ودفن حصة سيده؛ وبعد زمان كثير جاء سيد هؤلاء فحاسبهم؛ فجاء الذي أخذ الخمس وزنات فأعطى خمس وزنات أخرى؛ قائلا: يا رب؛ خمس وزنات أعطيتني؛ وهذه خمس وزنات أخرى ربحتها؛ قال له سيده - قال لوقا - [ ص: 475 ] حبذا أيها العبد الصالح؛ ألفيت أمينا على القليل؛ وقال متى: نعم يا عبد صالح أمين؛ وجدت في القليل أمينا؛ أنا أقيمك على الكثير أمينا؛ ادخل إلى فرح سيدك؛ وجاء الذي أخذ الوزنتين فقال: يا سيد؛ وزنتين دفعت إلي؛ وهذان وزنتان أخريان؛ ربحتهما؛ فقال له سيده: نعم يا عبد صالح أمين؛ وجدت في القليل أمينا؛ أنا أقيمك على الكثير؛ ادخل إلى فرح سيدك؛ فجاء غير المصيب الذي أخذ الوزنة؛ فقال: يا سيد؛ عرفت أنك إنسان شديد؛ تحصد ما لم تزرع؛ وتجمع من حيث لا تبذر؛ فخفت؛ ومضيت فدفنت مالك في الأرض؛ هذا مالك؛ فأجاب سيده وقال: أيها العبد الشرير الكسلان؛ علمت أنني أحصد من حيث لا أزرع؛ وأجمع من حيث لا أبذر؛ كان ينبغي لك أن تجعل حصتي على مائدة؛ فأنا آتي وآخذه إلي مع أرباحه؛ خذوا منه الوزنة؛ وأعطوها للذي له عشر وزنات؛ لأن من له يعطى ويزاد؛ والذي ليس له يؤخذ منه ما معه؛ والعبد الشرير غير النافع ألقوه في الظلمة القصياء؛ هناك يكون البكاء وصرير الأسنان; إذا جاء ابن الإنسان في مجده؛ وجميع الملائكة المقدسين معه؛ حينئذ يجلس على [ ص: 476 ] كرسي مجده؛ ويجمع إليه كل الأمم؛ فيميز بعضهم من بعض؛ كما يميز الراعي الخراف من الجداء؛ ويقيم الخراف عن يمينه والجداء عن شماله؛ حينئذ يقول الملك للذين عن يمينه: تعالوا يا مباركي أبي؛ رثوا الملك المعد لكم من قبل إنشاء العالم؛ جعت فأطعمتموني؛ وعطشت فسقيتموني؛ وغريبا كنت فآويتموني؛ وعريانا فكسوتموني؛ ومريضا فعدتموني؛ ومحبوسا فأتيتم إلي؛ حينئذ يجيب الصديقون؛ ويقولون: يا رب؛ متى رأيناك جائعا فأطعمناك؛ أو عطشان فسقيناك؛ ومتى رأيناك غريبا فآويناك؛ أو عريانا فكسوناك؛ أو مريضا؛ أو محبوسا فأتينا إليك؟ فيجيب الملك؛ ويقول: الحق أقول لكم؛ الذي فعلتموه بأحد هؤلاء الحقيرين فبي فعلتم؛ حينئذ يقول للذين عن يساره: اذهبوا عني يا ملاعين إلى النار المؤبدة؛ المعدة لإبليس وجنوده؛ جعت فلم تطعموني... إلى آخره؛ فيذهب هؤلاء إلى العذاب الدائم؛ والصديقون إلى الحياة الأبدية.
ولما أكمل يسوع هذا الكلام كله قال لتلاميذه: علمتم أن بعد يومين يكون الفسح - وقال مرقس: وكان الفسح والفطير بعد يومين - واجتمع رؤساء الكيسر؛ والكهنة؛ ومشايخ الشعب؛ في دار رئيس الكهنة؛ الذي يقال له قيافا؛ فتشاوروا على يسوع ليمسكوه - قال [ ص: 477 ] مرقس: بمكر - ويقتلوه؛ وقالوا: ليس في العيد؛ لئلا يكون شجن; وقال مرقس: شغب في الشعب; وقال يوحنا: فجمع عظماء الكهنة الفريسيين محفلا؛ وقالوا: ماذا نصنع إذا كان هذا الرجل يعمل آيات كثيرة؛ وإن تركناه هكذا فسيؤمن به جميع الناس؛ وتأتي الروم فتتغلب على أمتنا؛ وإن واحدا منهم اسمه قيافا كان رئيس الكهنة؛ فقال: إنه خير لنا أن يموت رجل واحد عن الشعب من أن تهلك الأمة كلها؛ لأن يسوع كان مزمعا أن يجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد; وفي تلك الساعة تشاوروا على قتله؛ فأما يسوع فلم يكن يمشي بين اليهود علانية؛ ولكنه انطلق من هناك إلى البرية إلى كورة تسمى مدينة أفريم؛ وكان يتردد هناك مع تلاميذه؛ وكان عيد فسح اليهود قد قرب؛ فصعد