1858 - على حين عاتبت المشيب على الصبا فقلت: ألما أصح والشيب وازع
وخرجوا هذه القراءة على أن "يوم" منصوب على الظرف، وهو متعلق في الحقيقة بخبر المبتدإ؛ أي: هذا واقع أو يقع في يوم ينفع، فيستوي هذا مع تخريج القراءة الأولى والثانية أيضا في المعنى. ومنهم من خرجه على أن "هذا" منصوب بـ "قال"، وأشير به إلى المصدر فنصبه على المصدر، وقيل: بل أشير به إلى الخبر والقصص المتقدمة فيجري في نصبه خلاف: [ ص: 521 ] هل هو منصوب نصب المفعول به أو نصب المصادر ؟ لأنه متى وقع بعد القول ما يفهم كلاما، نحو: "قلت شعرا وخطبة" جرى فيه هذا الخلاف، وعلى كل تقدير فـ "يوم" منصوب على الظرف بـ "قال"؛ أي: قال الله هذا القول أو هذه الأخبار في وقت نفع الصادقين، و "ينفع" في محل خفض بالإضافة، وقد تقدم ما يجوز إضافته إلى الجمل، وأنه أحد ثلاثة أشياء. وأما قراءة التنوين فرفعه على الخبرية كقراءة الجماعة، ونصبه على الظرف كقراءة إلا أن الجملة بعده في القراءتين في محل الوصف لما قبلها، والعائد محذوف، وهي نظيرة قوله تعالى: نافع، يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ، فيكون محل هذه الجملة إما رفعا أو نصبا.
قوله: "صدقهم" مرفوع بالفاعلية، وهذه قراءة العامة، وقرئ شاذا بنصبه وفيه أربعة أوجه، أحدها: أنه منصوب على المفعول من أجله؛ أي: ينفعهم لأجل صدقهم، ذكر ذلك ، وتبعه الشيخ، وهذا لا يجوز؛ لأنه فات شرط من شروط النصب، وهو اتحاد الفاعل، فإن فاعل النفع غير فاعل الصدق، وليس لقائل أن يقول: "ينصب بالصادقين، فكأنه قيل: الذين يصدقون لأجل صدقهم فيلزم اتحاد الفاعل"؛ لأنه يؤدي إلى أن الشيء علة لنفسه، وللقول فيه مجال. الثاني: على إسقاط حرف الجر؛ أي: بصدقهم، وهذا قد عرفت ما فيه أيضا من أن حذف الحرف لا يطرد. الثالث: أنه منصوب على المفعول به، والناصب له اسم الفاعل في أبو البقاء "الصادقين"؛ أي: الذين صدقوا صدقهم، مبالغة نحو: "صدقت القتال"، كأنك وعدت القتال [ ص: 522 ] فلم تكذبه، وقد يقوي هذا نصبه على المفعول له، والعامل فيه اسم الفاعل قبله. الرابع: أنه مصدر مؤكد، كأنه قيل: الذين يصدقون الصدق، كما تقول: "صدق الصدق"، وعلى هذه الأوجه كلها ففاعل "ينفع" ضمير يعود على الله تعالى. وقوله تعالى: رضي الله عنهم معناه الدعاء. وباقي السورة ظاهر الإعراب مما تقدم من نظائره، ولله الحمد.