القول في تأويل قوله تعالى :
[ 35 ]
nindex.php?page=treesubj&link=30532_30539_30578_34370_28979nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=35وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون .
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=35وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء أي : تصفيرا :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=35وتصدية أي : تصفيقا بالأكف .
روى
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم أن
nindex.php?page=showalam&ids=13ابن عمرو رضي الله عنهما حكى فعلهم ، فصفر ، وأمال خده ، وصفق بيديه .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أيضا قال : إنهم كانوا يضعون خدودهم على الأرض ويصفرون ويصفقون .
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنهم كانوا يطوفون
بالبيت عراة ، يصفرون ويصفقون .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد أنهم كانوا يصنعون ذلك ليخلطوا على النبي صلى الله عليه وسلم صلاته .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري : يستهزئون بالمؤمنين .
وهذه الجملة إما معطوفة على :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=34وهم يصدون فيكون لتقرير استحقاقهم للعذاب ، أو على قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=34وما كانوا أولياءه فيكون تقريرا لعدم استحقاقهم لولايته .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فإن قلت : ما وجه هذا الكلام ؟ قلت : هو نحو من قوله ـ أي : (
nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق ) ـ :
وما كنت أخشى أن يكون عطاؤه أداهم سودا أو محدرجة سمرا
والمعنى أنه وضع القيود والسياط موضع العطاء ، ووضعوا المكاء والتصدية موضع الصلاة .
[ ص: 2990 ] وذلك أنهم كانوا يطوفون
بالبيت عراة ، الرجال والنساء ، وهم مشبكون بين أصابعهم ، يصفرون فيها ويصفقون .
وكانوا يفعلون ذلك إذا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته ، ويخلطون عليه .
ما كنت أخشى ، أي : ما كنت أعلم . وأداهم : جمع ( أدهم ) ، وهو الأسود من الحيات .
والعرب تذكر ( الأدهم ) ، وتريد به ( القيد ) ، كما في قصة
القبعثرى .
والمحدرجة : السياط . انتهى .
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=35فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون أي : اعتقادا وعملا ، وفيه إشعار بأن هذا الفعل المبطل لحرمة
البيت كفر ، للاستهانة بشعائره تعالى والسخرية بها .
والعذاب المذكور هو ما أصابهم يوم
بدر من القتل والسبي ، كما قاله غير واحد من السلف واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير .
تنبيه :
قال
ابن القيم في ( " إغاثة اللهفان " ) : المتقربون إلى الله بالصفير والتصفيق ، والمخلطون به على أهل الصلاة والذكر والقراءة ، أشباه هؤلاء المشركين ، قال
ابن عرفة nindex.php?page=showalam&ids=12590وابن الأنباري : المكاء والتصدية ليسا بصلاة ، ولكن الله تعالى أخبر أنهم جعلوا مكان الصلاة التي أمروا بها المكاء والتصدية ، فألزمهم ذلك عظيم الأوزار . وهذا كقولك : زرته فجعل جفائي صلتي ، أي : أقام الجفاء مقام الصلة .
والمقصود أن المصفقين والصفارين في يراع أو مزمار ونحوه ، فيهم شبه من هؤلاء ، ولو أنه مجرد الشبه الظاهر ، فلهم قسط من الذم ، بحسب تشبههم بهم ، وإن لم يتشبهوا بهم في جميع مكائهم وتصديتهم ، والله سبحانه لم يشرع التصفيق للرجال وقت الحاجة إليه في الصلاة إذا نابهم أمر ، بل أمروا بالعدول عنه إلى التسبيح ، لئلا يتشبهوا بالنساء ، فكيف إذا فعلوه ، لا لحاجة ، وقرنوا به أنواعا من المعاصي قولا وفعلا . انتهى .
[ ص: 2991 ] وقال قبله : ومن مكائد عدو الله ومصايده التي كاد بها من قل نصيبه من العلم والعقل والدين ، وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين ، سماع المكاء والتصدية ، والغناء بالآلات المحرمة الذي يصد القلوب عن القرآن ، ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان .
