أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير .
قوله تعالى: أو كالذي مر على قرية قال هذا معطوف على معنى الكلام الذي قبله ، معناه: أرأيت كالذي حاج الزجاج: إبراهيم ، أو كالذي مر على قرية؟ وفي المراد بالقرية قولان . أحدهما: أنها بيت المقدس لما خربه بختنصر ، قاله وهب ، وقتادة ، والربيع بن [ ص: 309 ] أنس . والثاني: أنها التي خرج منها الألوف حذر الموت ، قاله ابن زيد: وفي الذي مر عليها ثلاثة أقوال . أحدها: أنه عزير ، قاله علي بن أبي طالب ، وأبو العالية ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، وناجية بن كعب ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي ، والثاني: أنه ومقاتل . أرمياء ، قاله وهب ، ومجاهد ، وعبد الله بن عبيد بن عمير . والثالث: أنه رجل كافر شك في البعث ، نقل عن أيضا . والخاوية: الخالية ، قاله مجاهد وقال الزجاج . الخاوية: الخراب ، والعروش: السقوف ، وأصل ذلك أن تسقط السقوف ، ثم تسقط الحيطان عليها ابن قتيبة: (قال أنى يحيي هذه الله) أي: كيف يحييها . فإن قلنا: إن هذا الرجل نبي ، فهو كلام من يؤثر أن يرى كيفية الإعادة ، أو يستهو لها ، فيعظم قدرة الله ، وإن قلنا: إنه كان رجلا كافرا ، فهو كلام شاك ، والأول أصح .
قوله تعالى: فأماته الله مائة عام ثم بعثه .
الإشارة إلى قصته .
روى ناجية بن كعب عن علي رضي الله عنه قال: خرج عزير نبي الله من مدينته ، وهو رجل شاب ، فمر على قرية ، وهي خاوية على عروشها ، فقال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها ، فأماته الله مائة عام ، ثم بعثه ، وأول ما خلق الله منه عيناه ، فجعل ينظر إلى عظامه تنضم بعضها إلى بعض ، ثم كسيت لحما ، ونفخ فيها الروح . قال قبضه الله أول النهار ، وبعثه آخر النهار بعد مائة سنة . قال الحسن: ونودي من السماء: كم لبثت؟ قال مقاتل: فقال: لبثت يوما ، ثم نظر فرأى بقية من الشمس ، فقال: أو بعض يوم . فهذا يدل على أنه قتادة: عزير ، وقال أقام وهب بن منبه: أرميا بأرض مصر فأوحى الله إليه أن الحق بأرض إيلياء ، فركب حماره ، وأخذ معه سلة من عنب وتين ، ومعه سقاء جديد ، فيه ماء ، فلما [ ص: 310 ] بدا له شخص بيت المقدس وما حوله من القرى [والمساجد ] نظر إلى خراب لا يوصف [فلما رأى هدم بيت المقدس كالجبل العظيم ] قال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها؟ ثم نزل منها منزلا ، وربط حماره ، [وعلق سقاءه ] فألقى الله عليه النوم ، ونزع روحه مائة عام ، فلما مر منها سبعون عاما ، أرسل الله ملكا إلى ملك من ملوك فارس ، عظيم ، فقال: إن الله يأمرك أن تنفر بقومك ، فتعمر بيت المقدس وإيلياء وأرضها حتى تعود أعمر ما كانت ، [فقال الملك: أنظرني ثلاثة أيام حتى أتأهب لهذا العمل ، ولما يصلحه من أداة العمل ، فأنظره ثلاثة أيام ] فانتدب ثلاثمائة قهرمان ، ودفع إلى كل قهرمان ألف عامل ، وما يصلحه من أداة العمل [فسار إليها قهارمته ومعهم ثلاثمائة ألف عامل ] فلما وقعوا في العمل ، رد الله روح الحياة في عيني أرميا ، وآخر جسده ميت ، فنظر إليها تعمر ، فلما تمت بعد ثلاثين سنة; رد الله إليه الروح ، فنظر إلى طعامه وشرابه لم يتسنه [ونظر إلى حماره واقفا كهيئته يوم ربطه لم يطعم ولم يشرب ، ونظر إلى الرمة في عنق الحمار لم تتغير جديدة ، وقد أتى على ذلك ريح مائة عام ، وبرد مائة عام ، وحر مائة عام لم تتغير ولم تنتقص شيئا ، وقد نحل جسم أرميا من البلى ، فأنبت الله له لحما جديدا ، ونشز عظامه وهو ينظر ، فقال له الله: انظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه ، وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس ، وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال: أعلم أن الله على كل شيء قدير ] . وزعم أن هذه القصة كانت بعد رفع مقاتل عيسى عليه السلام .
