قوله تعالى: وكذلك جعلناكم أمة وسطا .
سبب نزولها أن اليهود قالوا: قبلتنا قبلة الأنبياء ، ونحن عدل بين الناس ، فنزلت هذه الآية ، قاله والأمة: الجماعة والوسط: العدل قاله مقاتل . ابن عباس ، وأبو سعيد ، ومجاهد ، وقال وقتادة ، الوسط: العدل ، الخيار ، ومنه قوله تعالى: ابن قتيبة: قال أوسطهم [ القلم: 28 ] . أي: أعدلهم ، وخيرهم . قال الشاعر:
هم وسط يرضى الأنام بحكمهم إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم
وأصل ذلك أن خير الأشياء أوساطها ، والغلو والتقصير مذمومان . وذكر أنه من التوسط في الفعل ، فإن المسلمين لم يقصروا في دينهم كاليهود ، فإنهم قتلوا الأنبياء ، وبدلوا كتاب الله ، ولم يغلوا كالنصارى ، فإنهم زعموا أن ابن جرير الطبري عيسى ابن الله . وقال في هذا الكلام محذوف ، ومعناه: جعلت قبلتكم وسطا بين القبلتين ، فإن اليهود يصلون نحو المغرب ، والنصارى نحو المشرق ، وأنتم بينهما . أبو سليمان الدمشقي:
قوله تعالى: لتكونوا شهداء على الناس فيه قولان . أحدهما: أن معناه: لتشهدوا للأنبياء على أممهم . روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أبو سعيد الخدري يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرجل ، ويجيء النبي ومعه الرجلان ، ويجيء النبي ومعه أكثر من ذلك ، فيقال لهم: أبلغكم هذا؟ فيقولون: لا ، فيقال: للنبي: أبلغتهم؟ فيقول: نعم ، فيقال: من يشهد لك؟ قال: محمد وأمته; فيشهدون أن الرسل قد بلغوا ، فيقال: ما علمكم؟ فيقولون: [ ص: 155 ] أخبرنا نبينا أن الرسل قد بلغوا ، فصدقناه ، فذلك قوله: لتكونوا شهداء على الناس وهذا مذهب عكرمة ، والثاني: أن معناه: لتكونوا شهداء وقتادة . لمحمد صلى الله عليه وسلم ، على الأمم: اليهود والنصارى والمجوس ، قاله مجاهد .
قوله تعالى: ويكون الرسول عليكم شهيدا يعني: محمدا صلى الله عليه وسلم ، وبماذا يشهد عليهم؟ في ثلاثة أقوال . أحدها: بأعمالهم ، قاله ابن عباس ، وأبو سعيد الخدري ، والثاني: بتبليغهم الرسالة ، قاله وابن زيد . قتادة ، والثالث: بإيمانهم ، قاله ومقاتل . فيكون على هذا "عليكم" بمعنى: لكم . قال أبو العالية . لا يسأل عن هذه الأمة إلا نبيها . عكرمة:
قوله تعالى: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها يريد: قبلة بيت المقدس . (إلا لنعلم) فيه أربعة أقوال . أحدها: لنرى . والثاني: لنميز . رويا عن والثالث: لنعلمه واقعا ، إذ علمه قديم ، قاله جماعة من أهل التفسير ، وهو يرجع إلى قول ابن عباس . "لنرى" والرابع: أن العلم راجع إلى المخاطبين ، والمعنى: لتعلموا أنتم ، قاله ابن عباس: الفراء .
قوله تعالى: ممن ينقلب على عقبيه أي: يرجع إلى الكفر ، قاله ابن زيد ، ومقاتل .
قوله تعالى: وإن كانت لكبيرة في المشار إليها قولان . أحدهما: أنه التولية إلى الكعبة ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والثاني: أنها قبلة ومقاتل . بيت المقدس قبل التحول عنها ، قاله أبو العالية ، والزجاج .
قوله تعالى: وما كان الله ليضيع إيمانكم نزل على سبب; وهو بيت المقدس؟! فأنزل الله وما كان الله ليضيع إيمانكم والإيمان المذكور هاهنا أريد به: الصلاة في قول الجماعة . وقيل: إنما سميت [ ص: 156 ] الصلاة إيمانا ، لاشتمالها على قول ونية وعمل . قال أن المسلمين قالوا: يا رسول الله! أرأيت إخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى وإنما أسند الإيمان إلى الأحياء [من المؤمنين ] والمعنى: فيمن مات [من المسلمين قبل أن تحول القبلة ] لأنهم داخلون معهم في الملة . قوله تعالى: الفراء: (لرءوف) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وابن عامر ، وحفص عن (لرؤوف) على وزن: لرعوف ، في جميع القرآن ، ووجهها: أن فعولا أكثر في كلامهم من فعل ، فباب ضروب وشكور ، أوسع من باب حذر ويقظ . وقرأ عاصم: أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، عن وأبو بكر (لرؤف) على وزن: رعف . ويقال: هو الغالب على أهل عاصم: الحجاز . قال جرير:
ترى للمسلمين عليك حقا كفعل الوالد الرؤف الرحيم
والرؤوف بمعنى: الرحيم ، هذا قول وذكر الزجاج . عن بعض أهل العلم أن الخطابي . قال: ويقال: الرأفة أخص ، والرحمة أعم . الرأفة أبلغ الرحمة وأرقها