وقال شيخه
تقي الدين بن تيمية رحمه الله تعالى ، في بعض فتاويه : وأما
nindex.php?page=treesubj&link=19303_28373_19300_19290_33363اتخاذ التصفيق والغناء والضرب بالدفوف والنفخ بالشبابات والاجتماع على ذلك ، دينا وطريقا إلى الله وقربة ، فهذا ليس من دين الإسلام ، وليس مما شرعه لهم نبيهم
محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا أحد من خلفائه ، ولا استحسن ذلك أحد من أئمة المسلمين ، بل ولم يكن أحد من أهل الدين يفعل ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا عهد أصحابه ، ولا تابعيهم بإحسان ، ولا تابعي التابعين ، بل لم يكن أحد من أهل الدين من الأعصار الثلاثة ، لا
بالحجاز ولا
بالشام ولا
باليمن ولا
العراق ولا
بخراسان ولا
المغرب ولا
مصر يجتمع على مثل هذا السماع ، وإنما ابتدع في الإسلام بعد القرون الثلاثة ، ولهذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - لما رأى ذلك - : خلفت
ببغداد شيئا أحدثته الزنادقة يسمونه ( التغبير ) ، يصدون به الناس عن القرآن ، وسئل عنه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد فقال : أكرهه ، هو محدث . قيل ، أتجلس معهم ؟ قال : لا ! وكذلك كرهه سائر أئمة الدين ، وأكابر الشيوخ الصالحين لم يحضروه ، فلم يحضره مثل
nindex.php?page=showalam&ids=12358إبراهيم بن أدهم ، ولا
nindex.php?page=showalam&ids=14919الفضيل بن عياض ، ولا
nindex.php?page=showalam&ids=17117معروف الكرخي ، ولا
nindex.php?page=showalam&ids=12032أبو سليمان الداراني ولا
أحمد بن أبي الحواري ، ولا
nindex.php?page=showalam&ids=14479السري السقطي ، وأمثالهم .
والذين حضروه من الشيوخ من المحمودين ، تركوه في آخر أمرهم ، وأعيان المشايخ عابوا أهله ، كما ذكر ذلك الشيخ
عبد القادر ، والشيخ
أبو البيان وغيرهما من الشيوخ ، وما ذكره الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنهم أنه من إحداث الزنادقة ، من كلام إمام خبير بأصول الإسلام ، فإن هذا السماع لم يرغب فيه ، ويدعو إليه في الأصل ، إلا من هو متهم بالزندقة ،
كابن الراوندي nindex.php?page=showalam&ids=14868والفارابي وابن سينا وأمثالهم .
[ ص: 2992 ] ثم قال رحمه الله : نعم ! قد حضره أقوام من أهل الإرادة والمحبة ، ومن له نصيب في المحبة ، لما فيه من التحريك لهم ، ولم يعلموا غائلته ، ولا عرفوا مغبته ، كما دخل قوم من الفقهاء في أنواع من كلام الفلاسفة المخالف لدين الإسلام ظنا منهم أنه حق موافق ، ولم يعلموا غائلته ، ولا عرفوا مغبته ، فإن القيام بحقائق الدين علما وقولا وعملا وذوقا وخبرة لا يستقل به أكثر الناس ، ولكن الدليل الجامع هو الاعتصام بالكتاب والسنة .
ثم قال رحمه الله : ومن كان له خبرة بحقائق الدين ، وأحوال القلوب ، ومعارفها وأذواقها ، عرف أن سماع المكاء والتصدية لا يجلب للقلب منفعة ولا مصلحة ، إلا وفي ضمن ذلك من المفسدة ما هو أعظم منه ، فهو للروح كالخمر للجسد ، يفعل في النفوس أعظم ما تفعله حميا الكؤوس . ثم قال : وبالجملة فعلى المؤمن أن يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك شيئا يقرب إلى الجنة ، إلا وقد حدث به ، ولا شيئا يبعد عن النار ، إلا وقد حدث به ، وإن هذا السماع لو كان مصلحة ، لشرعه الله ورسوله ، فإن الله يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3اليوم أكملت لكم دينكم الآية .
وإذا وجد السامع به منفعة لقلبه ، ولم يجد شاهد ذلك من كتاب الله ولا من سنة رسوله ، لم يلتفت إليه . كما أن الفقيه إذا رأى قياسا لا يشهد له الكتاب والسنة ، لم يلتفت إليه انتهى .
وقد سلف لنا شيء من هذا البحث عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=152فاذكروني أذكركم فليراجع .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
[ 35 ]
nindex.php?page=treesubj&link=30532_30539_30578_34370_28979nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=35وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=35وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً أَيْ : تَصْفِيرًا :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=35وَتَصْدِيَةً أَيْ : تَصْفِيقًا بِالْأَكُفِّ .
رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=13ابْنَ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حَكَى فِعْلَهُمْ ، فَصَفَّرَ ، وَأَمَالَ خَدَّهُ ، وَصَفَّقَ بِيَدَيْهِ .
وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا قَالَ : إِنَّهُمْ كَانُوا يَضَعُونَ خُدُودَهُمْ عَلَى الْأَرْضِ وَيُصَفِّرُونَ وَيُصَفِّقُونَ .
وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَطُوفُونَ
بِالْبَيْتِ عُرَاةً ، يُصَفِّرُونَ وَيُصَفِّقُونَ .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَصْنَعُونَ ذَلِكَ لِيَخْلِطُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيُّ : يَسْتَهْزِئُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ .
وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ إِمَّا مَعْطُوفَةٌ عَلَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=34وَهُمْ يَصُدُّونَ فَيَكُونُ لِتَقْرِيرِ اسْتِحْقَاقِهِمْ لِلْعَذَابِ ، أَوْ عَلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=34وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ فَيَكُونُ تَقْرِيرًا لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِمْ لِوِلَايَتِهِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : فَإِنْ قُلْتَ : مَا وَجْهُ هَذَا الْكَلَامِ ؟ قُلْتُ : هُوَ نَحْوٌ مِنْ قَوْلِهِ ـ أَيِ : (
nindex.php?page=showalam&ids=14899الْفَرَزْدَقِ ) ـ :
وَمَا كُنْتُ أَخْشَى أَنْ يَكُونَ عَطَاؤُهُ أَدَاهِمَ سُودًا أَوْ مُحَدْرَجَةً سُمْرَا
وَالْمَعْنَى أَنَّهُ وَضَعَ الْقُيُودَ وَالسِّيَاطَ مَوْضِعَ الْعَطَاءِ ، وَوَضَعُوا الْمُكَاءَ وَالتَّصْدِيَةَ مَوْضِعَ الصَّلَاةِ .
[ ص: 2990 ] وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَطُوفُونَ
بِالْبَيْتِ عُرَاةً ، الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ ، وَهُمْ مُشَبِّكُونَ بَيْنَ أَصَابِعِهِمْ ، يُصَفِّرُونَ فِيهَا وَيُصَفِّقُونَ .
وَكَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ إِذَا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ ، وَيَخْلِطُونَ عَلَيْهِ .
مَا كُنْتُ أَخْشَى ، أَيْ : مَا كُنْتُ أَعْلَمُ . وَأَدَاهِمُ : جَمْعُ ( أَدْهَمَ ) ، وَهُوَ الْأَسْوَدُ مِنَ الْحَيَّاتِ .
وَالْعَرَبُ تَذْكُرُ ( الْأَدْهَمَ ) ، وَتُرِيدُ بِهِ ( الْقَيْدَ ) ، كَمَا فِي قِصَّةِ
الْقَبَعْثَرَى .
وَالْمُحَدْرَجَةُ : السِّيَاطُ . انْتَهَى .
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=35فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ أَيِ : اعْتِقَادًا وَعَمَلًا ، وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ الْمُبْطِلَ لِحُرْمَةِ
الْبَيْتِ كُفْرٌ ، لِلِاسْتِهَانَةِ بِشَعَائِرِهِ تَعَالَى وَالسُّخْرِيَةِ بِهَا .
وَالْعَذَابُ الْمَذْكُورُ هُوَ مَا أَصَابَهُمْ يَوْمَ
بَدْرٍ مِنَ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ ، كَمَا قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَاخْتَارَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ .
تَنْبِيهٌ :
قَالَ
ابْنُ الْقَيِّمِ فِي ( " إِغَاثَةِ اللَّهْفَانِ " ) : الْمُتَقَرِّبُونَ إِلَى اللَّهِ بِالصَّفِيرِ وَالتَّصْفِيقِ ، وَالْمُخْلِطُونَ بِهِ عَلَى أَهْلِ الصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ ، أَشْبَاهُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ ، قَالَ
ابْنُ عَرَفَةَ nindex.php?page=showalam&ids=12590وَابْنُ الْأَنْبَارِيِّ : الْمُكَاءُ وَالتَّصْدِيَةُ لَيْسَا بِصَلَاةٍ ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا مَكَانَ الصَّلَاةِ الَّتِي أُمِرُوا بِهَا الْمُكَاءَ وَالتَّصْدِيَةَ ، فَأَلْزَمَهُمْ ذَلِكَ عَظِيمَ الْأَوْزَارِ . وَهَذَا كَقَوْلِكَ : زُرْتُهُ فَجَعَلَ جَفَائِي صِلَتِي ، أَيْ : أَقَامَ الْجَفَاءَ مَقَامَ الصِّلَةِ .