كثير من القرى إلى يروشليم قبل الفسح ليطهروا أنفسهم؛ فطلب اليهود يسوع؛ وكانوا أمروا إن علم إنسان مكانه أن يدلهم عليه؛ وإن يسوع قبل ستة أيام من الفسح قصد إلى بيت عنيا حيث كان لعازر الميت الذي أقامه يسوع؛ فصنعوا له هناك وليمة؛ وجعلت [ ص: 478 ] مرتا تخدم؛ وعلم جمع كثير من اليهود؛ فجاؤوا إليه؛ ولينظروا إلى لعازر الذي أقامه من بين الأموات؛ وتشاور عظماء الكهنة أن يقتلوا لعازر؛ لأن كثيرا من اليهود من أجله كانوا يؤمنون بيسوع؛ وكان الجمع الذي معه يشهد له أنه دعا لعازر من القبر؛ وأقامه؛ ومن الغد سمعوا أن يسوع يأتي إلى يروشليم؛ فخرجوا للقائه يصرخون: مبارك الآتي باسم الرب ملك إسرائيل؛ ووجد يسوع حمارا فركبه - كما هو مكتوب: لا تخافي يا بنت صيون؛ هو ذا ملكك يأتيك راكبا على جحش - ابن أتان - ثم قال: وقال يسوع: قد قربت الساعة التي يمجد فيها ابن البشر؛ الحق الحق أقول لكم؛ إنه حبة الحنطة إن لم تقع في الأرض وتمت بقيت وحدها؛ وإن هي ماتت أتت بثمار كثيرة؛ من أحب نفسه فليهلكها؛ ومن أبغض نفسه في هذا العالم فإنه يحفظها لحياة الأبد؛ وقال: يا رباه؛ مجد اسمك؛ فجاء صوت من السماء: قد مجدت وأيضا أمجد؛ فسمع الجمع الذي كان واقفا؛ فقال بعضهم: إنما كان رعدا؛ وقال آخرون: إن ملاكا كلمه؛ قال يسوع: ليس من أجلي كان هذا الصوت؛ ولكن من أجلكم؛ [ ص: 479 ] وقد حضر الآن دينونة هذا العالم؛ الآن يلقى رئيس هذا العالم إلى خارج؛ وأنا إذا ارتفعت من الأرض جبيت إلي كل واحد؛ فأجاب الجمع: نحن سمعنا في الناموس أن المسيح يدوم إلى الأبد؛ فكيف تقول أنت: يرتفع ابن البشر؛ فقال لهم يسوع: إن النور معكم زمانا يسيرا؛ فسيروا ما دام لكم النور؛ لئلا يدرككم الظلام؛ إن الذي يمشي في الظلام ليس يدري أين يتوجه؛ فما دام لكم النور آمنوا بالنور؛ لتكونوا أبناء النور; تكلم يسوع بهذا؛ ثم مضى وتوارى عنهم؛ وقال: يا بني؛ أنا معكم زمانا قليلا؛ وتطلبونني فلا تجدونني؛ وكما قلت لليهود: إن الموضع الذي أمضي إليه أنا؛ لستم تقدرون على المضي إليه؛ قال يوحنا في محاورته ليهود في الهيكل: قال يسوع: أنا أمضي وتطلبونني وتموتون بخطاياكم؛ وحيث أنا أذهب لستم تقدرون على إتيانه؛ فقال اليهود: لعله يريد أن يقتل نفسه؛ فقال لهم: أنتم من أسفل؛ وأنا من فوق؛ أنتم من هذا العالم؛ وأما أنا فلست من هذا العالم؛ قد أخبرتكم أنكم تموتون بخطاياكم؛ فقالوا له: أنت من أنت؟ ثم قال: وقالوا له: إن أبانا هو إبراهيم؛ قال: لو كنتم بني إبراهيم كنتم تعملون أعمال إبراهيم؛ لكنكم تريدون قتل إنسان كلمكم بالحق الذي سمعه من الله (تعالى) ؛ ولم يفعل إبراهيم هذا؛ أنتم تعملون أعمال أبيكم؟ فقالوا: أما نحن فلسنا مولودين من زنا؛ [ ص: 480 ] فقال لهم: أنتم من أبيكم إبليس؛ وشهوة أبيكم تهوون؛ إن لم تعملوا ذلك الذي هو من البدء قتال الناس؛ ولم يلبث على الحق؛ لأنه ليس فيه حق؛ وإذا ما تكلم بالكذب فإنما يتكلم بما هو له؛ وأما أنا فأتكلم بالحق؛ ولستم تؤمنون بي؛ من منكم يوبخني على خطيئة؟ انتهى؛ وأقول لكم الآن أن يحب بعضكم بعضا كما أحببتكم؛ فبهذا يعرف كل أحد أنكم تلاميذي؛ وقال يسوع: من يؤمن بي ليس من يؤمن بي فقط؛ بل وبالذي أرسلني؛ ومن رآني فقد رأى الذي أرسلني؛ أنا جئت نور العالم لكي ينجو كل من يؤمن بي من الظلام؛ ومن يسمع كلامي ولا يؤمن بي أنا لا أدينه؛ لأني لم آت لأدين العالم؛ بل لأحيي العالم؛ من جحدني ولم يقبل كلامي فإن له من يدينه؛ الكلمة التي نطقت بها هي تدينه في اليوم الآخر؛ لأني لم أتكلم من نفسي؛ لأن الرب الذي أرسلني هو أعطاني الوصية؛ ثم قال: الحق الحق أقول لكم؛ من يؤمن بي يعمل الأعمال التي أعملها؛ وأفضل منها يصنع؛ إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي؛ وأنا أطلب من الأب يعطيكم فارقليط آخر؛ ليثبت معكم إلى الأبد - روح الحق الذي لم يطق العالم أن يقبلوه؛ لأنهم لم يروه؛ ولم يعرفوه؛ وأنتم تعرفونه؛ لأنه مقيم عندكم؛ وهو فيكم؛ لست أدعكم يتامى؛ لأني سوف أجيئكم عن قليل؛ من يحبني يحفظ كلمتي؛ ومن لا يحبني ليس يحفظ كلامي؛ الكلمة التي تسمعونها [ ص: 481 ] ليست لي؛ بل للرب الذي أرسلني؛ كلمتكم بهذا لأني عندكم مقيم؛ والفارقليط روح القدس الذي يرسله ربي باسمي؛ هو يعلمكم كل شيء؛ وهو يذكركم كل ما قلت لكم؛ السلام استودعتكم؛ سلامي خاصة أعطيكم؛ لا تقلق قلوبكم؛ ولا تجزع؛ قد سمعتم أني قلت لكم: إني منطلق؛ وعائد إليكم؛ لو كنتم تحبونني لكنتم تفرحون بمضيي إلى الرب؛ لأن الرب أعظم مني؛ وها قد قلت لكم قبل أن يكون؛ حتى إذا كان تؤمنون؛ ولست أكلمكم كثيرا لأن أركون العالم يأتي وليس له في شيء؛ ولكن ليعلم العالم أني أحب الرب؛ وكما أوصاني الرب كذلك أفعل؛ أنا هو الكرمة الحقيقية؛ وربي الغارس؛ كل غصن لا يأتي بثمار ينزعه؛ والذي يأتي بثمار ينقيه ليأتي بثمار كثيرة؛ أنتم لتيامن هذا الكلام الذي كلمتكم به اثبتوا في؛ وأنا فيكم؛ كما أن الغصن لا يطيق أن يأتي بالثمار من عنده إن لم يثبت في الكرمة؛ كذلك أنتم إن لم تثبتوا في؛ أنا هو الكرمة؛ وأنتم الأغصان؛ من ثبت في وأنا فيه يأتي بثمار كثيرة؛ وبغيري لستم تقدرون تعملون شيئا؛ فإن لم يثبت أحد في طرح خارجا مثل الغصن الذي يجني؛ فيأخذونه ويطرحونه في النار فيحترق؛ وإن أنتم ثبتم في وثبت كلامي فيكم كان لكم كل ما تريدونه؛ وبهذا يمجد ربي بأن تأتوا [ ص: 482 ] بثمار كثيرة؛ وأنتم أحبابي؛ إن علمتم كل ما وصيتكم به؛ إنما وصيتكم بهذا لكي يحب بعضكم بعضا؛ فإن كان العالم يبغضكم فاعلموا أنه قد أبغضني قبلكم؛ لو كنتم من العالم كان العالم يحب من هو منه؛ لكنكم لستم من العالم؛ بل اخترتكم من العالم؛ من أجل هذا يبغضكم العالم؛ لو لم آت وأكلمهم لم يكن لهم خطيئة؛ والآن ليس لهم حجة في خطيئتهم؛ لو لم أعمل أعمالا لم يعملها أحد لم يكن لهم خطيئة؛ لتتم الكلمة المكتوبة في ناموسهم؛ أنهم أبغضوني باطلا؛ إذا جاء الفارقليط الذي أرسله إليكم - روح الحق الذي من الرب ينبثق - هو يشهد وأنتم تشهدون؛ لأنكم معي صفوة؛ كلمتكم بهذا لكيلا تشكون؛ فإنهم سوف يخرجونكم من مجامعهم؛ ولم أخبركم بهذا من قبل لأني كنت معكم؛ والآن فإني منطلق إلى من أرسلني؛ أقول لكم الحق؛ إنه خير لكم أن أنطلق؛ لأني إن لم أنطلق لم يأتكم الفارقليط؛ فإذا انطلقت أرسلته إليكم؛ فإذا جاء ذاك فهو موبخ العالم على الخطيئة؛ وإن لي كلاما كثيرا أريد أن أقول لكم؛ ولكنكم لستم تطيقون حمله الآن؛ وإذا جاء روح الحق ذاك فهو يرشدكم إلى جميع الحق؛ لأنه ليس ينطق من عنده؛ بل يتكلم بكل ما يسمع؛ ويخبركم بما يأتي؛ وهو [ ص: 483 ] مجدني لأنه يأخذ مما هو لي؛ ويخبركم قليلا ولا ترونني؛ وقليلا وترونني؛ قالوا: ما هذا القليل الذي يقول؟ فقال لهم: أفي هذا يراطن بعضكم بعضا؟ الحق أقول لكم؛ إنكم تبكون وتنوحون؛ والعالم يفرح؛ وأنتم تحزنون؛ لكن حزنكم يؤول إلى فرح؛ كالمرأة إذا حضر ولادها تحزن؛ لأن قد جاءت ساعتها؛ فإذا ولدت ابنا لم تذكر الشدة من أجل الفرح؛ لأنها ولدت إنسانا في العالم; تكلم يسوع بهذا؛ ورفع عينيه إلى السماء؛ وقال: يا رب؛ قد حضرت الساعة فمجد عبدك ليمجدك عبدك؛ كما أعطيته السلطان على كل ذي جسد؛ ليعطي كل من أعطيته حياة الأبد؛ وهذه هي حياة الأبد أن يعرفوك أنك أنت إله الحق وحدك؛ والذي أرسلته يسوع المسيح؛ أنا قد مجدتك على الأرض؛ ذلك العمل الذي أعطيتني لأصنعه قد أكملت؛ والآن مجدني أنت يا رباه بالمجد الذي عندك؛ قد أظهرت اسمك للناس؛ الآن علموا أن كل ما أعطيتني هو من عندك؛ وعلموا حقا أني من عندك أتيت؛ وآمنوا أنك أرسلتني؛ وأنا أجيء إليك أيها الرب القدوس؛ احفظهم باسمك الذي أعطيتني؛ كي يكونوا واحدا كما نحن؛ إذ كنت معهم في العالم أنا كنت أحفظهم باسمك؛ ليس أسأل أن تنزعهم من العالم؛ بل أن تحفظهم من الشرير؛ لأنهم ليسوا من العالم؛ كما أني لست من العالم؛ قدسهم بحقك؛ فإن كلمتك خاصة هي الحق؛ كما أرسلتني إلى العالم [ ص: 484 ] أرسلتهم أنا أيضا إلى العالم؛ ولست أسأل في هؤلاء فقط؛ بل وفي الذين يؤمنون بي بقولهم؛ ليكونوا بأجمعهم واحدا؛ كما أنك يا رباه في؛ وأنا فيك؛ ليكونوا أيضا فينا واحدا؛ ليؤمن العالم أنك أرسلتني; قال يسوع هذا؛ وخرج مع تلاميذه إلى عين عمرة وادي الأرز؛ وكان هناك بستان؛ دخله هو وتلاميذه؛ وكان يهودا الذي أسلمه يعرف ذلك المكان؛ لأن يسوع كان يجتمع هناك مع تلاميذه كثيرا؛ وقبل عيد الفسح كان يسوع يعلم أن قد حضرت الساعة التي ينتقل فيها من هذا العالم؛ فلما حضر العشاء خامر الشيطان قلب يهودا شمعون الإسخريطي لكي يسلمه؛ فقام يسوع عن العشاء؛ وترك ثيابه وائتزر وسطه بمنديل؛ وبدأ يغسل أقدام التلامذة وينشفها بمنديل كان مؤتزرا به؛ فلما انتهى إلى شمعون الصفا قال له: أنت يا سيدي تغسل لي قدمي؟ فقال يسوع: إن الذي أصنعه لست تعرفه الآن؛ ولكنك ستعرفه فيما بعد؛ قال له شمعون الصفا: إنك لست غاسلا لي قدمي الآن؛ قال له يسوع: إن أنا لم أغسلهما فليس لك معي نصيب؛ قال شمعون: يا سيدي؛ ليس تغسل لي قدمي فقط؛ بل ويدي ورأسي؛ قال له يسوع: [ ص: 485 ] إن الذي يطهر لا يحتاج إلا إلى غسل قدميه; فلما غسل أرجلهم تناول ثيابه؛ واتكأ وقال لهم: تعلمون ما صنعت بكم؟ أنتم تدعونني معلما وربا؛ وما أحسن ما تقولون! فإذا كنت أنا معلمكم وربكم قد غسلت أقدامكم فأنتم أحرى أن يغسل بعضكم أرجل بعض؛ والحق الحق أقول لكم! ليس عبد أعظم من سيده؛ ولا رسول أعظم ممن أرسله؛ وقال: الحق والحق أقول لكم؛ إن واحدا منكم يسلمني; وقال متى: ولما كان يسوع في بيت عنيا في بيت شمعون الأبرص؛ جاءت امرأة معها قارورة طيب كثير الثمن؛ فأفاضته على رأسه وهو متكئ؛ حينئذ مضى أحد الاثني عشر - أي: الحواريين الذين سيذكرون في "المائدة"؛ و"الأنعام"؛ بأسمائهم - وهو الذي يقال له يهودا الإسخريطي؛ إلى رؤساء الكهنة؛ وقال لهم: ماذا تعطونني حتى أسلمه إليكم؟ فأقاموا له ثلاثين من الفضة؛ ومن ذلك الوقت جعل يطلب فرصة ليسلمه؛ وفي أول يوم الفطير - قال مرقس: لما ذبحوا الفسح - قال له تلاميذه: أين تريد حتى نستعد لتأكل الفسح؟ فقال: اذهبوا إلى المدينة إلى فلان؛ وقولوا له: المعلم يقول: زماني قد اقترب؛ وعندك أصنع الفسح مع تلاميذي؛ ففعل التلاميذ كما أمرهم يسوع؛ وأعدوا الفسح؛ وقال لوقا: وكان في النهار يعلم في الهيكل؛ ويخرج في الليل ليستريح في الجبل؛ الذي يدعى جبل الزيتون؛ وكان جميع الشعب يدلجون إليه ليسمعوا منه؛ وكان لما قرب عيد الفطير المسمى بالفسح [ ص: 486 ] تطلب الكهنة كيف يهلكونه؛ وكانوا يخافون من الشعب؛ فدخل الشيطان في يهودا الذي يدعى الإسخريطي؛ الذي كان من الاثني عشر؛ فمضى وكلم رؤساء الكهنة ليسلمه إليهم؛ ففرحوا؛ ووعدوه؛ وكان يطلب فرصة ليسلمه إليهم مفردا عن الجمع؛ فجاء يوم الفطير الذي يذبح فيه الفسح؛ فأرسل بطرس ويوحنا؛ وقال: امضيا وأعدا لنا الفسح؛ ثم قال: فانطلقا وأعدا الفسح؛ ولما كان المساء اتكأ مع الاثني عشر تلميذا؛ قال: فقال لهم: شهوة اشتهيت أن آكل معكم الفسح؛ فإني أقول لكم: إني أيضا لا آكل منه حتى يتم في ملكوت الله; وقال متى: وفيما هم يأكلون قال: الحق أقول لكم؛ إن واحدا منكم يسلمني؛ فحزنوا جدا؛ وشرع كل واحد منهم يقول: لعلي أنا هو; وقال يوحنا: وقال: الحق الحق أقول لكم؛ إن واحدا منكم يسلمني؛ فنظر التلاميذ بعضهم إلى بعض؛ وكان واحد من تلاميذه متكئا في حضن يسوع؛ وهو الذي كان يسوع يحبه؛ فأومأ شمعون الصفا إليه أن يعلمه من الذي قال لأجله; فوقع ذلك التلميذ على صدر يسوع؛ وقال له: يا سيدي؛ من هذا؟ فقال يسوع: هو الذي أبل خبزا وأناوله؛ فبل خبزا ودفعه إلى شمعون الإسخريطي؛ وقال متى: فقال: الذي يجعل يده معي في الصحفة هو يسلمني; وابن الإنسان ماض كما كتب [ ص: 487 ] من أجله؛ الويل لذلك الإنسان الذي يسلم ابن الإنسان؛ حبذا له لو لم يولد؛ أجابه يهودا؛ مسلمه؛ وقال: لعلي أنا هو يا معلم؛ قال: أنت؛ قال: فسبحوا وخرجوا إلى جبل الزيتون; وقال لوقا: فقال لهم: إن ملوك الأمم هم ساداتهم؛ والمسلطون عليهم؛ يدعون المحسنين إليهم؛ فأما أنتم فليس كذلك؛ لكن الكبير منكم يكون كالصغير؛ والمتقدم كالخادم؛ من أكبر؟ المتكئ أم الذي يخدم؟ أليس المتكئ؟ فأما أنا في وسطكم فمثل الخادم؛ وأنتم الذين صبرتم معي في تجاربي؛ وأنا أعد لكم كما وعدني ربي الملكوت؛ لتأكلوا وتشربوا على مائدتي في ملكوتي؛ وتجلسوا على كرسي؛ وتدينوا اثني عشر؛ سبط إسرائيل - إلى أن قال: ثم خرج كالعادة؛ ومضى إلى جبل الزيتون؛ ومعه أيضا تلاميذه؛ فلما انتهى إلى المكان قال لهم: صلوا لئلا تدخلوا التجربة؛ وانفرد عنهم كرمية حجر؛ وخر على ركبتيه؛ فصلى; وقال متى: حينئذ قال لهم يسوع: كلكم تشكون في هذه الليلة؛ لأنه مكتوب: أضرب الراعي؛ تفرق خراف الرعية؛ فأجاب بطرس وقال له: لو شك جميعهم لم أشك أنا؛ قال له يسوع: الحق أقول لك؛ في هذه الليلة قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات; وقال يوحنا: الحق الحق أقول لكم؛ لا يصيح الديك حتى تنكرني ثلاثا؛ لا تضطرب قلوبكم؛ آمنوا بالله؛ وآمنوا بي؛ [ ص: 488 ] وقال متى: قال له بطرس: لو ألجئت إلى أن أموت معك ما أنكرت; وقال مرقس: فتمادى بطرس وقال: يا أبت؛ وإن اضطررت إلى أن أموت معك ليس أنكرك؛ وهكذا قال جميع التلاميذ؛ حينئذ جاء معهم إلى قرية تدعى جسمانية؛ فقال للتلاميذ: اجلسوا ههنا لأمضي أصلي هناك؛ امكثوا واسهروا معي؛ وبعد ذلك خر على وجهه يصلي؛ وجاء إلى التلاميذ فوجدهم نياما؛ قال مرقس: فقال البطرس: يا شمعون؛ أنت نائم؟ ما قدرت تسهر معي ساعة واحدة؟ اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا التجارب؛ أما الروح فمستبشرة؛ وقالمرقس: فمستعدة؛ وأما الجسد فضعيف؛ ومضى أيضا وصلى؛ وجاء أيضا فوجدهم نياما؛ لأن عيونهم كانت ثقيلة؛ فتركهم; ومضى أيضا يصلي؛ قال لوقا: وظهر له ملاك من السماء ليقويه؛ وكان يصلي تواترا؛ وكان عرقه كعبيط الدم نازلا على الأرض؛ وقال متى: حينئذ جاء إلى التلاميذ وقال لهم: ناموا الآن واستريحوا؛ قد اقتربت الساعة؛ وفيما هو يتكلم إذ جاء يهودا الإسخريطي؛ أحد الاثني عشر؛ معه جمع كثير؛ بسيوف وعصي من عند رؤساء الكهنة؛ ومشايخ الشعب؛ والذي أسلمه أعطاهم علامة؛ وقال: الذي أقبله هو هو؛ فأمسكوه؛ وجاء إلى يسوع وقال له: السلام يا معلم؛ [ ص: 489 ] وقبله؛ فقال له يسوع: يا هذا؛ ألهذا جئت؟ حينئذ جاؤوا فوضعوا أيديهم على يسوع؛ وقبضوا عليه؛ ثم قال: في تلك الساعة قال يسوع للجموع: كأنكم قد خرجتم إلى لص بالسيوف والعصي لتأخذوني؛ في كل يوم كنت أجلس عندكم أعلم في الهيكل؛ فما قبضتم علي؛ وهذا كله كان لتكميل كتب الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -; وقال يوحنا: إن يهودا أخذ جندا من عند عظماء الكهنة؛ والفريسيين؛ وشرطا؛ وجاء إلى هناك بسرج؛ ومصابيح؛ وسلاح؛ ويسوع كان عارفا بكل شيء يأتي عليه؛ فخرج وقال لهم: من تطلبون؟ قالوا: يسوع الناصري؛ قال: أنا هو؛ وكان يهودا واقفا معهم؛ فلما قال: أنا هو؛ رجعوا إلى ورائهم؛ وسقطوا على الأرض؛ فقال يسوع: إن كنتم تطلبونني فدعوا هؤلاء يذهبوا؛ لتتم الكلمة التي قالها: إن الذي أعطيتني لن يهلك منهم أحد; وقال متى: حينئذ تركه تلاميذه كلهم وهربوا؛ والذين أخذوا يسوع اقتادوه إلى دار قيافا؛ رئيس الكهنة؛ وأما بطرس فأتبعه على بعد منه إلى دار رئيس الكهنة؛ ودخل إلى داخلها؛ وجلس مع الخدام لينظر التمام؛ وقال مرقس: وجلس مع الخدام عند النار؛ [ ص: 490 ] يصطلي; وقال يوحنا: وإن شمعون الصفا والتلميذ الآخر - يعني الذي تقدم أن عيسى كان يحبه - تبعا يسوع؛ وكان عظيم الكهنة يعرف ذلك التلميذ؛ فدخل يسوع إلى دار عظيم الكهنة؛ فأما شمعون فكان واقفا خارج الباب؛ فخرج التلميذ الآخر الذي كان معارف رئيس الكهنة؛ فقال للبوابة وأدخل شمعون بطرس؛ فقالت الجارية البوابة لشمعون: أما أنت من تلاميذ هذا الرجل؟ فقال لها: لا؛ وكان العبيد والشرط قياما يوقدون نارا ليصطلوا؛ لأنها كانت ليلة باردة؛ وقام شمعون معهم أيضا يصطلي: قال متى: فقال رئيس الكهنة: أستحلفك بالله الحي أن تقول لنا إن كنت أنت هو المسيح؛ قال له يسوع: أنت قلت; ثم ذكر أنهم أفتوا بقتله؛ وقال: عند ذلك بصقوا في وجهه؛ وستروا وجهه بثوب؛ ولطموا وجهه فوقه؛ قائلين: أيها المسيح؛ بين لنا من هو الذي ضربك؟ قال مرقس: وبينما بطرس في أسفل الدار جاءت فتاة من جواري رئيس الكهنة فقالت له: وأنت أيضا قد كنت مع يسوع الناصري; وقال متى: مع يسوع الجليلي؛ وقال لوقا: فلما رأته جارية جالسا عند الضوء ميزته فقالت: هذا أيضا كان معه؛ فأنكر؛ وقال: ما أعرفه; وقال متى: فجحد بين أيديهم أجمعين؛ وعند خروجه إلى الباب أبصرته جارية أخرى؛ فقالت: وهذا أيضا كان مع [ ص: 491 ] يسوع الناصري؛ فجحد أيضا بيمين: إني لست أعرف الرجل؛ وبعد قليل تقدم الوقوف فقالوا لبطرس: بالحقيقة إنك منهم أنت؛ لأن كلامك يدل عليك; وقال مرقس: وأنت جليلي؛ وكلامك يشبه كلامهم؛ وقال: حينئذ أقبل بطرس يلعن؛ ويحلف: إني لست أعرف الإنسان؛ وفي الحال صاح الديك؛ فذكر بطرس كلمة يسوع: قبل أن يصيح الديك؛ تجحدني ثلاثا؛ فخرج إلى خارج؛ وبكى بكاء مرا.
