يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير
قوله تعالى: قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقاية النفس: بامتثال الأوامر، واجتناب النواهي، ووقاية الأهل: بأن يؤمروا بالطاعة، وينهوا عن المعصية . وقال علي رضي الله عنه: علموهم وأدبوهم "وقودها الناس والحجارة" وقد [ ص: 313 ] ذكرناه في [البقرة: 24] عليها ملائكة غلاظ على أهل النار شداد عليهم .
وقيل: غلاظ القلوب شداد الأبدان . وروى عن أبو صالح قال: خزنة النار تسعة عشر، ما بين منكبي أحدهم مسيرة سنة، وقوته: أن يضرب بالمقمعة، فيدفع بتلك الضربة سبعين ألفا، فيهوون في قعر جهنم ابن عباس "لا يعصون الله ما أمرهم" أي: لا يخالفون فيما يأمر "ويفعلون ما يؤمرون" فيه قولان .
أحدهما: لا يتجاوزون ما يؤمرون . والثاني: يفعلونه في وقته لا يؤخرونه، ولا يقدمونه . ويقال لأهل النار: "يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم .
قوله تعالى: توبوا إلى الله توبة نصوحا قرأ أبو بكر عن عاصم، وخارجة عن "نصوحا" بضم النون . والباقون بفتحها . قال نافع فمن فتح فعلى صفة التوبة، ومعناه: توبة بالغة في النصح، "وفعول" من أسماء الفاعلين التي تستعمل للمبالغة في الوصف . تقول: رجل صبور، وشكور . ومن قرأ بالضم، فمعناه: ينصحون فيها نصوحا، يقال: نصحت له نصحا، ونصاحة، ونصوحا . وقال غيره: من ضم أراد: توبة نصح لأنفسكم . وقال [ ص: 314 ] الزجاج: التوبة النصوح: أن يتوب العبد من الذنب وهو يحدث نفسه أنه لا يعود . وسئل عمر بن الخطاب: عن التوبة النصوح، فقال: ندم بالقلب، واستغفار باللسان، وترك بالجوارح، وإضمار أن لا يعود . وقال الحسن البصري التوبة النصوح تكفر كل سيئة، ثم قرأ هذه الآية . ابن مسعود:
قوله تعالى: يوم لا يخزي الله النبي قد بينا معنى "الخزي" في [آل عمران: 192] وبينا معنى قوله تعالى: نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم في [الحديد: 12] يقولون ربنا أتمم لنا نورنا وذلك إذا رأى المؤمنون نور المنافقين يطفأ سألوا الله تعالى أن يتمم لهم [نورهم]، ويبلغهم به الجنة . قال ليس أحد من المسلمين إلا يعطى نورا يوم القيامة . فأما المنافق فيطفأ نوره، والمؤمن مشفق مما رأى من إطفاء نور المنافق، فهم يقولون: ابن عباس: "ربنا أتمم لنا نورنا" .