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْمُصَفِّقِينَ وَالصَّفَّارِينَ فِي يَرَاعٍ أَوْ مِزْمَارٍ وَنَحْوِهِ ، فِيهِمْ شَبَهٌ مِنْ هَؤُلَاءِ ، وَلَوْ أَنَّهُ مُجَرَّدُ الشَّبَهِ الظَّاهِرِ ، فَلَهُمْ قِسْطٌ مِنَ الذَّمِّ ، بِحَسَبِ تَشَبُّهِهِمْ بِهِمْ ، وَإِنْ لَمْ يَتَشَبَّهُوا بِهِمْ فِي جَمِيعِ مُكَائِهِمْ وَتَصْدِيَتِهِمْ ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ لَمْ يُشَرِّعِ التَّصْفِيقَ لِلرِّجَالِ وَقْتَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ إِذَا نَابَهُمْ أَمْرٌ ، بَلْ أُمِرُوا بِالْعُدُولِ عَنْهُ إِلَى التَّسْبِيحِ ، لِئَلَّا يَتَشَبَّهُوا بِالنِّسَاءِ ، فَكَيْفَ إِذَا فَعَلُوهُ ، لَا لِحَاجَةٍ ، وَقَرَنُوا بِهِ أَنْوَاعًا مِنَ الْمَعَاصِي قَوْلًا وَفِعْلًا . انْتَهَى .
[ ص: 2991 ] وَقَالَ قَبْلَهُ : وَمِنْ مَكَائِدِ عَدُوِّ اللَّهِ وَمَصَايِدِهِ الَّتِي كَادَ بِهَا مَنْ قَلَّ نَصِيبُهُ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ وَالدِّينِ ، وَصَادَ بِهَا قُلُوبَ الْجَاهِلِينَ وَالْمُبْطِلِينَ ، سَمَاعُ الْمُكَاءِ وَالتَّصْدِيَةِ ، وَالْغَنَاءِ بِالْآلَاتِ الْمُحَرَّمَةِ الَّذِي يَصُدُّ الْقُلُوبَ عَنِ الْقُرْآنِ ، وَيَجْعَلُهَا عَاكِفَةً عَلَى الْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ .
وَقَالَ شَيْخُهُ
تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، فِي بَعْضِ فَتَاوِيهِ : وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=19303_28373_19300_19290_33363اتِّخَاذُ التَّصْفِيقِ وَالْغَنَاءِ وَالضَّرْبِ بِالدُّفُوفِ وَالنَّفْخِ بِالشَّبَّابَاتِ وَالِاجْتِمَاعِ عَلَى ذَلِكَ ، دِينًا وَطَرِيقًا إِلَى اللَّهِ وَقُرْبَةً ، فَهَذَا لَيْسَ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ ، وَلَيْسَ مِمَّا شَرَعَهُ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ خُلَفَائِهِ ، وَلَا اسْتَحْسَنَ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، بَلْ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ يَفْعَلُ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا عَهْدِ أَصْحَابِهِ ، وَلَا تَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ ، وَلَا تَابِعِي التَّابِعِينَ ، بَلْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ مِنَ الْأَعْصَارِ الثَّلَاثَةِ ، لَا
بِالْحِجَازِ وَلَا
بِالشَّامِ وَلَا
بِالْيَمَنِ وَلَا
الْعِرَاقِ وَلَا
بِخُرَاسَانَ وَلَا
الْمَغْرِبِ وَلَا
مِصْرَ يَجْتَمِعُ عَلَى مِثْلِ هَذَا السَّمَاعِ ، وَإِنَّمَا ابْتُدِعَ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ ، وَلِهَذَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ - لَمَّا رَأَى ذَلِكَ - : خَلَّفْتُ
بِبَغْدَادَ شَيْئًا أَحْدَثَتْهُ الزَّنَادِقَةُ يُسَمُّونَهُ ( التَّغْبِيرَ ) ، يَصُدُّونَ بِهِ النَّاسَ عَنِ الْقُرْآنِ ، وَسُئِلَ عَنْهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ فَقَالَ : أَكْرَهُهُ ، هُوَ مُحْدَثٌ . قِيلَ ، أَتَجْلِسُ مَعَهُمْ ؟ قَالَ : لَا ! وَكَذَلِكَ كَرِهَهُ سَائِرُ أَئِمَّةِ الدِّينِ ، وَأَكَابِرُ الشُّيُوخِ الصَّالِحِينَ لَمْ يَحْضُرُوهُ ، فَلَمْ يَحْضُرْهُ مِثْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=12358إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ ، وَلَا
nindex.php?page=showalam&ids=14919الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ ، وَلَا
nindex.php?page=showalam&ids=17117مَعْرُوفٍ الْكَرْخِيِّ ، وَلَا
nindex.php?page=showalam&ids=12032أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارِانِيُّ وَلَا
أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحِوَارِيِّ ، وَلَا
nindex.php?page=showalam&ids=14479السَّرِيُّ السَّقَطِيُّ ، وَأَمْثَالُهُمْ .
