فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا فمن الناس [ ص: 215 ] من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون .
قوله تعالى: فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله
في سبب نزولها ثلاثة أقوال .
أحدها: أن أهل الجاهلية كانوا إذا اجتمعوا بالموسم ، ذكروا أفعال آبائهم وأيامهم وأنسابهم في الجاهلية ، فتفاخروا بذلك; فنزلت هذه الآية . وهذا المعنى مروي عن الحسن ، وعطاء ، ومجاهد .
والثاني: أن العرب كانوا إذا حدثوا أو تكلموا يقولون: وأبيك إنهم لفعلوا كذا وكذا فنزلت هذه الآية . وهذا مروي عن أيضا . الحسن
والثالث: أنهم كانوا إذا قضوا مناسكهم ، قام الرجل بمنى . فقال: اللهم إن أبي كان عظيم الجفنة ، كثير المال ، فأعطني مثل ذلك ، فلا يذكر الله ، إنما يذكر أباه ، ويسأل أن يعطى في دنياه ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول السدي .
والمناسك: المتعبدات . وفي المراد بها هاهنا قولان . أحدهما: أنها جميع أفعال الحج ، قاله والثاني: أنها إراقة الدماء ، قاله الحسن . وفي ذكرهم آبائهم أربعة أقوال . أحدها: أنه إقرارهم بهم . والثاني: أنه حلفهم بهم . والثالث: أنه ذكر إحسان آبائهم إليهم ، فإنهم كانوا يذكرونهم وينسون إحسان الله إليهم . والرابع: أنه ذكر الأطفال الآباء ، لأنهم أول نطقهم بذكر آبائهم ، روي هذا المعنى عن مجاهد . عطاء ، . وفي "أو" قولان . أحدهما: أنها بمعنى "بل" . والثاني: بمعنى الواو . و"الخلاق" قد تقدم ذكره . والضحاك
[ ص: 216 ] وفي حسنة الدنيا سبعة أقوال . أحدها: أنها المرأة الصالحة ، قاله علي . والثاني: أنها العبادة ، رواه سفيان بن حسين عن والثالث: أنها العلم والعبادة ، رواه الحسن . هشام عن والرابع: المال ، قاله الحسن . أبو وائل ، والسدي ، والخامس: العافية ، قاله وابن زيد . والسادس: الرزق الواسع ، قاله قتادة . والسابع: النعمة ، قاله مقاتل . ابن قتيبة .
وفي حسنة الآخرة ثلاثة أقوال . أحدها: أنها الحور العين ، قاله علي ، رضي الله عنه . والثاني: الجنة ، قاله الحسن ، والسدي ، والثالث: العفو والمعافاة ، روي عن ومقاتل . الحسن ، والثوري .
قوله تعالى: أولئك لهم نصيب مما كسبوا قال معناه: دعاؤهم مستجاب ، لأن كسبهم هاهنا هو الدعاء ، وهذه الآية متعلقة بما قبلها ، إلا أنه قد روي أنها نزلت على سبب يخالف سبب أخواتها ، فروى الزجاج: عن الضحاك ابن عباس أن رجلا قال: يا رسول الله: مات أبي ولم يحج ، أفأحج عنه؟ فقال: "لو كان على أبيك دين قضيته ، أما كان ذلك يجزئ عنه؟" قال: نعم ، قال: "فدين الله أحق أن يقضى!" قال: فهل لي من أجر؟ فنزلت هذه الآية .
وفي معنى سرعة الحساب خمسة أقوال . أحدها: أنه قلته ، قاله والثاني: أنه قرب مجيئه ، قال ابن عباس . والثالث: أنه لما علم ما للمحاسب وما عليه قبل حسابه ، كان سريع الحساب لذلك . والرابع: أن المعنى: والله سريع المجازاة ، ذكر هذا القول والذي قبله مقاتل . والخامس: أنه لا يحتاج إلى فكر وروية كالعاجزين ، قاله الزجاج . أبو سليمان الدمشقي .
