القول في تأويل قوله تعالى :
[2 ]
nindex.php?page=treesubj&link=33133_33144_33147_34513_28972nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الحمد لله رب العالمين
" الحمد لله" أي الثناء بالجميل ، والمدح بالكمال ثابت لله دون سائر ما يعبد من دونه، ودون كل ما برأ من خلقه . واللام في "الحمد" للاستغراق أي استغراق جميع أجناس الحمد وثبوتها لله تعالى تعظيما وتمجيدا- كما في الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=943534« اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله» .
[ ص: 7 ] قال الإمام
ابن القيم في "طريق الهجرتين": الملك والحمد في حقه تعالى متلازمان. فكل ما شمله ملكه وقدرته شمله حمده ، فهو محمود في ملكه ، وله الملك والقدرة مع حمده ، فكما يستحيل خروج شيء من الموجودات عن ملكه وقدرته ، يستحيل خروجها عن حمده وحكمته ، ولهذا يحمد سبحانه نفسه عند خلقه وأمره لينبه عباده على أن مصدر خلقه وأمره عن حمده . فهو محمود على كل ما خلقه وأمر به ، حمد شكر وعبودية ، وحمد ثناء ومدح، ويجمعهما التبارك ، "فتبارك الله" يشمل ذلك كله ، ولهذا ذكر هذه الكلمة عقيب قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=54ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين فالحمد أوسع الصفات وأعم المدائح . والطرق إلى العلم به في غاية الكثرة ، والسبيل إلى اعتباره في ذرات العالم وجزئياته ، وتفاصيل الأمر والنهي واسعة جدا ، لأن جميع أسمائه ، تبارك وتعالى حمد ، وصفاته حمد ، وأفعاله حمد ، وأحكامه حمد ، وعدله حمد ، وانتقامه من أعدائه حمد ، وفضله في إحسانه إلى أوليائه حمد ، والخلق والأمر إنما قام بحمده ، ووجد بحمده ، وظهر بحمده ، وكان الغاية هي حمده ، فحمده سبب ذلك وغايته ومظهره وحامله ، فحمده روح كل شيء ، وقيام كل شيء بحمده ، وسريان حمده في الموجودات ، وظهور آثاره فيه أمر مشهود بالأبصار والبصائر -ثم قال- : وبالجملة فكل صفة علياء ، واسم حسن ، وثناء جميل ، وكل حمد ومدح وتسبيح وتنزيه وتقديس وجلال وإكرام فهو لله عز وجل على أكمل الوجوه وأتمها وأدومها ؛ وجميع ما يوصف به ، ويذكر به ، ويخبر عنه به فهو محامد له وثناء وتسبيح وتقديس، فسبحانه وبحمده لا يحصي أحد من خلقه ثناء عليه . اهـ.
" رب العالمين" الرب يطلق على السيد المطاع وعلى المصلح وعلى المالك -تقول : ربه يربه فهو رب كما تقول : نم عليه ينم فهو نم -فهو صفة مشبهة، ويجوز أن يكون
[ ص: 8 ] مصدرا بمعنى التربية ، وهي : تبليغ الشيء إلى كماله شيئا فشيئا ، وصف به الفاعل مبالغة كما وصف بالعدل ، والرب - باللام - لا يقال إلا لله عز وجل . وهو في غيره على التقييد بالإضافة - كرب الدار- ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=50ارجع إلى ربك nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=23إنه ربي أحسن مثواي
و "العالمين" جمع عالم وهو : الخلق كله وكل صنف منه ، وإيثار صيغة الجمع لبيان شمول ربوبيته تعالى لجميع الأجناس ، والتعريف لاستغراق أفراد كل منها بأسرها .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
[2 ]
nindex.php?page=treesubj&link=33133_33144_33147_34513_28972nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
" الْحَمْدُ لِلَّهِ" أَيِ الثَّنَاءُ بِالْجَمِيلِ ، وَالْمَدْحُ بِالْكَمَالِ ثَابِتٌ لِلَّهِ دُونَ سَائِرِ مَا يَعْبُدُ مِنْ دُونِهِ، وَدُونِ كُلِّ مَا بَرَأَ مِنْ خَلْقِهِ . وَاللَّامُ فِي "الْحَمْدُ" لِلِاسْتِغْرَاقِ أَيِ اسْتِغْرَاقُ جَمِيعِ أَجْنَاسِ الْحَمْدِ وَثُبُوتُهَا لِلَّهِ تَعَالَى تَعْظِيمًا وَتَمْجِيدًا- كَمَا فِي الْحَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=943534« اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ وَلَكَ الْمُلْكُ كُلُّهُ» .