قوله تعالى: (كم لبثت) قرأ ابن كثير ، ونافع ، "لبثت" و"لبثتم" في كل القرآن بإظهار التاء ، وقرأ وعاصم أبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، بالإدغام [لبت ] قال والكسائي من بين "لبثت" فلتباين المخرجين ، وذلك أن الظاء والذال والثاء من حيز ، [ ص: 311 ] والطاء والتاء والدال من حيز ، فلما تباين المخرجان ، واختلف الحيزان ، لم يدغم . ومن أدغمها أجراها مجرى المثلين ، لاتفاق الحرفين في أنهما من طرف اللسان ، وأصول الثنايا ، واتفاقهما في الهمس ورأى الذي بينهما من الاختلاف يسيرا ، فأجراهما مجرى المثلين . فأما طعامه وشرابه ، فقال أبو علي الفارسي: كان معه مكتل فيه عنب وتين ، وقلة فيها ماء . وقال وهب: كان معه تين وعنب ، وشرابه من العصير ، لم يحمض التين والعنب ، ولم يختمر العصير . السدي:
قوله تعالى: (لم يتسنه) قرأ ابن كثير ، ونافع: وأبو عمرو ، ، وعاصم (يتسنه) و(اقتده) و(ما أغنى عني ماليه) و(سلطانيه) و(وماهيه) بإثبات الهاء في الوصل . وكان وابن عامر: يحذفهن في الوصل ، ووافقه حمزة في حذف موضعين (يتسنه) و(اقتده) وكلهم يقف على الهاء . ولم يختلفوا في (كتابيه) و(حسابيه) أنها بالهاء وصلا ووقفا . فأما معنى: (لم يتسنه) فقال الكسائي ابن عباس ، والحسن ، في آخرين . لم يتغير . وقال وقتادة لم يتغير بمر السنين عليه ، واللفظ مأخوذ من السنه ، يقال: سانهت النخلة: إذا حملت عاما ، وحالت عاما . ابن قتيبة:
قوله تعالى: وانظر إلى حمارك قال انظر إليه ، وقد ابيضت عظامه ، وتفرقت أوصاله ، فأعاده الله . مقاتل:
قوله تعالى: ولنجعلك آية للناس اللام صلة لفعل مضمر تقديره: فعلنا بك ذلك لنريك قدرتنا ، ولنجعلك آية للناس ، أي: علما على قدرتنا ، فأضمر الفعل لبيان معناه . قال مات وهو ابن أربعين سنة ، وابنه ابن عشرين سنة ، ثم بعث وهو ابن أربعين ، وابنه ابن عشرين ومائة ، ثم أقبل حتى أتى قومه في ابن عباس: بيت المقدس ، فقال لهم: أنا عزير ، فقالوا: [ ص: 312 ] حدثنا آباؤنا أن عزيرا مات بأرض بابل ، فقال لهم: أنا هو أرسلني الله إليكم أجدد لكم توراتكم ، وكانت قد ذهبت ، وليس منهم أحد يقرؤها ، فأملاها عليهم .
قوله تعالى: وانظر إلى العظام قيل: أراد عظام نفسه ، وقيل: عظام حماره ، وقيل: هما جميعا .
قوله تعالى: (كيف ننشزها) قرأ ابن كثير ، ونافع ، (ننشرها) بضم النون الأولى ، وكسر الشين وراء مضمومة . ومعناه: نحييها ، يقال: أنشز الله الميت ، فنشرهم . وقرأ وأبو عمرو عاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، ننشزها ، بضم النون مع الزاي ، وهو من النشز الذي هو الارتفاع . والمعنى: نرفع بعضها إلى بعض للحياء . وقرأ والكسائي ، ننشزها ، بفتح النون ، ورفع الشين مع الزاي . وقرأ الأعمش: الحسن ، عن وأبان ننشرها ، بفتح النون مع الراء ، كأنه من النشر عن الطي ، فكأن الموت طواها ، والإحياء نشرها . عاصم:
قوله تعالى: (فلما تبين له) أي: بان له إحياء الموتى (قال أعلم) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، ، وعاصم "أعلم" مقطوعة الألف ، مضمومة الميم . والمعنى: قد علمت ما كنت أعلمه غيبا مشاهدة . وقرأ وابن عامر: حمزة بوصل الألف ، وسكون الميم على معنى الأمر ، والابتداء على قراءتهما بكسر الهمزة ، وظاهر الكلام أنه أمر من الله له . وقال أبو علي: نزل نفسه منزلة غيره ، فأمرها وخاطبها . وقرأ والكسائي الجعفي عن أبي بكر ، قال: "اعلم" بكسر اللام على معنى الأمر بإعلام الغيرش .