وقرأ "تكن" بالجزم على جواب الأمر في قوله: "أنزل". قال عبد الله: : "وهما نظير الزمخشري "يرثني ويرث"، يريد: قوله تعالى: فهب لي من لدنك وليا يرثني بالرفع صفة، وبالجزم جوابا، ولكن القراءتان هناك متواترتان، والجزم هنا في الشاذ. [ ص: 504 ]
والعيد مشتق من العود؛ لأنه يعود كل سنة، قاله عن ثعلب وقال ابن الأعرابي. "النحويون يقولون: يوم العيد؛ لأنه يعود بالفرح والسرور، وعند العرب لأنه يعود بالفرح والحزن، وكل ما عاد إليه في وقت فهو عيد، حتى قالوا للطيف: عيد"، قال ابن الأنباري: الأعشى:
1847 - فواكبدي من لاعج الحب والهوى إذا اعتاد قلبي من أميمة عيدها
أي: طيفها، وقال تأبط شرا:
1848 - يا عيد ما لك من شوق وإيراق ... ... ... ...
وقال:
1849 - عاد قلبي من الطويلة عيد ... ... ... ...
وقال "والعيد حالة تعاود الإنسان، والعائدة: كل نفع يرجع إلى الإنسان بشيء، ومنه "العود" للبعير المسن: إما لمعاودته السير والعمل، فهو بمعنى فاعل، وإما لمعاودة السنين إياه ومرها عليه، فهو بمعنى مفعول، قال: الراغب: امرؤ القيس: [ ص: 505 ]
1850 - على لاحب لا يهتدى بمناره إذا سافه العود النباطي جرجرا
وصغروه على "عييد"، وكسروه على "أعياد"، وكان القياس عويد وأعود، لزوال موجب قلب الواو ياء؛ لأنها إنما قلبت لسكونها بعد كسرة كـ "ميزان"، وإنما فعلوا ذلك، قالوا: فرقا بينه وبين عود الخشب.
قوله: "لأولنا وآخرنا" فيه وجهان، أحدهما: أنه متعلق بمحذوف؛ لأنه وقع صفة لـ "عيدا". الثاني: أنه بدل من "نا" في "لنا"، قال : الزمخشري "لأولنا وآخرنا" بدل من "لنا" بتكرير العامل"، ثم قال: "وقرأ زيد بن ثابت والجحدري: "لأولانا وأخرانا"، والتأنيث على معنى الأمة". وخصص كل وجه بشيء، وذلك أنه قال: "فأما "لأولنا وآخرنا" فإذا جعلت "لنا" خبرا وحالا من فاعل "تكون"، فهو صفة لـ "عيدا"، وإن جعلت "لنا" صفة لـ "عيد"، كان "لأولنا" بدلا من الضمير المجرور بإعادة الجار". قلت: إنما فعل ذلك؛ لأنه إذا جعل "لنا" خبرا كان "عيدا" حالا، وإن جعله حالا كان "عيدا" خبرا، فعلى التقديرين لا يمكنه جعل "لأولنا" بدلا من "لنا"؛ لئلا يلزم الفصل بين البدل والمبدل منه: إما بالحال وإما بالخبر وهو "عيد"، بخلاف ما إذا جعل "لنا" صفة لـ "عيد"، هذا الذي يظهر في تخصيصه ذلك بذلك، ولكن يقال: قوله: "فإن جعلت لنا صفة لعيدا كان لأولنا بدلا" مشكل أيضا؛ لأن الفصل فيه موجود، لا سيما أن قوله لا يحمل على ظاهره؛ لأن "لنا" ليس صفة بل هو حال مقدمة، ولكنه نظر إلى الأصل، وأن التقدير: عيدا لنا لأولنا، [ ص: 506 ] فكأنه لا فصل، والظاهر جواز البدل، والفصل بالخبر أو الحال لا يضر؛ لأنه من تمامه فليس بأجنبي. أبو البقاء
واعلم أن البدل من ضمير الحاضر سواء كان متكلما أم مخاطبا لا يجوز عند جمهور البصريين من بدل الكل من الكل، لو قلت: "قمت زيد" يعني: نفسك، و "ضربتك عمرا" لم يجز، قالوا: لأن البدل إنما يؤتى به للبيان غالبا، والحاضر متميز بنفسه، فلا فائدة في البدل منه، وهذا يقرب من تعليلهم في منع وصفه. وأجاز الأخفش ذلك مطلقا مستدلا بظاهر هذه الآية وبقوله:
1851 - أنا سيف العشيرة فاعرفوني حميدا قد تذريت السناما
فـ "حميدا" بدل من ياء اعرفوني، وقول الآخر:
1852 - وشوهاء تغدو بي إلى صارخ الوغى بمستلئم مثل الفنيق المدجل
وقوله:
1853 - بكم قريش كفينا كل معضلة وأم نهج الهدى من كان ضليلا
وفي الحديث: " ". [ ص: 507 ] والبصريون يؤولون جميع ذلك، أما الآية الكريمة فعلى ما تقدم في الوجه الأول، وأما "حميدا" فمنصوب على الاختصاص، وأما "بمستلئم" فمن باب التجريد، وهو شيء يعرفه أهل البيان، يعني: أنه جرد من نفسه ذاتا متصفة بكذا، وأما "قريش" فالرواية بالرفع على أنه منادى نون ضرورة، كقوله: أتينا النبي صلى الله عليه وسلم نفر من الأشعريين
1854 - سلام الله يا مطر عليها وليس عليك يا مطر السلام
وأما "نفر" فخبر مبتدأ مضمر؛ أي: نحن، ومنع ذلك بعضهم إلا أن يفيد البدل توكيدا وإحاطة شمول فيجوز، واستدل بهذه الآية، وبقول الآخر:
1855 - فما برحت أقدامنا في مقامنا ثلاثتنا حتى أزيروا المنائيا
بجر "ثلاثتنا" بدلا من "نا"، ولا حجة فيه؛ لأن "ثلاثتنا" توكيد جار مجرى "كل".