ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون [ ص: 149 ] قوله تعالى: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده إنما خص مال اليتيم ، لأن الطمع فيه ، لقلة مراعيه وضعف مالكه ، أقوى .
وفي قوله: إلا بالتي هي أحسن أربعة أقوال .
أحدها: أنه أكل الوصي المصلح للمال بالمعروف وقت حاجته ، قاله ابن عباس ، وابن زيد .
والثاني: التجارة فيه ، قاله سعيد بن جبير ، ومجاهد ، والضحاك ، والسدي .
والثالث: أنه حفظه له إلى وقت تسليمه إليه ، قاله ابن السائب .
والرابع: أنه حفظه عليه ، وتثميره له ، قاله . قال: و"حتى" محمولة على المعنى; فالمعنى: احفظوه عليه حتى يبلغ أشده ، فإذا بلغ أشده ، فادفعوه إليه . فأما الأشد ، فهو استحكام قوة الشباب والسن . قال الزجاج ومعنى الآية: حتى يتناهى في النبات إلى حد الرجال . يقال: بلغ أشده: إذا انتهى منتهاه قبل أن يأخذ في النقصان . وقال ابن قتيبة: الأشد لا واحد له منه; فإن أكرهوا على ذلك ، قالوا: شد ، بمنزلة: ضب ، والجمع: أضب . قال أبو عبيدة: وقال جماعة من البصريين: واحد الأشد: شد ، بضم الشين . وقال بعض البصريين: واحد الأشد: شدة ، كقولهم: نعمة ، وأنعم . وقال بعض أهل اللغة: الأشد: اسم لا واحد له . وللمفسرين في الأشد ثمانية أقوال . ابن الأنباري:
أحدها: أنه ثلاث وثلاثون سنة ، رواه عن ابن جبير ابن عباس .
والثاني: ما بين ثماني عشرة إلى ثلاثين سنة ، قاله عن أبو صالح ابن عباس .
والثالث: أربعون سنة ، روي عن عليها السلام . [ ص: 150 ] والرابع: ثماني عشرة سنة ، قاله عائشة سعيد بن جبير ، ومقاتل .
والخامس: خمس وعشرون سنة ، قاله عكرمة .
والسادس: أربع وثلاثون سنة ، قاله سفيان الثوري .
والسابع: ثلاثون سنة ، قاله وقال: ثم جاء بعد هذه الآية: السدي . حتى إذا بلغوا النكاح [النساء:6] فكأنه يشير إلى النسخ .
والثامن: بلوغ الحلم ، قاله زيد بن أسلم ، والشعبي ، ويحيى بن يعمر ، وربيعة ، وهو الصحيح . ولا أظن بالذين حكينا عنهم الأقوال التي قبله فسروا هذه الآية بما ذكر عنهم ، وإنما أظن أن الذين جمعوا التفاسير ، نقلوا هذه الأقوال من تفسير قوله تعالى: " ولما بلغ أشده " [يوسف:22 ، والقصص:14] إلى هذا المكان; وذلك نهاية الأشد ، وهذا ابتداء تمامه; وليس هذا مثل ذاك . قال ومالك بن أنس ، وفي الكلام محذوف ، ترك ذكره اكتفاء بدلالة ما ظهر عما حذف ، لأن المعنى: حتى يبلغ أشده; فإذا بلغ أشده ، فآنستم منه رشدا فادفعوا إليه ماله . ابن جرير:
قال المصنف: إن أراد بما ظهر ما ظهر في هذه الآية ، فليس بصحيح; وإنما استفيد إيناس الرشد والإسلام من آية أخرى; وإنما أطلق في هذه الآية ما قيد في غيرها ، فحمل المطلق على المقيد .
قوله تعالى: وأوفوا الكيل أي: أتموه ولا تنقصوا منه . والميزان أي: وزن الميزان . والقسط: العدل . لا نكلف نفسا إلا وسعها أي: ما يسعها ، ولا تضيق عنه . قال لما كان الكيل والوزن يتعذر فيهما التحديد بأقل القليل ، كلفنا الاجتهاد في التحري ، دون تحقيق الكيل والوزن . القاضي أبو يعلى:
قوله تعالى: وإذا قلتم فاعدلوا أي: إذا تكلمتم أو شهدتم ، فقولوا الحق ، [ ص: 151 ] ولو كان المشهود له أو عليه ذا قرابة . وعهد الله يشتمل على ما عهده إلى الخلق وأوصاهم به ، وعلى ما أوجبه الإنسان على نفسه من نذر وغيره . ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون أي: لتذكروه وتأخذوا به . قرأ ابن كثير ، "تذكرون"[الأنعام:153] "ويذكرون"[الأنعام:126] "ويذكر الإنسان"[مريم:67] و أن يذكر [الفرقان:62] ، و"ليذكروا"[الإسراء: 41] مشددا ذلك كله . وقرأ وأبو عمرو: نافع ، عن وأبو بكر عاصم ، كل ذلك بالتشديد إلا قوله: وابن عامر أولا يذكر الإنسان [مريم:67] فإنهم خففوه . روى أبان ، وحفص عن "يذكرون" خفيفة الذال في جميع القرآن . قرأ عاصم: حمزة ، يذكرون" مشددا إذا كان بالياء ، ومخففا إذا كان بالتاء . والكسائي:"