[ ص: 7 ] قَالَ الْإِمَامُ
ابْنُ الْقَيِّمِ فِي "طَرِيقِ الْهِجْرَتَيْنِ": الْمُلْكُ وَالْحَمْدُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى مُتَلَازِمَانِ. فَكُلُّ مَا شَمِلَهُ مُلْكَهُ وَقُدْرَتُهُ شَمِلَهُ حَمْدُهُ ، فَهُوَ مَحْمُودٌ فِي مُلْكِهِ ، وَلَهُ الْمُلْكُ وَالْقُدْرَةُ مَعَ حَمْدِهِ ، فَكَمَا يَسْتَحِيلُ خُرُوجُ شَيْءٍ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ عَنْ مُلْكِهِ وَقُدْرَتِهِ ، يَسْتَحِيلُ خُرُوجُهَا عَنْ حَمْدِهِ وَحِكْمَتِهِ ، وَلِهَذَا يَحْمَدُ سُبْحَانَهُ نَفْسَهُ عِنْدَ خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ لِيُنَبِّهَ عِبَادَهُ عَلَى أَنَّ مَصْدَرَ خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ عَنْ حَمْدِهِ . فَهُوَ مَحْمُودٌ عَلَى كُلِّ مَا خَلَقَهُ وَأَمَرَ بِهِ ، حَمْدَ شُكْرٍ وَعُبُودِيَّةٍ ، وَحَمْدَ ثَنَاءٍ وَمَدْحٍ، وَيَجْمَعُهُمَا التَّبَارُكُ ، "فَتَبَارَكَ اللَّهُ" يَشْمَلُ ذَلِكَ كُلَّهُ ، وَلِهَذَا ذَكَرَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ عَقِيبَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=54أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ فَالْحَمْدُ أَوْسَعُ الصِّفَاتِ وَأَعَمُّ الْمَدَائِحِ . وَالطُّرُقُ إِلَى الْعِلْمِ بِهِ فِي غَايَةِ الْكَثْرَةِ ، وَالسَّبِيلُ إِلَى اعْتِبَارِهِ فِي ذَرَّاتِ الْعَالَمِ وَجُزْئِيَّاتِهِ ، وَتَفَاصِيلِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَاسِعَةٌ جِدًّا ، لِأَنَّ جَمِيعَ أَسْمَائِهِ ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَمْدٌ ، وَصِفَاتُهُ حَمْدٌ ، وَأَفْعَالُهُ حَمْدٌ ، وَأَحْكَامُهُ حَمْدٌ ، وَعَدْلُهُ حَمْدٌ ، وَانْتِقَامُهُ مِنْ أَعْدَائِهِ حَمْدٌ ، وَفَضْلُهُ فِي إِحْسَانِهِ إِلَى أَوْلِيَائِهِ حَمْدٌ ، وَالْخَلْقُ وَالْأَمْرُ إِنَّمَا قَامَ بِحَمْدِهِ ، وَوُجِدَ بِحَمْدِهِ ، وَظَهَرَ بِحَمْدِهِ ، وَكَانَ الْغَايَةُ هِيَ حَمْدُهُ ، فَحَمْدُهُ سَبَبُ ذَلِكَ وَغَايَتُهُ وَمَظْهَرُهُ وَحَامِلُهُ ، فَحَمْدُهُ رُوحُ كُلِّ شَيْءٍ ، وَقِيَامُ كُلِّ شَيْءٍ بِحَمْدِهِ ، وَسَرَيَانُ حَمْدِهِ فِي الْمَوْجُودَاتِ ، وَظُهُورُ آثَارِهِ فِيهِ أَمْرٌ مَشْهُودٌ بِالْأَبْصَارِ وَالْبَصَائِرِ -ثُمَّ قَالَ- : وَبِالْجُمْلَةِ فَكُلُّ صِفَةِ عَلْيَاءَ ، وَاسْمِ حُسْنٍ ، وَثَنَاءٍ جَمِيلٍ ، وَكُلُّ حَمْدٍ وَمَدْحٍ وَتَسْبِيحٍ وَتَنْزِيهٍ وَتَقْدِيسٍ وَجَلَالٍ وَإِكْرَامٍ فَهُوَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ وَأَتَمِّهَا وَأَدْوَمِهَا ؛ وَجَمِيعُ مَا يُوصَفُ بِهِ ، وَيُذْكَرُ بِهِ ، وَيُخْبَرُ عَنْهُ بِهِ فَهُوَ مَحَامِدُ لَهُ وَثَنَاءٌ وَتَسْبِيحٌ وَتَقْدِيسٌ، فَسُبْحَانَهُ وَبِحَمْدِهِ لَا يُحْصِي أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ ثَنَاءً عَلَيْهِ . اهـ.
" رَبِّ الْعَالَمِينَ" الرَّبُّ يُطْلَقُ عَلَى السَّيِّدِ الْمُطَاعِ وَعَلَى الْمُصْلِحِ وَعَلَى الْمَالِكِ -تَقُولُ : رَبَّهُ يَرُبُّهُ فَهُوَ رَبٌّ كَمَا تَقُولُ : نَمَّ عَلَيْهِ يَنِمُّ فَهُوَ نَمٌّ -فَهُوَ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
[ ص: 8 ] مَصْدَرًا بِمَعْنَى التَّرْبِيَةِ ، وَهِيَ : تَبْلِيغُ الشَّيْءِ إِلَى كَمَالِهِ شَيْئًا فَشَيْئًا ، وُصِفَ بِهِ الْفَاعِلُ مُبَالَغَةً كَمَا وُصِفَ بِالْعَدْلِ ، وَالرَّبُّ - بِاللَّامِ - لَا يُقَالُ إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . وَهُوَ فِي غَيْرِهِ عَلَى التَّقْيِيدِ بِالْإِضَافَةِ - كَرَبِّ الدَّارِ- وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=50ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=23إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ
وَ "الْعَالَمِينَ" جَمْعُ عَالَمٍ وَهُوَ : الْخَلْقُ كُلُّهُ وَكُلُّ صِنْفٍ مِنْهُ ، وَإِيثَارُ صِيغَةِ الْجَمْعِ لِبَيَانِ شُمُولِ رُبُوبِيَّتِهِ تَعَالَى لِجَمِيعِ الْأَجْنَاسِ ، وَالتَّعْرِيفُ لِاسْتِغْرَاقِ أَفْرَادِ كُلٍّ مِنْهَا بِأَسْرِهَا .