ولما كان الصبح عملوا كلهم مؤامرة على يسوع حتى يميتوه؛ فربطوه؛ وساقوه إلى بيلاطس النبطي؛ ولما أبصر يودس - يعني يهودا الإسخريطي - أنه قد حكم عليه؛ تندم ورد الثلاثين الفضة على رؤساء الكهنة؛ قائلا: قد أخطأت إذ أسلمت دما زكيا؛ فقالوا: ما علينا؛ فطرح الفضة في الهيكل ومضى؛ فخنق نفسه؛ فأخذ رؤساء الكهنة الفضة؛ وقالوا: لن يجوز لنا أن نلقيها في داخل الزكاة؛ لأنها ثمن دم؛ فتشاوروا وابتاعوا حقل الفاخوري لدفن الغرباء؛ لذلك دعي ذلك الحقل حقل الدم إلى اليوم؛ حينئذ تم قول إرميا النبي القائل: وأخذوا الثلاثين من الفضة؛ ثمن الدم الذي ثمنه بنو إسرائيل؛ وجعلوها في حقل الفاخوري؛ على ما رسم لي; وأما يسوع فوقف أمام الوالي؛ [ ص: 492 ] ثم ذكر أن الوالي كان كارها لقتله؛ وأن امرأته أرسلت إليه تقول: إياك ودم ذاك الصديق؛ فإني توجعت في هذا اليوم كثيرا من أجله في الحلم؛ وأنه اجتهد بهم ليطلقوه فأبوا إلا صلبه؛ وصاحوا عليه؛ وأنه قال لهم: أي شر عمل؟ فازدادوا صياحا؛ وقالوا: يصلب; فلما رأى بيلاطس أنه لا ينفع شيئا أخذ ماء وغسل يديه قدام الجمع؛ وقال: إنني بريء من دم هذا الصديق؛ فقالوا: دمه علينا وعلى أولادنا؛ وقال لوقا: وإن بيلاطس قال لرؤساء الكهنة: أنا لم أجد على هذا الإنسان علة - حتى قال: فلما علم أنه من سلطان هيرودس - يعني من الجليل - أرسله إلى هيرودس؛ لأنه كان في تلك الأيام بيروشليم؛ وأن هيرودس لما رأى يسوع فرح جدا؛ لأنه كان يشتهي أن يراه من زمان طويل؛ لما كان يسمع عنه من الأمور الكثيرة؛ وكان يرجو أن يعاين آية يعملها؛ وسأله عن كلام كثير ذكره؛ وذكر أنه لم يجبه؛ فاحتقره هيرودس وجنده؛ واستهزؤوا به؛ وألبسه ثيابا حمراء؛ وأرسله إلى بيلاطس؛ وصار بيلاطس وهيرودس صديقين في ذلك اليوم؛ لأنه كان بينهما عداوة؛ ثم ذكر أن بيلاطس قال لهم: لم أجد عليه علة آخذه بها؛ ولا هيرودس أيضا؛ وأنهم لم يقبلوا منه ذلك؛ وصاروا يصيحون: اصلبه؛ اصلبه؛ وقال يوحنا: ثم جلس - [ ص: 493 ] يعني: بيلاطس - على كرسي في موضع يعرف برصيف الحجارة؛ وبالعبرانية يسمى جاحلة".
ثم ذكر جميع نقلة أناجيلهم أنهم صلبوه بين لصين؛ وأنهم كانوا يستهزئون به؛ حتى اللصان المصلوبان; قال مرقس: فلما كانت الساعة السادسة تفشت الأرض كلها ظلمة إلى الساعة التاسعة؛ وأنه صاح بصوت عظيم منه: إلهي؛ إلهي؛ لم تركتني؟ فانشق ستر حجاب الهيكل باثنين من فوق إلى أسفل؛ والأرض تزلزلت؛ وتشققت الصخور؛ وتفتحت القبور؛ وكثير من أجساد القدسيين النيام قاموا من قبورهم؛ ودخلوا المدينة فظهروا لكثير؛ وكان هناك نسوة كثير ينظرن من بعيد؛ ومن اللاتي تبعن عيسى من الجليل؛ منهن مريم المجدلانية؛ ومريم أم يعقوب الصغير؛ وأم يوسا؛ وأم ابن يزبدي؛ وقال يوحنا: وكان واقفا عند صلبه أمه وأخت أمه؛ مريم ابنة إكلاوبا؛ ومريم المجدلية؛ ثم ذكروا أنه دفن; وذكر مرقس أنه كان يوم جمعة; وقال يوحنا: وأما اليهود - فلأنه يوم الجمعة - قالوا: هذه الأجساد لا تثبت على صلبها؛ لأن السبت كان عظيما؛ ثم ذكر أنهم أنزلوهم؛ وأن عيسى دفن; وقال