[ ص: 217 ] قوله تعالى: واذكروا الله في أيام معدودات في هذا الذكر قولان . أحدهما: أنه ، وأدبار الصلوات ، وغير ذلك من أوقات الحج . والثاني: أنه التكبير عقيب الصلوات المفروضات . واختلف أرباب هذا القول في التكبير عند الجمرات ويقطع على ستة أقوال . أحدها: أنه يكبر من صلاة الفجر يوم الوقت الذي يبتدئ فيه بالتكبير عرفة ، إلى [ما ] بعد صلاة العصر من آخر أيام التشريق ، قاله علي ، وأبو يوسف ، ومحمد . والثاني: أنه من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر ، قاله ابن مسعود ، وأبو حنيفة . والثالث: من بعد صلاة الظهر يوم النحر إلى [ما ] بعد العصر من آخر أيام التشريق ، قاله ابن عمر ، وزيد بن ثابت ، وابن عباس ، والرابع: أنه يكبر من صلاة الظهر يوم النحر إلى [ما ] بعد صلاة الظهر من يوم النفر ، وهو الثاني من أيام التشريق ، قاله وعطاء . والخامس: أنه يكبر من الظهر يوم النحر إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق ، قاله الحسن . وهو أحد قولي مالك بن أنس ، والسادس: أنه يكبر من صلاة المغرب ليلة النحر إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق ، وهذا قول الشافعي . ومذهب إمامنا للشافعي . أنه كان محلا ، كبر عقيب ثلاث وعشرين صلاة; أولها الفجر يوم أحمد عرفة وآخرها العصر من آخر أيام التشريق ، وإن كان محرما كبر عقيب سبعة عشر صلاة; أولها الظهر من يوم النحر ، وآخرها العصر من آخر أيام التشريق .
وهل يختص هذا التكبير عقيب الفرائض بكونها في جماعة أم لا؟ فيه عن روايتان إحداهما: يختص بمن صلاها في جماعة ، وهو قول أحمد أبي حنيفة رحمه الله . والثانية: يختص بالفريضة ، وإن صلاها وحده ، وهو قول الشافعي .
وفي الأيام المعدودات ثلاثة أقوال . أحدها: أنها أيام التشريق ، قاله ابن عمر ، وابن [ ص: 218 ] عباس ، والحسن ، وعطاء ، ومجاهد ، في آخرين . والثاني: أنها يوم النحر ويومان بعده ، روي عن وقتادة علي ، والثالث: أنها أيام العشر ، قاله وابن عمر . ، سعيد بن جبير قال والنخعي . و "معدودات" يستعمل كثيرا للشيء القليل ، كما يقال: دريهمات وحمامات . الزجاج:
قوله تعالى: فمن تعجل في يومين أي: فمن تعجل النفر الأول في اليوم الثاني من أيام منى ، فلا إثم عليه ، ومن تأخر إلى النفر الثاني ، وهو اليوم الثالث من أيام منى ، فلا إثم عليه . فإن قيل ، إنما يخاف الإثم المتعجل ، فما بال المتأخر ألحق به ، والذي أتى به أفضل؟! فعنه أربعة أجوبة . أحدها: أن المعنى: لا إثم على المتعجل ، والمتأخر مأجور ، فقال: لا إثم عليه ، لتوافق اللفظة الثانية الأولى ، كقوله: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه والثاني: أن المعنى: فلا إثم على المتأخر في ترك استعمال الرخصة . والثالث: أن المعنى: قد زالت آثام المتعجل والمتأخر التي كانت عليها قبل حجهما . والرابع: أن المعنى: طرح المأثم عن المتعجل والمتأخر إنما يكون بشرط التقوى .
وفي معنى "لمن اتقى" ثلاثة أقوال . أحدها: لمن اتقى قتل الصيد ، قاله والثاني: لمن اتقى المعاصي في حجه ، قاله ابن عباس . وقال قتادة . إنما مغفرة الله لمن اتقى الله في حجه . والثالث: لمن اتقى فيما بقي من عمره ، قاله ابن مسعود: أبو العالية ، وإبراهيم .