ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا . فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميرا وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم وجعلناهم للناس آية وأعتدنا للظالمين عذابا أليما . وعادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا وكلا ضربنا له الأمثال وكلا تبرنا تتبيرا
قوله تعالى: اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا .
إن قيل : إنما عاينوا الآيات بعد [وجود] الرسالة ، فكيف يقع التكذيب منهم قبل وجود الآيات؟
فالجواب : أنهم كانوا مكذبين أنبياء الله وكتبه المتقدمة ، ومن كذب نبيا فقد كذب سائر الأنبياء ولهذا قال : وقوم نوح لما كذبوا الرسل ، وقال : يجوز أن يكون المراد به الزجاج نوح وحده ، وقد ذكر بلفظ الجنس ، كما يقال : فلان يركب الدواب ، وإن لم يركب إلا دابة واحدة ; وقد شرحنا هذا في (هود : 59) عند قوله : وعصوا رسله . وقد سبق معنى التدمير [الأعراف : 137] .
قوله تعالى: وأصحاب الرس في الرس ثلاثة أقوال .
أحدها : أنها بئر كانت تسمى الرس ، قاله في رواية ابن عباس . العوفي
[ ص: 90 ] وقال في رواية : هي بئر عكرمة بأذربيجان . وزعم أنها بئر دون ابن السائب اليمامة . وقال : بئر السدي بأنطاكية .
والثاني : أن الرس قرية من قرى اليمامة ، قاله . قتادة
والثالث : أنها المعدن ، قاله ، أبو عبيدة . وابن قتيبة
وفي تسميتها بالرس قولان .
أحدهما : أنهم رسوا نبيهم في البئر ، قاله . قال عكرمة : رسوه ، أي : دسوه فيها . الزجاج
والثاني : أن كل ركية لم تطو فهي رس ، قاله . ابن قتيبة
واختلفوا في أصحاب الرس على خمسة أقوال .
أحدها : أنهم قوم كانوا يعبدون شجرة ، فبعث الله تعالى إليهم نبيا من ولد يهوذا بن يعقوب ، فحفروا له بئرا وألقوه فيها ، فهلكوا ، قاله علي عليه السلام .
والثاني : أنهم قوم كان لهم نبي يقال له : حنظلة بن صفوان ، فقتلوا نبيهم فأهلكهم الله ، قاله . سعيد بن جبير
والثالث : أنهم كانوا أهل بئر ينزلون عليها ، وكانت لهم مواش ، وكانوا يعبدون الأصنام ، فبعث الله إليهم شعيبا ، فتمادوا في طغيانهم ، فانهارت البئر ، فخسف بهم وبمنازلهم ، قاله . وهب بن منبه
والرابع : أنهم الذين قتلوا حبيبا النجار ، قتلوه في بئر لهم ، وهو الذي قال : يا قوم اتبعوا المرسلين [يس:20] ، قاله . السدي
والخامس : أنهم قوم قتلوا نبيهم وأكلوه وأول من عمل السحر نساؤهم ، قاله . ابن السائب
[ ص: 91 ] قوله تعالى: وقرونا المعنى : وأهلكنا قرونا بين ذلك كثيرا أي : بين عاد وأصحاب الرس . وقد سبق بيان القرن [الأنعام : 6] . وفي هذه القصص تهديد لقريش .
قوله تعالى: وكلا ضربنا له الأمثال أي : أعذرنا إليه بالموعظة وإقامة الحجة وكلا تبرنا قال : التتبير : التدمير ، وكل شيء كسرته وفتتته فقد تبرته ، وكسارته : التبر ، ومن هذا قيل لمكسور الزجاج : التبر ، وكذلك تبر الذهب .
الزجاج