متى: إن الملك جاء [ ص: 494 ] بعد ثلاث وأقامه؛ وقال للنسوة: إنه قد قام؛ فأسرعن فقلن لتلاميذه: هوذا سبقكم إلى الجليل؛ وإن رؤساء اليهود رشوا الجند الذين كانوا يحرسون قبره ليقولوا: إن تلاميذه سرقوه من القبر؛ فقالوا؛ وشاع ذلك عند اليهود إلى اليوم؛ فأما الأحد عشر تلميذا فمضوا إلى الجليل الذي أمروا به؛ فلما رأوه سجدوا له؛ وبعضهم شك; وقال لوقا: وفيما هم يتكلمون وقف عيسى إلى وسطهم؛ وقال لهم: السلام عليكم يا هؤلاء؛ لا تخافوا؛ فاضطربوا؛ وخافوا؛ وظنوا أنهم ينظرون روحا؛ فقال لهم: ما بالكم تضطربون؟ ولم يأتي الإنكار في قلوبكم؟ انظروا يدي ورجلي؛ فإني أنا هو؛ جسوني؛ وانظروا إلي؛ الروح ليس له لحم ولا عظم؛ كما ترون أنه لي؛ ولما قال هذا أراهم يديه ورجليه؛ وإذا هم غير مصدقين من الفرح؛ والتعجب؛ وقال لهم: أعندكم ههنا ما يؤكل؟ فأعطوه جزءا من حوت مشوي؛ ومن شهد عسل؛ فأخذ قدامهم وأكل؛ وأخذ الباقي وأعطاهم؛ ثم قال: ثم أخرجهم خارجا إلى بيت عنيا؛ فرفع يديه؛ وباركهم؛ وكان فيما هو يباركهم انفرد عنهم؛ وصعد إلى السماء; وقال يوحنا: إنه قال لمريم: امضي إلى إخوتي؛ وقولي لهم: إني صاعد إلى أبي؛ وأبيكم؛ وإلهي وإلهكم; وقال متى: فجاء [ ص: 495 ] يسوع؛ فكلمهم؛ فقال: أعطيت كل سلطان في السماء؛ وعلى الأرض؛ فاذهبوا الآن وتلمذوا كل الأمم.
انتهى ما أردته هنا من الأناجيل من هذه القصة؛ فقد بان لك أن أناجيلهم كلها اتفقت على أن علمهم في أمره انتهى إلى واحد؛ وهو الإسخريطي؛ وأما غيره من الأعداء فلم يكن يعرفه؛ وأنه إنما وضع يده عليه؛ ولم يقل بلسانه: إنه هو؛ وأن الوقت كان ليلا؛ وأن عيسى نفسه قال لأصحابه: كلكم تشكون في هذه الليلة؛ وأن تلاميذه كلهم هربوا؛ فلم يكن لهم علم بعد ذلك بما اتفق في أمره؛ وأن بطرس إنما تبعه من بعيد؛ وأن الذي دل عليه خنق نفسه؛ وأن الناقل لأن الملك قال: إنه قام من الأموات؛ إنما هو نسوة كن عند القبر في مدى بعيد؛ وما يدري النسوة الملك من غيره - ونحو ذلك من الأمور التي لا تفيد غير الظن بالجهد؛ وأما الآيات التي وقعت فعلى تقدير تسليمها لا يضرنا التصديق بها؛ وتكون لجرأتهم على الله بصلب من يظنونه المسيح؛ ومن أحسن ما في ذلك قوله بعد اجتماعهم به بعد رفعه: "أعطيت كل سلطان"؛ فأثبت أن المعطي غيره؛ وهذا كله يصادق القرآن في أنهم في شك منه؛ ويدل على أن المصلوب - إن صح أنهم صلبوه من ظنوه إياه - هو الذي دل عليه؛ كما [ ص: 496 ] قال بعض العلماء: إنه ألقي شبهه عليه؛ ويؤيد ذلك قولهم: إنه خنق نفسه؛ فالظاهر أنهم لما لم يروه بعد ذلك ظنوا أنه خنق نفسه؛ فجزموا به - والله أعلم؛ وقوله: "إنك يا رباه في؛ وأنا فيك؛ ليكونوا - أي: التلاميذ – فينا"؛ ونحوه؛ مما يوهم حلولا؛ المراد به الاتحاد في المراد؛ بحيث إن واحدا منهم لا يريد إلا ما يريد الآخر؛ ولا يرضى إلا ما يرضاه؛ فهو من وادي ما في الحديث القدسي: إلى آخره؛ وكذا إطلاق الابن؛ والأب؛ معناه أنه يعاملهم في لطفه معاملة الأب ابنه؛ فالمراد الغاية؛ كما يؤول ذلك في إطلاق الغضب والمحبة؛ ونحو ذلك؛ في حق الله (تعالى) ؛ في شرعنا؛ وقد مضى كثير من رد المتشابه في مثل ذلك إلى المحكم؛ في "آل عمران"؛ ومضى في ذلك الموضع؛ وغيره؛ أن كل ما أوهم نقصا لا يجوز في شرعنا إطلاقه على الله (تعالى) ؛ والله الموفق.
"كنت سمعه الذي يسمع به..."؛