وجعل هذه الهمزة أصلية فقال: "والهمزة على هذا أصل مثل "حملاق" وليست للتأنيث إذ ليس في الكلام مثل [حمراء والياء أصل إذ ليس في الكلام "سنأ"] يعني: مادة سين ونون وهمزة. وهذا مخالف لما تقدم من كونها بدلا من زائد ملحق بالأصل. على أن كلامه محتمل للتأويل إلى ما تقدم، وعلى هذا فمنع الصرف للتعريف والتأنيث; لأنها اسم بقعة بعينها، [ ص: 327 ] وقيل: للتعريف والعجمة، قال بعضهم: والصحيح أن "سيناء" اسم أعجمي نطقت به أبو البقاء العرب فاختلفت فيه لغاتها فقالوا: سيناء كحمراء وصفراء، وسيناء كعلباء وحرباء وسينين كخنذيذ وزحليل، والخنذيذ: الفحل والخصي أيضا، فهو من الأضداد، وهو أيضا رأس الجبل المرتفع، والزحليل: المتنحي من زحل إذا تنحى.
وقال "طور سيناء وطور سينين: لا يخلوا: إما أن يضاف فيه الطور إلى بقعة اسمها سيناء، وسينون، وإما أن يكون اسما للجبل مركبا من مضاف ومضاف إليه الزمخشري: كامرئ القيس وبعلبك، فيمن أضاف. فمن كسر سين "سيناء" فقد منع الصرف للتعريف والعجمة، أو التأنيث، لأنها بقعة وفعلاء لا تكون ألفه للتأنيث كعلباء وحرباء. قلت: وكون ألف فعلاء بالكسر ليست للتأنيث هو قول أهل البصرة، وأما الكوفيون فعندهم أن ألفها تكون للتأنيث، فهي عندهم ممنوعة للتأنيث اللازم كحمراء وبابها. وكسر السين من "سيناء" لغة كنانة.
وأما القراءة الثانية فألفها للتأنيث، فمنع الصرف واضح. قال "وهمزته للتأنيث إذ ليس في الكلام فعلال بالفتح. وما حكى أبو البقاء: من قولهم: "ناقة فيها خزعال" لا يثبت، وإن ثبت فهو شاذ لا يحمل عليه". الفراء
[ ص: 328 ] وقد وهم بعضهم فجعل "سيناء" مشتقة من السنا وهو الضوء، ولا يصح ذلك لوجهين أحدهما: أنه ليس عربي الوضع. نصوا على ذلك كما [654/أ] تقدم، الثاني: أنا - وإن سلمنا- أنه عربي الوضع، لكن المادتان مختلفتان، فإن عين "السنا" نون وعين "سيناء" ياء. كذا قال بعضهم. وفيه نظر; إذ لقائل أن يقول: لا نسلم أن عين "سيناء" ياء، بل هي عينها نون وياؤها مزيدة، وهمزتها منقلبة عن واو كما قلبت السناء، ووزنها حينئذ فيعال، وفيعال موجود في كلامهم كميلاع وقيتال مصدر قاتل.
قوله "تنبت" قرأ ابن كثير "تنبت" بضم التاء وكسر الباء. والباقون بفتح التاء وضم الباء. فأما الأولى ففيها ثلاثة أوجه، أحدها: أن "أنبت" بمعنى نبت فهو مما اتفق فيه فعل وأفعل وأنشدوا وأبو عمرو، لزهير:
3409 - رأيت ذوي الحاجات عند بيوتهم قطينا لها حتى إذا أنبت البقل
أي: نبت، وأنكره الثاني: أن الهمزة للتعدية، والمفعول محذوف لفهم المعنى، أي: تنبت ثمرها أو جناها. و "بالدهن" أي: ملتبسا بالدهن. الثالث: أن الباء مزيدة في المفعول به كهي في "ولا تلقوا بأيديكم" وقول الشاعر: الأصمعي،
[ ص: 329 ]
3410 - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . سود المحاجر لا يقرأن بالسور
وقول الآخر:
3411 - نضرب بالسيف ونرجو بالفرج ... ... ... ...
وأما القراءة الأخرى فواضحة، والباء للحال من الفاعل أي: ملتسبة بالدهن، يعني: وفيها الدهن.
وقرأ الحسن والزهري "تنبت" مبنيا للمفعول، من أنبتها الله. و "بالدهن" حال من القائم مقام الفاعل أي: ملتبسة بالدهن. وابن هرمز
وقرأ "تنبت الدهن" من أنبت، وسقوط الباء هنا يدل على زيادتها في قراءة من أثبتها. زر بن حبيش والأشهب "بالدهان" وهو جمع دهن كرمح ورماح. وأما قراءة وسليمان بن عبد الملك "تثمر"، أبي "تخرج" فتفسير لا قراءة لمخالفة السواد. وعبد الله
والدهن: عصارة ما فيه دسم. والدهن بالفتح المسح بالدهن مصدر دهن يدهن، والمداهنة من ذلك; كأنه يمسح على صاحبه ليقر خاطره.
[ ص: 330 ] قوله: "وصبغ" العامة على الجر نسقا على "بالدهن". "وصبغا" بالنصب نسقا على موضع "بالدهن" كقراءة "وأرجلكم" في أحد محتملاته، والأعمش وعامر بن عبد الله "وصباغ" بالألف، وكانت هذه القراءة مناسبة لقراءة من قرأ "بالدهان". والصبغ والصباغ كالدبغ والدباغ وهو اسم ما يفعل به. وللآكلين" صفة.