وَالَّذِينَ حَضَرُوهُ مِنَ الشُّيُوخِ مِنَ الْمَحْمُودِينَ ، تَرَكُوهُ فِي آخِرِ أَمْرِهِمْ ، وَأَعْيَانُ الْمَشَايِخِ عَابُوا أَهْلَهُ ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الشَّيْخُ
عَبْدُ الْقَادِرِ ، وَالشَّيْخُ
أَبُو الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الشُّيُوخِ ، وَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ مِنْ إِحْدَاثِ الزَّنَادِقَةِ ، مِنْ كَلَامِ إِمَامٍ خَبِيرٍ بِأُصُولِ الْإِسْلَامِ ، فَإِنَّ هَذَا السَّمَاعَ لَمْ يَرْغَبْ فِيهِ ، وَيَدْعُو إِلَيْهِ فِي الْأَصْلِ ، إِلَّا مَنْ هُوَ مُتَّهَمٌ بِالزَّنْدَقَةِ ،
كَابْنِ الرَّاوِنْدِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=14868وَالْفَارَابِيِّ وَابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِمْ .
[ ص: 2992 ] ثُمَّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : نَعَمْ ! قَدْ حَضَرَهُ أَقْوَامٌ مِنْ أَهْلِ الْإِرَادَةِ وَالْمَحَبَّةِ ، وَمَنْ لَهُ نَصِيبٌ فِي الْمَحَبَّةِ ، لِمَا فِيهِ مِنَ التَّحْرِيكِ لَهُمْ ، وَلَمْ يَعْلَمُوا غَائِلَتَهُ ، وَلَا عَرَفُوا مَغَبَّتَهُ ، كَمَا دَخَلَ قَوْمٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنْوَاعٍ مِنْ كَلَامِ الْفَلَاسِفَةِ الْمُخَالِفِ لِدِينِ الْإِسْلَامِ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُ حَقٌّ مُوَافِقٌ ، وَلَمْ يَعْلَمُوا غَائِلَتَهُ ، وَلَا عَرَفُوا مَغَبَّتَهُ ، فَإِنَّ الْقِيَامَ بِحَقَائِقِ الدِّينِ عِلْمًا وَقَوْلًا وَعَمَلًا وَذَوْقًا وَخِبْرَةً لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ أَكْثَرُ النَّاسِ ، وَلَكِنَّ الدَّلِيلَ الْجَامِعَ هُوَ الِاعْتِصَامُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ .
ثُمَّ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَمَنْ كَانَ لَهُ خِبْرَةٌ بِحَقَائِقِ الدِّينِ ، وَأَحْوَالِ الْقُلُوبِ ، وَمَعَارِفِهَا وَأَذْوَاقِهَا ، عَرَفَ أَنَّ سَمَاعَ الْمُكَاءِ وَالتَّصْدِيَةِ لَا يَجْلِبُ لِلْقَلْبِ مَنْفَعَةً وَلَا مَصْلَحَةً ، إِلَّا وَفِي ضِمْنِ ذَلِكَ مِنَ الْمَفْسَدَةِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ ، فَهُوَ لِلرُّوحِ كَالْخَمْرِ لِلْجَسَدِ ، يَفْعَلُ فِي النُّفُوسِ أَعْظَمَ مَا تَفْعَلُهُ حَمِيَّا الْكُؤُوسِ . ثُمَّ قَالَ : وَبِالْجُمْلَةِ فَعَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا يُقَرِّبُ إِلَى الْجَنَّةِ ، إِلَّا وَقَدْ حَدَّثَ بِهِ ، وَلَا شَيْئًا يُبْعِدُ عَنِ النَّارِ ، إِلَّا وَقَدْ حَدَّثَ بِهِ ، وَإِنَّ هَذَا السَّمَاعَ لَوْ كَانَ مَصْلَحَةً ، لَشَرَّعَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ الْآيَةَ .
وَإِذَا وَجَدَ السَّامِعُ بِهِ مَنْفَعَةً لِقَلْبِهِ ، وَلَمْ يَجِدْ شَاهِدَ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَلَا مِنْ سُنَّةِ رَسُولِهِ ، لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ . كَمَا أَنَّ الْفَقِيهَ إِذَا رَأَى قِيَاسًا لَا يَشْهَدُ لَهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ انْتَهَى .
وَقَدْ سَلَفَ لَنَا شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْبَحْثِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=152فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ فَلْيُرَاجَعْ .