2650 - إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم
وقد أحسن في التعبير عن ذلك فقال : " شبه فريق الكافرين بالأعمى والأصم ، وفريق المؤمنين بالبصير والسميع ، وهو من اللف والطباق ، وفيه معنيان : أن يشبه الفريقين تشبيهين اثنين ، كما شبه الزمخشري امرؤ القيس قلوب الطير بالحشف والعناب ، وأن يشبه بالذي جمع بين العمى والصمم ، والذي جمع بين البصر والسمع ، على أن تكون الواو في " والأصم " وفي [ ص: 307 ] " والسميع " لعطف الصفة على الصفة كقوله : 2651 - ... ... ... ... ال صابح فالغانم فالآئب
2652 - كأن قلوب الطير رطبا ويابسا لدى وكرها العناب والحشف البالي
وأشار بقوله " الصابح فالغانم " إلى قوله :
2653 - يا ويح زيابة للحارث ال صابح فالغانم فالآئب
فإن قلت : لم قدم تشبيه الكافر على المؤمن ؟ أجيب بأن المتقدم ذكر الكفار فلذلك قدم تمثيلهم . فإن قيل : ما الحكمة في العدول عن هذا التركيب لو قيل : كالأعمى والبصير والأصم والسميع لتتقابل كل لفظة مع ضدها ، ويظهر بذلك التضاد ؟ أجيب : بأنه تعالى لما ذكر انسداد العين أتبعه بانسداد الأذن ، ولما ذكر انفتاح العين أتبعه بانفتاح الأذن ، وهذا التشبيه أحد [ ص: 308 ] الأقسام وهو تشبيه أمر معقول بأمر محسوس : وذلك أنه شبه عمى البصيرة وصممها بعمى البصر وصمم السمع ، ذاك متردد في ظلم الضلالات ، كما أن هذا متحيز في الطرقات . وهذه فوائد علم البيان .
قوله : مثلا تمييز ، وهو منقول من الفاعلية ، والأصل : هل يستوي مثلهما ، كقوله تعالى : واشتعل الرأس شيبا . وجوز - رحمه الله - أن يكون حالا ، وفيه بعد صناعة ومعنى ؛ لأنه على معنى " من " لا على معنى " في " . ابن عطية